أقلام وأراء

عبد المجيد سويلم يكتب – فوضى الانتخابات الفلسطينية

بقلم عبد المجيد سويلم ١-٤-٢٠٢١م

للأسف فإننا أمام حُمّى انتخابية، ولسنا أمام حمية انتخابية، ونحن أمام اهتمام مرضي بعضوية المجلس التشريعي على حساب المنظمة، ودورها ومكانتها، ما ينذر بأشد الأخطار على كامل المشروع الوطني.
وللأسف أيضاً، فإن «فتح» تتعرض لعملية تفتيت منظمة ويشارك بهذا التفتيت كل «مكونات» (فتح)، من كل الاتجاهات وعلى مختلف المستويات.
والمؤسف أكثر، هذا الحجم من الارتجال في خوض معركة على «هذا» القدر من الأهمية، والتي تحولت موضوعياً، الآن، إلى معركة حاسمة ومصيرية ومقررة لمستقبل النظام السياسي الفلسطيني تحديداً، وللمشروع الوطني برمّته أيضاً.
في الواقع، حالة الارتجال أكبر من أن يتمكن أحد إنكارها أو التغطية عليها.
ليس مهماً على الإطلاق إذا كانت القوائم قد وصلت إلى سبع وعشرين أو ثلاثين قائمة لأن هذا الواقع يعكس حالة تشتت وتفتت وشرذمة أكثر مما يعكس حالة «تنوّع» صحية كما يرى البعض.
ليس واضحاً بعد لماذا تم استثناء أعضاء اللجنة المركزية والمجلس الثوري والوزراء، وكذلك «المحافظون»، ثم تم التراجع عن هذا القرار أمام أزمة الأسماء وأمام «الفشل» في الإرضاء والاسترضاء.
وليس واضحاً أبداً لماذا تركت قيادة «فتح» مسألة الترشيح والترشح إلى هذه الدرجة من التعويم المنزوع من كل معيارية، ومن كل مواصفات يفترض أنها أكثر من ضرورية لعضوية المجلس التشريعي.
وصلت الأمور هنا إلى ابتذالات مضحكة، بحيث اصبح كل كادر في «فتح» يرى نفسه مؤهلاً ومناسباً لأن يكون عضواً في هذا المجلس.
وليس واضحاً لماذا يتم «إرجاء» التفاهم والتوافق إلى اليوم الأخير، والساعات الأخيرة بحيث يتعذر تفادي الإرباك، بل وفرض «الوقائع» الخاصة دون تمكين الفرقاء من التدخل الفعال.
واضح أن «أزمة» (فتح) تعني وتعادل الأزمة الوطنية، وهو أمر ينطوي على مسألتين أساسيتين:
أولها، إن حجم «فتح» السياسي والمعنوي في ذهن الشعب الفلسطيني هو حجم كبير واستثنائي، وأكبر بما لا يقاس مع أي فصيل آخر، بل ومع كافة الفصائل مجتمعة.
وثانيها، إن أزمة داخل «فتح»، وعلى درجة ما هي عليه في واقع الحركة تعني أن أي انتكاسة كبيرة ستعني نفاذ المشروع الإسرائيلي واختراقه للساحة الوطنية، وربما تهديد كامل الوطنية الفلسطينية كحامل ومدافع عن المشروع الوطني، ليس لأن الوطنية تقتصر على «فتح» دون غيرها، ولكن لأن باقي الفصائل إما أنها ضعيفة للاضطلاع بهذا الدور، وإما لأن «القوية» ليست مسألة الوطنية الفلسطينية، ولا حتى المشروع الوطني نفسه هو أولويتها وبرنامجها أو من ضمنه أيديولوجيتها وأهدافها القريبة أو البعيدة. إذا صحّت الأخبار التي تفيد بأن الأخوين مروان البرغوثي ود. ناصر القدوة قد توافقا فإن كثيراً من الحسابات ستتغير، إن لم نقل إنها قد تغيرت فعلاً.
فهذا التحالف الجديد سيضعف حجم الكتلة الرسمية لـ»فتح» داخل المجلس، وبما يصل إلى تهديد سيطرة «فتح» الرسمية على مقاليد السلطة الوطنية.
يُضاف إلى كل هذا الواقع، إن بعض المناطق والأقاليم التابعة لحركة فتح الرسمية بدأت بالاحتجاجات على القائمة المفترضة، وعلى أسس «محلية» وجهوية ومناطقية وحتى عشائرية بغطاء من الأسباب الوطنية.
هذه الحالة كلها تعني بأن حالة من الإحباط ستؤدي ـ إذا لم يتم تداركها بسرعة ـ إلى مقاطعة أو عزوف كبير يزيد من منسوب التهديد لحركة فتح عموماً، ومن منسوب التهديد لـ»فتح» الرسمية تحديداً.
هذا الواقع يطرح في التداول السياسي أحد أهم «أطروحات» الاحتساب السياسي في الساحة الوطنية.
هناك من يعتقد أن نزول ثلاث قوائم لـ»فتح» تحت مسميات مختلفة، ولأسباب مختلفة، وبترابطات مختلفة مع «فتح»، سيعني في النهاية أن «فتح» ـ بصرف النظر عن علاقة هذه القوائم ببعضها البعض، وبصرف النظر أيضاً عن مدى وإمكانية «العودة» إلى «فتح» الأم و»فتح» الكبيرة والواحدة الموحَّدة ـ ستربح عدداً كبيراً من المقاعد، وربما بما يصل إلى أكثر من 60% من عضوية المجلس، وأن كل هذه القوائم ستعود للتوحد من جديد عند توفر الظروف «المناسبة» لهذا الأمر.
ويرى هؤلاء أن الخلافات داخل صفوف حركة فتح ليست جديدة، وأنها لا تختلف من حيث الجوهر عن أي خلافات، بل وصراعات سابقة في هذه الصفوف. لا يمكن تجاهل مثل هذه الآراء والافتراضات أو هذه «الأطروحات» التي بدأت كتقديرات مقنعة في بعض جوانبها، ولكن وبالمقابل، فإنه لا يمكن، ولا يجوز أن يؤدي بنا إلى إغفال المخاطر الكامنة في مثل هذه التقديرات التي تتحول إلى «أطروحات» ناجزة!! وإليكم بعض هذه المخاطر:
أولاً، وعلى مدى كامل التجربة التاريخية للاختلافات داخل حركة فتح، والتي تحولت إلى صراعات وحتى عنيفة في بعض المراحل والمحطات، كانت «فتح» تتمكن من الصمود والانتصار ولكن بكلفة سياسية وتنظيمية عالية، وكانت النتيجة أن من حاولوا المسّ بوحدتها ينتهون إلى الاندثار. أعرف خصوصية، وكلنا يعرف الفرق في الحالة القائمة، لكن إضعاف «فتح» في هذه الظروف بالذات ليس إنجازاً وطنياً لأحد.
ثانياً، يمكن أن يؤدي هذا «الاصطفاف» ضد «فتح» الرسمية لدفعها إلى تأجيل الانتخابات، أو التحالف مع حركة حماس بشروط أسوأ بكثير من الشروط التي كانت مطروحة في حوارات إسطنبول وما بعدها.
ثالثاً، هذه العملية في ظل وهن وضعف اليسار وتشتته، فإنه سيقوي من نفوذ حركة حماس، وهو أمر يهدد بشكل مصيري إنهاء الانقسام، ويهدد أكثر دور المنظمة، ويعود بنا إلى دائرة المحاصصة.
تحالف الأخوين مروان وناصر سينعكس سلباً على «حصة» مجموعة دحلان، ولكن لن يؤدي إلى أي انقلاب كبير في الواقع الفلسطيني، ما يعني أن «فتح» ستكون أمام مركزين قويين، المركز الرسمي وهو الأكبر والمركز الجديد (ناصر ومروان)، وهو ما سيؤدي إلى تعقيد إعادة التوحيد بأكثر كثيراً مما تبدو عليه الأمور، خصوصاً وأن المعركة لن تتوقف هنا، وستتصاعد في معركة الرئاسة والمجلس الوطني أيضاً.
أخشى أن أطروحة (كلهم «فتح»)، وسيتحدون لاحقاً تحت أروقة المجلس لن تكون بهذه السهولة وبهذه البساطة.
الأمر يحتاج إلى حسابات دقيقة، وليس إلى إطلاق استنتاجات مبكرة أو حتى متسرعة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى