أقلام وأراء

عبد المجيد سويلم يكتب – حول مفهوم أعمق لوحدة الشعب الفلسطيني

عبد المجيد سويلم – 14/9/2020

حاولت في المقال السابق أن أُبيّن كيف أن المشروع الصهيوني هو صناعة غربية في منطقة حيوية للمصالح الرأسمالية في مختلف مراحل تنامي هذه المصالح، وكيف أن هذا المشروع قد استهدف فلسطين كنقطة ارتكاز وقاعدة لحماية هذه المصالح.

الهدف الأوّلي من المقال كان التصدي لكافة الأطروحات التي حاولت في الماضي، وتحاول اليوم المزايدة على الكفاح الوطني المضني والمرير لهذا الشعب، وعلى تضحياته واستبساله البطولي دفاعاً عن أرضه وحقه عليها وعن حقه بها منذ السنوات الأولى لانطلاق مسار المشروع الصهيوني عليها.

لكن الأهداف الجوهرية للمقال بعد تبيان الهدف الأوّلي هي تلك التي تتعلق بالمراجعات المطلوبة بعد أن توسع المشروع الصهيوني بما لا يُقاس، وبعد أن بات يجاهر بأهدافه المباشرة والبعيدة صراحة وعلانية، وبعد أن وضع تصفية حقوق هذا الشعب على جدول أعماله اليومي.

وجوهر الموقف بات محدداً بالتالي:

لا يعترف المشروع الصهيوني بستة ملايين فلسطيني موجودين الآن خارج حدود فلسطين الانتدابية، ولا بأي حق من حقوقهم الوطنية أو غير الوطنية، وهو يرفض رفضاً باتاً حقهم في العودة إلى أرض وطنهم الذي طُردوا منه، وهُجّروا بكل أساليب الإرهاب والتطهير العرقي والعنف والتهديد به لإرغامهم على اللجوء.

وأما من تبقى داخل الحدود الانتدابية منهم فهم مجرد «رعايا» من الدرجة الثالثة أو الرابعة تحت سطوة الاحتلال العسكري المباشر، أو الحصار المباشر على مستوى الضفة والقطاع، وتحت طائلة التهجير في القدس الشرقية وتحويلهم إلى مجرد كتلة بشرية محاصرة بقوانين سحب الهويات وهدم البيوت والتجويع، وحرمانهم من كل مظاهر المواطنة إلاّ بقدر ما يتحولون إلى عمّال مطموسي الهوية الوطنية، ومهمّشين  ومحرومين من أي حقوق مدنية حقيقية.

وأما أهلنا في الداخل فهم «مواطنون» من نفس الدرجات التي أشرنا إليها ويمارس عليهم أقسى أشكال التمييز التي عرفتها البشرية المعاصرة حتى جاء أخيراً قانون القومية والسلسلة الطويلة التي سبقت هذا القانون ولحقت به؛ للإطباق على حقوقهم المشروعة كأقلية قومية، حتى وصلت الأمور بالمشروع الصهيوني اليوم إلى إعداد البرامج والخطط لتهجيرهم والتخلص الكامل من الكتلة البشرية الرئيسية فيهم.

أما القسم الخاضع للاحتلال في الضفة والقطاع فهم مجرد سكان، أو قاطنين أقصى ما يقدمه لهم المشروع الصهيوني هو «حكم ذاتي بلدياتي» على تجمعاتهم الخاصة بهم، من دون أي نوع من السيادة على أرضهم، ومن دون حدود أو كيان وطني، وإنما مجرد سكان يعيشون في معازلهم تحت السطوة والتحكُّم العسكري.

أليست هذه هي الصورة الحقيقية لما يقدمه ويقوم به ويُعلن عنه المشروع الصهيوني في فهمه لحقوق شعبنا الفلسطيني؟

في مراحل معينة بدا وكأن الفلسطينيين في الخارج (الشتات) هم الجزء الذي يتحمّل المسؤولية الأكبر في الكفاح الوطني، وفي مراحل لاحقة بدا أن مسؤولية الشتات هي دعم الجزء القابع تحت الاحتلال العسكري المباشر في الضفة والقطاع للحصول على دولة فلسطينية مستقلة.

في مراحل سابقة كان يُنظر إلى أهلنا في الداخل (الأقلية القومية في إسرائيل) كحالة وطنية تعمل على الحفاظ على هويتها، وصامدة في مواجهة الحكم العسكري وقوانين التمييز، وجزء «خاص» من هذا الشعب، له ظروفه وخصوصيته ومهماته الخاصة، والتي ترتبط بالقضية الوطنية بروابط خاصة وغير مباشرة في الغالب.

اليوم ينظر إلى هذا الجزء من شعبنا باعتباره حالة وطنية ريادية وكجزء أصيل وعضوي في المعادلة الوطنية الشاملة للصراع.

ظروف كثيرة أملت تلك المفاهيم وتلك الأدوار وتلك التحولات التي نضجت في مفاهيم جديدة ومستجدة، وفي إستراتيجيات جديدة من النظرة والمكانة والتأثير.

المشروع الصهيوني بات يُحتّم علينا مراجعة نقدية شجاعة لخصوصيات التجمعات الفلسطينية التي باتت في بعض أبعادها تنتقص من وحدة الشعب الفلسطيني كشعب تعرض خلال أكثر من مئة عام للتصفية والطرد الجماعي والاحتلال العسكري والاضطهاد العنصري وسياسات التهميش والإقصاء، والمحاولات المستمرة لحرمانه من حقوقه الوطنية المعترف له بها من الشرعية الدولية والقانون الدولي.

وإذا كانت التجمعات الفلسطينية قد لعبت دوراً متمايزاً في هذه المرحلة أو تلك، أو كانت بحكم ظروفها الخاصة تؤثر بصورة مباشرة أو غير مباشرة في مسيرة الكفاح الوطني بدرجة أو بأخرى أكثر أو أقل فإن هذه التجمعات باتت اليوم أمام السؤال التالي:

إذا استمر الحال في استمرار الانطلاق من خصوصية التجمعات وخصوصية الدور، وخصوصية العلاقة والارتباط، فسنجد أنفسنا بعد عدة سنوات فقط أمام مهمات خاصة نتيجة ظروف خاصة لأهلنا في القدس، وسنجد أنفسنا بسبب ظروف قطاع غزة الخاصة والمميزة أمام تبريرات خاصة لعلاقات من نوع خاص بالقضية الوطنية.

كيف لنا أن نؤمّن وحدة الشعب الفلسطيني إذا تحولت الفوارق الخاصة في الظروف الخاصة إلى قضية وطنية بحد ذاتها أو إلى «قضايا وطنية» بغض النظر عن القضية الوطنية الجامعة والشاملة؟

أو دعونا نطرح السؤال التالي:

ما هو الجوهر الوطني التحرري الذي يجمع تجمعات الشعب الفلسطيني في قضية واحدة وموحدة سوى وحدة الشعب، طالما أن الوطن تحت الاحتلال وطالما أن هذا الشعب لم يحصل على حقوقه الوطنية في تقرير المصير؟ وليس له كيانه الوطني المستقل بعد. شعب نصفه مُعرّض للإلحاق والإقصاء والتوطين في الخارج، ونصفه الآخر إما تحت الاحتلال أو الحصار المباشر أو تحت هيمنة التمييز العنصري والتهميش.

كيف يمكن أن يحافظ على حقوقه ويصمد في الدفاع عنها، ويمنع المشروع الصهيوني من تبديدها إذا لم يكن واحداً وموحداً بغض النظر عن ظروفه الخاصة؟

ودعونا، أيضاً، نطرح السؤال التالي:

متى يمكن أن تكون الظروف الخاصة والفوارق الخاصة رافعةً ورافداً في مسار التحرر الوطني الفلسطيني إذا لم تكن وحدة الشعب الفلسطيني هي مرتكز الأساس في وحدة القضية والأرض (الوطن)؟

«المسألة» الفلسطينية هي قضية وطنية وأرض (وطن) وشعب. القضية هي حقوقه الوطنية، والأرض هي الوطن.

الحقوق مهضومة ومستلبة، والأرض (الوطن) إما تحت الاحتلال أو الحصار أو التمييز فكيف سيجسّد هذا الشعب حقوقه ويحقق استقلال وطنه بمعزل عن وحدة صميمية وجوهرية للشعب.

وحدة الشعب هي أساس الحقوق والأهداف، وهي حاضنة وحامية هذه الحقوق والأهداف، وحق تقرير المصير لشعب وليس لتجمع، والقضية والأرض هي قضية الشعب وأرضه.

وحدة الشعب ليس وحدة الفصائل ولا وحدة الأدوات الكفاحية وإنما وحدة الهوية والكيان والمصير.

أليس أحد أهم إستراتيجيات المشروع الصهيوني هي تشتيت هذه الوحدة، ماضياً وحاضراً وفي التخطيط المستقبلي؟!

المراجعة لطبيعة المشروع الصهيوني باتت تتطلب رؤية الفوارق الموضوعية بين أدوار ومهمات التجمعات الفلسطينية في إطار وحدة الشعب الفلسطيني التي تجسد وحدة حقوقه وأهدافه، ووحدة مصيره وهويته وكيانية وجوده.

ليس بوسعنا مواجهة المشروع الصهيوني إلاّ بمشروع واحد مهما اختلفت ظروف هذا المشروع وخصوصياته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى