أقلام وأراء

عبد المجيد سويلم يكتب – محاولة لفهم وتفسير تراجع القائمة المشتركة

عبد المجيد سويلم – 29/3/2021

علينا أن نسجل أولاً أن هذا التراجع مهما كان متوقعاً، إلاّ أنه جاء صادماً للكثيرين، وأنا من بينهم، كما كان صادماً لمعظم المتابعين والمراقبين المهتمين بشكل خاص بهذه الانتخابات في نسختها الرابعة، والتي ما زالت مفتوحة على انتخابات خامسة حتى تاريخه.

وعلينا أن نسجل ثانياً أن الإقدام على محاولة كهذه، في هذا الوقت المبكر بعيد ظهور نتائجها، وقبل أن تقوم “المشتركة” نفسها بتقديم التفسير والتبرير، وقبل إجراء ما يلزمها من مراجعة واستخلاص العبر  أو الدروس .. فإن الإقدام على هذه المحاولة الاستباقية إذا جاز التعبير ينطوي ليس فقط على درجةٍ معيّنة من “التسرّع”، وإنما على افتعال “ضغوط” للحصول على إجابات مقنعة وشافية عن مسألة ما زالت برسم التفاعل، سواء على الصعيد الحزبي أو على الصعيد الجماهيري، وهي ما زالت وما سينجم عنها من تطورات، وما ستؤدي إليه من نتائج عملية غامضة في إطار النجاح بتشكيل حكومة قابلة للاستمرار من عدمه، أو الذهاب والعودة من جديد إلى مربع الصفر وإلى الانتخابات الخامسة.

وأماً ثالثاً، وبصرف النظر عن كل ما سبق، فإن هناك ما يكفي من النقاش “الأولي” حول مبدأ بقاء الصيغة، وحول جدوى هذا “الشكل” من الائتلافات الانتخابية، وحول جدلية الوطنية والمواطنة، ودرجة اشتباك المطلبية مع الحقوق السياسية، وهما ـ الجدلية والاشتباك ـ عاملان يتفاعلان بعمق في تحديد الاتجاه القادم حول هذه الصيغة التي أشرنا إليها.

لا تكمن صعوبة فهم وتفسير تراجع القائمة المشتركة في المعتاد، أو ما تحول إلى معتاد في الأسباب التي تساق على هذا الصعيد، وخصوصاً تحول “المشتركة” إلى علاقة “انتخابية” موسمية مع الناس التي التفت حولها في السنوات الأخيرة تحديداً، وابتعاد مكوناتها عن العمل الجماهيري اليومي المتواصل والمثابر، والمراهنات “المغالية” على الدور السياسي الذي يمكن أن يترتب على زيادة التمثيل في الكنيست الإسرائيلي، وطبعاً عزوف الناس عن المشاركة النشطة، بعد تعرض وحدتها لهزة ثانية، كانت بمثابة ضربة قوية نزلت على رؤوس الناس في فترة حساسة وحرجة من السباق السياسي والانتخابي.

كما لا تكمن هذه الصعوبة في رؤية بعض مظاهر القصور في الأداء الدعائي، أو الانجرار إلى مربعات “ممجوجة” من لغة المناكفة وتنابز الألقاب، والأوصاف، ودرجة لافتة من سوقية التسويق وتراجع احترام الحق بالاختلاف، وحصر هذا الاختلاف في زاوية المشبوه والمريب والمخيف، بالرغم من أن شق القائمة المشتركة لا يخرج في واقع الحال عن هذه المواصفات الثلاث.

أقصد أن لغة التنديد احتلت كامل مساحة التفنيد.

لكني في هذه المقالة المتعجّلة، وقبل أن تبدأ أي مراجعات جادة للتجربة الأخيرة ـ وهي لا بدّ أن تبدأ ـ أسجل على أداء وسلوك ونمط تفكير القائمة المشتركة القضايا الآتية:

• لم يتم، ولا لمجرد التفكير بتغيير الوجوه واستبدالها بوجوهٍ جديدة.

صحيح أن رموز القائمة المشتركة تحظى باحترام كبير، ولها من المواصفات الوطنية والقيادية ما يثير الإعجاب، لكن الناس تريد أن تلمس في غمار المعارك الوطنية والانتخابية، بل وتنتظر أيضاً رؤية القدوة والمثل والنموذج.

لا يوجد أي نوع من التناقض في معادلة الموازنة بين الاحترام والنموذج للابتزاز، بل إن العكس تماماً هو الصحيح، ذلك أن عدم التجديد، والتمترس في المواقع والمناصب، والإصرار عليه لم يعد مقنعاً بسبب عامل الاحترام فقط.

الناس لا تكفّ عن احترام الرموز عندما تترك مواقعها ومناصبها، والعكس تماماً هو الصحيح هنا أيضاً.

الناس ستحترم هذه الرموز الوطنية أكثر عندما تتراجع وتقدم قيادات جديدة بدلاً منها، بل وستشعر الناس أن ثمة مصداقية إضافية، نوعياً، في خطاب الرموز القيادية.

أوليس واضحاً للناس لماذا لا تقدم القائمة المشتركة وجوهاً مستقلة بدلاً من الوجوه الفاقعة في حزبيتها.

لم تدرك ـ على ما يبدو ـ قيادات القائمة المشتركة أن تقديم المستقلين والمستقلات لا ينسجم مع واقع المجتمع الحاضن فقط، وإنما يفضي إلى الدخول في المزيد من مساحة التأييد، وإلى توسيع دائرة الدعم والإسناد الجماهيري.

الأحزاب السياسية الحديثة غادرت منذ زمن بعيد “تأمين” قياداتها الضيقة في المواقع المضمونة حصراً، وتحولت إلى المراهنة على الوجوه المحترمة جماهيرياً في البحث عن فضاءات سياسية جديدة، خصوصاً أن عدد الحزبيين في المجتمع ـ أي مجتمع ـ لا يتجاوز 5 ـــ 10% من أعداد المجتمع السياسي النشط، ومن أعداد المؤهلين منهم لدخوله.

في مجتمع الأهل في الداخل الفلسطيني بالذات دخلت آلاف مؤلّفة من الجيل التكنوقراطي الجديد إلى عالم السياسة على طريقته، دونت مفاهيم خاصة بهذا الجيل، ليست نسخة طبق الأصل عن النمط القائم في الخارطة السياسية والاجتماعية والثقافية، ولا حتى الاقتصادية لهذه النمطية التي تكرست في أذهان الناس على مدى زمني طويل.

ليس واضحاً ـ لنا ـ نحن معشر المراقبين والمتابعين والمهتمين بشكل خاص بشأن الأهل في الداخل الفلسطيني ـ لماذا غابت هذه المسائل في فعل وأداء “المشتركة”.

• معروف للقاصي والداني، والأمر لا يحتاج إلى عبقرية خاصة أن “الإسلام السياسي” في الغالب يحاول جرّ القوى المناوئة له، أو جر خصومه السياسيين إلى مربع السلوك بدلاً من ساحة الصراع الأساسية.

نجح “الإسلام السياسي” في هذا المجال في أكثر من بلدٍ وساحة، ونجح في تحويل الصراع الوطني والاجتماعي وكأنه صراع على “السلوك” وليس صراعاً على أولويات العمل الوطني واستحقاقاته، ونحح أحياناً في إظهار خصومه وكأنهم خارج ثقافة وقيم المجتمع، بل وكأنهم يتعمدون ويهدفون للتمرد على هذه الثقافة وهذه القيم.

لا أقول، إن “المشتركة” لم تكن واعية لهذه الكمائن، ولا أدّعي أنها لم تحاول فهم وإدراك هذه “الخبائثية” العالية في خطط ومنطلقات وممارسات “الإسلام السياسي” في الداخل الفلسطيني، ولكني أقول هنا، إن “المشتركة” لم تحبط هذا المخطط، ولم تتمكن من “إلزام” “الإسلام السياسي” بالبقاء في دائرة الصراع الحقيقية، وفي دائرة أولويات العمل الوطني.

نعرف جيداً إلى أين سيصل “الإسلام السياسي”، وكيف أنه سيلعب لعبة تركيا وقطر والإمارات، تماماً كيف أنه سيلعب لعبة فتح وحماس، ولعبة نتنياهو ولبيد، وسيعجز ميكافيلي نفسه أن “يغمس” ولو لقمة واحدة مع هذا “الإسلام السياسي”، لكن أن يصل “الإسلام السياسي” إلى تخوم هذه الإمكانية يعني أن خللاً كبيراً قد حصل فعلاً. ولهذا سنتابع المساهمة في محاولة فهم التراجع في مقالات قادمة.

3

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى