أقلام وأراء

عبد المجيد سويلم يكتب – قراءة في الحدث المغربي ..!

عبد المجيد سويلم 2021-09-13

بعض الكتّاب الفلسطينيين، وبعض الكتّاب العرب أيضاً، لم يلفت انتباههم في حدث نتائج الانتخابات المغربية سوى مسألة التطبيع، أو أنهم انشدُّوا إلى هذه المسألة بالذات أكثر من انشدادهم إلى أيّ مسألة أخرى.
لا يمكن التقليل من شأن وتأثير مسألة التطبيع على كل حال، ولا يمكن اعتبارها مسألة هامشية أو ثانوية، لكن التطبيع بهذا المعنى هو مجرد مؤشر على قضايا أكبر وأعمق من ذلك.
حزب العدالة والتنمية في المغرب، والذي تربع على كرسي رئاسة الحكومة المغربية على مدى عقد كامل لم يتعرض لمجرد هزيمة انتخابية، أو أنه تراجع بصورة أعلى من كل توقع، أو حتى أن قطاعات واسعة قد تخلت عن الحزب، المسألة كما أرى هي حالة أقرب إلى الانهيار منها إلى أي هزيمة من أي نوع كانت.
فلو كانت المسألة هي مجرد موقف للحزب بالموافقة على التطبيع، وجاء الموقف الشعبي «ليعاقب» الحزب على هذا الموقف بالذات لما رأينا التأييد الشعبي المقابل لأحزاب لها نفس المواقف من التطبيع، وهي ليست على مواقف متناقضة مع أو معارضة له.
إذاً بأي معنى كانت مسألة التطبيع مؤثرة على مواقف قطاعات واسعة من الجماهير التي كانت تساند حزب العدالة وتراجعت عن هذه المساندة والدعم؟
الحقيقة أن هذه القطاعات قد شعرت بأن الحزب يفتقد للمصداقية والشفافية، وأنه خادع جماهيره في هذه المسألة الحساسة، ولم يمتلك شجاعة اتخاذ الموقف الذي كان ينادي به، والذي كان مفاده أن الحزب وقف ويقف وسيقف ضد التطبيع!
الذي جرى هو أن حزب العدالة انقلب على هذا الموقف بسرعة مذهلة، ولم يقدم لجماهيره إجابة، أو إجابات مقنعة للناس، ولم يتمكن لا من تفسير مواقفه، ولا من تبريرها، ما وضعه في موقف محرج لا يُحسد عليه.
بهذا المعنى بالذات، وبهذا المعنى التفصيلي، وعلى هذا الأساس بالذات كانت مسألة التطبيع عاملاً مؤثراً في نتائج الانتخابات المغربية.
لقد «اكتشفت» القواعد العريضة للحزب من خلال «مخادعة» مسألة التطبيع أن هذا الحزب منشد لمصالحه أكثر مما هو منشد إلى مصالح الناس وهمومهم ومصالحهم، كما شعرت، وكانت قد استشعرت ذلك منذ فترة ليست بقصيرة.
إن الحزب وقياداته العليا على وجه التحديد قد «تبرجزت» و»تبقرطت» واغتنت أيضاً في وقت تعاني فيه البلاد من مشكلات اقتصادية واجتماعية حادة في بعض جوانبها، وفي وقت تعاني منه شرائح كثيرة وواسعة نسبياً من المجتمع المغربي من معدلات عالية للفقر والبطالة بالرغم من التقدم الذي أحرزه المغرب في جوانب تنموية عدة.
إذ لا يعقل أبداً أن حزباً كان له 125 مقعداً في الانتخابات السابقة على الانتخابات الأخيرة يهوي ليتحصل على 13 مقعداً فقط لولا أن قناعات راسخة جديدة قد تكونت لدى قطاعات واسعة وممتدة من أنصار الحزب ومؤيديه السابقين، ولولا أن المسألة في أذهان هذه القطاعات قد انتقلت من دائرة الشكوك والهواجس والمخاوف إلى دائرة اليقين وإلى دائرة المؤكد المحسوم.
فكيف لحزب أن لا يتمكن من «إنجاح» رئيس الحزب في دائرة مدينة الرباط أن «يُنجح» قيادات أو إطارات (كادرات) أقل شأناً من العثماني بكثير، بكل ما كان يتمتع به العثماني من تاريخ وهيبة ومعارف وتجارب طويلة؟
يبدو إذاً أن حزب العدالة والتنمية قد انكشف من قبل الناس بكونه «فقد» مصداقيته، وفقد القدرة على الإقناع، بعد أن تحول همّه الأول إلى الحفاظ على مصالح الطبقة السياسية التي بات يمثلها، وبات يدافع عن مصالحها وامتيازاتها.
والذي زكّى هذه النتيجة وأعطى لها مضموناً عميقاً، هو أن الانتخابات في المغرب الشقيق تجري بصورة دورية منتظمة، وأن لا فرصة «بالركون» إلى تباعد الفترات الزمنية بين هذه الانتخابات ما يعني أن فرصة رقابة الناس على الأحزاب، ومحاسبتها بل ومعاقبتها إذا لزم الأمر واقتضت الضرورة هي فرصة حقيقية متكررة حسب انتظام الدورات الانتخابية نفسها.
وما زكّى ويزكّي فهم هذه النتائج المدوية للانتخابات المغربية هو أن حزب العدالة والتنمية قد أخذ فرصته الكاملة، ولم يتم ولا للحظة واحدة الانتقاص من حقه الدستوري بلزوم وأحقيته في تشكيل الحكومة فور صدور نتائج الانتخابات، والالتزام التام من قبل القصر الملكي بالموجبات الدستورية لهذا الاستحقاق.
لا يستطيع أحد أن يدعي أن الحزب لم يأخذ فرصته، أو أنه قد جرى الانتقاص من هذه الفرصة بأي شكل من الأشكال. إضافةً إلى ذلك كله فإن حزب العدالة والتنمية في المغرب لم يُعِرْ الجوانب التنموية الاهتمام الكافي، أو لنقل الاهتمام الذي تستحقه في بلدٍ كالمغرب، هو أحوج ما يكون للنجاح في المسألة التنموية، في حين ركّز الحزب الاهتمام الأكبر على امتيازات السلطة التي «وفّرت» له الكثير الكثير منها.
بهذا المعنى أيضاً فإن الحزب لم يكن مثابراً وفاعلاً في محاربة الفساد، على عكس ما كان يدعي، وعلى عكس كل ما توقعه الناس منه.
معروف أن الفساد ظاهرة عالمية وليست محلية في أي مجتمع من المجتمعات، وأن ظاهرة الفساد هي ظاهرة متفشية في كل مجتمعات البلدان النامية بما فيها المغرب، ومعروف أن الفساد هو أحد أكبر وأهم الأسباب لهدر الثروة والطاقات في معظم البلدان العربية.
لم يلحظ المغاربة أن حزب العدالة والتنمية قد بذل جهوداً خاصة على هذا الصعيد، بل لم يلحظ المغاربة أن الحزب قد تصدى للمشكلات الإدارية في المؤسسات المغربية بالرغم من تنبيهات وتحذيرات العاهل المغربي للكل الوطني من مغبة استمرار العوائق الإدارية والبيروقراطية أمام برامج التنمية المغربية.
في السنوات الأخيرة لم يتمكن الحزب من «الحفاظ» على «تمايزه» أو اختلافه عن بقية أحزاب «الإسلام السياسي» في الإقليم العربي، وخصوصاً منظومة «الإخوان المسلمين».
حاول الحزب أن يمايز نفسه في السنوات الأولى لنجاحاته الانتخابية وحاول أن ينأى ولو ظاهريا عن تلك المنظومة الدولية، وحاول أن يسوّق نفسه على كونه حزباً وسطياً معتدلاً ومرناً، ولا يضع نصب عينيه سوى مصالح الناس وهمومهم واهتماماتهم، لكنه لم ينجح.
لم يتمكن الحزب من أن يشذّ عن منظومة «الإخوان» في العمل على مصالحه الخاصة على حساب مصالح الناس ومصالح الأوطان.
أثبتت المنظومة الإخوانية في طول بلاد الإقليم العربي وعرضه، وبما لا يدع مجالاً للشك أن أهدافها هي مصالح «الإخوان» وأن التمايز الوحيد الذي تسعى إليه هذه المنظومة هو في وسائل وطرائق وأساليب تحقيق هذه المصالح.
صحيح أن حزب العدالة والتنمية لم يستثمر في «الربيع العربي» لتهديد الدولة المغربية ـ وهذا يسجل له على كل حال ـ ولكن الصحيح أيضاً، بل وربما أن من الأصحّ القول إن القصر الملكي هو من بادر إلى التعديل الدستوري، وهو من أتاح الفرصة للحزب، وهو من التزم بالقواعد الدستورية للتغيير الهادئ.
هنا لم يتمكن الحزب من الادعاء بالمظلومية التي طالما تغنّى بها «الإخوان» في باقي مناطق الإقليم العربي، ولم يتمكن من الادعاء بحرمانه من الفرصة السياسية، لأن الحزب حصل عليها كاملة غير منقوصة، ولا يستطيع أن يدعي انحياز «الجيش» أو»الأمن» أو حتى القصر نفسه على حساب فرصته وحقه الدستوري، وبهذا فإن الحكم الوحيد على الأقوال والأفعال كان صندوق الاقتراع، ولا شيء غير الصندوق.
من المؤسف أن ينتهي الحزب إلى هذه النتيجة، لكن المؤسف، أو سيكون المؤسف أكثر إذا لم يراجع الحزب مساره، وإذا لم يتعلم من هذه التجربة القاسية كيف يكون حزباً إسلامياً ملتزماً ثانياً وأن يكون حزباً وطنياً أولاً.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى