أقلام وأراء

عبد المجيد سويلم يكتب عن مشاريع «البدائل» بكل صراحة!

عبد المجيد سويلم – 3/6/2021

 العشرة أيام الفلسطينية التي هزّت العالم، والتي كانت خاتمة مدوّية لهبّة القدس، بكل ما انطوت عليه هذه الهبّة من تجلّيات، وبكل ما كان ـ وما زال ـ لها من تبعات أحدثت لدينا ـ في الواقع السياسي الفلسطيني، بعض الارتدادات الجانبية، والتي أوهمت البعض منّا ـ أو البعض في هذا الواقع ـ أن فرصة الانقضاض على المنظمة قد آن أوانها، وأن معركة وراثة النظام السياسي برمّته، وإعادة فكّه وتركيبه ـ على مقاسات سنأتي عليها ـ قد أصبحت باليد، وان استكمال هذه المهمة «الجليلة» ليس سوى مسألة وقت، وهو وقت قصير على كل حال…!

آخر ما حُرّر من نسخة في هذا التفكير «البدائلي»، والذي يبدو أنه بقي على هذا النهج منذ ولادته وحتى يومنا هذا، وهو نهج يحسد على «مثابرته وصموده» ويحسب له «صبره وانتظاره» وصموده، أيضاً، خصوصاً وأنه لم يكلّ ولم يملّ، وظلّ «مؤمناً» بأن نصيبه من «الورثة» لا بدّ وأنه قادم حتى لو تأخّر ما يقارب نصف قرن كامل من الانتظار..!

أصحاب النهج «البدائلي» من الطامعين والطامعين بـ»الورثة» ليسوا على قلب رجل واحد.

ذلك ان من بين صفوفهم من يعتقد ان كامل مرحلة «السياسة» قد غادرتنا الى غير رجعة، وان عصر الكفاح المسلح قد بات هو الوسيلة والهدف والطريق والنهج كله.

بهذا المعنى فإن «غرفة» عمليات مشتركة، من الفصائل هي بمثابة النظام السياسي الجديد والبديل.

هذا إذا تجنبنا الإيحاءات والإيماءات التي تزدري وتسخر من كل مقاومة شعبية او عمل جماهيري عند أصحاب هذا النهج!

لكن ثمة من يعتقد هنا ان الشرعية «الثورية» هنا أصبحت اكثر أهمية من الشرعية السياسية والقانونية، بل ان هذه الشرعية الثورية هي التي سترث النظام السياسي الفلسطيني عُنوةً إذا لزم الأمر (والمؤشّرات هنا في تزايد مستمر) أو بالتراخي وبما يؤمّن هذا «الميراث»، أو التعطيل الكامل للنظام بأكمله وشلّه وتحويل الحالة الفلسطينية كلها إلى رهينة سياسية بعدما كان القطاع فقط.

وهنا، أيضاً، فإن أصحاب هذا النهج من داخل حركة حماس، وعلى يسارها ويمينها ما زالوا أقلية على ما يبدو، وما زالوا هم، أيضاً، ينتظرون الكثير من التطورات التي يعتقدون أنها قادمة، وأنها ستمكنهم من الاستحواذ على جزء «لا بأس» به من الميراث في الوقت المناسب.

أما الطائفة الأكاديمية الثقافية الجديدة والتي أطلّت علينا في الأيام القليلة الماضية، والذين هم موضوعنا هنا، فإن أمرهم غريب وعجيب فعلاً.

هؤلاء لا يحسدون فقط على صبرهم وطول انتظارهم ـ كما أسلفنا ـ وإنما على «شجاعتهم»، أيضاً.

فهؤلاء ليسوا من أصحاب نهج المقاومة، وليست لديهم خبرة من أي نوع في هذا المجال، وليسوا على تماس مباشر بالحالة السياسية الفلسطينية، وليس لهم ذلك التأثير أو الفعالية في الحالة السياسية او الجماهيرية او الشعبية او غيره.

يغلف أصحاب العرائض رأيهم بأن المقصود بالبديل ـ في هذه المرحلة ـ هو البديل عن القيادة الشرعية، كما يدّعون ان المنظمة هي التي ستبقى بعد استبدال القيادة، وبعد أن يتم كل ما يلزم لإنجاز هذه المهمة.

هذا الطرح ليس جديداً، لا في شكله ولا في مضمونه، وذلك لأن جوهر هذا الطرح يعني شيئاً واحداً فقط، وهو تكريس انشطارات وانقسامات جديدة ستنسف المنظمة من أساسها، وستحول قضية التمثيل السياسي إلى مشروع للتداول السياسي في الأسواق الإقليمية والدولية، وستعيد خارطة التحالفات الوطنية إلى مرحلة ما قبل الوطنية الفلسطينية الحديثة، وسيتم تحت مظلة الحديث عن «القيادة الجديدة» إدخال عناصر محلية مرتبطة بالضرورة بالمشروع الإسرائيلي وأدواته، كما سيتم خلق شبكة علاقات إقليمية ودولية لهذه الأوضاع الجديدة بما يُنهي «موضوعياً» المقاومة المسلحة، والمقاومة الشعبية ويبقي الحالة الوطنية رهينة «لشرعيات» من خارج البرنامج الوطني، ومن خارج الشرعية الدولية، وربما من خارج الغالبية الساحقة حتى للفصائل الوطنية كلها، وبحيث تتحول القضية الفلسطينية الى مطيّة سياسية للإقليم ولـ»الإسلام السياسي»، ولأنصار التعايش الاقتصادي مع الاحتلال..!

باختصار، هذه المشاريع البديلة كلها ليس فيها ذرة ديمقراطية واحدة، والغطاء (الوطني) لها معروف نهايته ومآله، والإقليم يعي جيداً، أين هي حدوده، والقانون الدولي دون شرعية وطنية فلسطينية سيحدد معالم الحل او الحلول وفق منظومة مصالح الغرب، بما في ذلك مصالح الولايات المتحدة وأوروبا التي ستكون على استعداد تام لتأطير هذه الحلول بالتعاون مع منظور الإقليم، ولن يكون للمصالحة الوطنية الخاصة بالشعب الفلسطيني من موقع حقيقي في هذا الإطار وذلك لأن الحامل السياسي والقانوني لهذه المصالح يكون قد ضعف ووهن الى درجة تجاوزه بكل سهولة.

باختصار، إذا كان لا بد من التغيير، والتغيير فعلاً لا بد منه فليكن وطنياً، وفتحاوياً وعبر المؤسسات ومن خلالها، وبجهود مشتركة ومنسقة وليس بواسطة نظام العرائض والتوقيعات، لأن حركة تحرر بحجم فلسطين أكبر من ذلك بكثير، وأعقد من ذلك بما لا يقاس.

على كل حال، هذه نواقيس خطر، وعلى «فتح» أن تتدارك الأمر قبل فوات الأوان، وعلى كل من يشتم رائحة غير مريحة للأفق، وعلى كل من لا يروق له سماع أسطوانات التبديل بالعرائض والتوقيعات ان ينهض للعمل من اجل حث الكل الوطني، وخصوصاً «فتح» على النهوض السريع، إذا لم تنهض «فتح» ومعها جموع غفيرة من القوى والفصائل فإن الخطر على الأبواب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى