أقلام وأراء

عبد المجيد سويلم يكتب – المُعلن والمستتر في مسألة السودان والتطبيع..

بقلم عبد المجيد سويلم – 23/10/2020

 المُعلن أن السودان مقابل سحب اسمه من قائمة الدول التي تمارس الإرهاب أو تدعمه سيدفع ما يقارب 350 مليون دولار كتعويض لضحايا الإرهاب.
والمُعلن أن السودان سيدفع هذا المبلغ الكبير من موارده الخاصة، وليس من أي جهة خارجية.
والمُعلن أن السودان في حال أن تمّ ذلك، سيتمكن من الانفتاح على العالم الخارجي، وخصوصاً على مؤسسات الإقراض الدولية، والعمل والأمل بأن يمكنه هذا الانفتاح من البدء في مسار تنموي جديد هو بأمس الحاجة إليه.
ولهذا كله رأينا كيف شكرت القيادة السودانية الرئيس ترامب، وأثنت على جهوده الخاصة، وتوسّلت إليه للإسراع في كل الإجراءات المطلوبة لإتمام هذا الأمر، وخصوصاً إجراءات إبلاغ الكونغرس، والجهات الرسمية الأميركية والدولية.
ومن بين ما هو معلن التزام السودان بمحاربة الإرهاب. من بين المُعلن، أيضاً، أن لا علاقة «شرطية» بين كل ما سبق وما بين التطبيع، حتى وإن جاء هذا التأكيد في صورة ليست حاسمة ولا جازمة.
واضح أن هناك من الخلافات ما يكفي ويفيض داخل أجنحة الحكم في السودان حول ملفات كثيرة متشعّبة، وواضح أن هذه الخلافات ليست عابرة ولا هي ثانوية، ولكن ليس واضحاً بعد الاصطفافات النهائية لهذه الأجنحة، وذلك بسبب أن هذه الاصطفافات ليست متجانسة، وليست متوافقة على كل الملفات، لأن وجهات النظر حولها تختلف بين ملف وآخر.
أما ما هو غير معلن، وما هو طيّ الكتمان، ولم يظهر بعد إلى العلن يتمثل بالملفات التالية:

أولاً: العلاقات بين مؤسسة الحكم وبين الجيش
كل ما يشاع حول التوافق التام مع المؤسسة العسكرية هو ادعاءات (إعلامية)، لأن مؤسسة الجيش تحاول الإمساك التام بملف إنهاء الحرب واتفاقيات وقف النار من زاوية شروطها المتشددة، وهي تقوم بالرقابة المحكمة على تنفيذ هذه الشروط، ولا تتورع عن تهديد الجميع إذا ما حاولوا التملص منها، وهي ما زالت ترفض المناقلات «المريبة» لبعض كبار الضباط إلى مواقع بعيدة عن سلطة القرار، أو بعيداً عن التماس المباشر بالمصالح الخاصة للمؤسسة العسكرية.
وبعلاقة المؤسسة العسكرية بالملفات الأخرى فإن لديها على ما يبدو تحفظات، خاصة على التطبيع مع إسرائيل، وعلى الموقف السوداني من قضية سدّ النهضة، وعلى بعض العلاقات مع دول الجوار…، بما في ذلك مصر وليبيا وتشاد.

ثانياً: ملف التطبيع
تشير بعض المعلومات أن دول الخليج قد استعدت فعلاً ليس فقط لدفع «الفدية» السودانية، وهي في الحقيقة أقرب إلى الإتاوة التي يدفعها السودان للبلطجة الأميركية، وإنما «التوسُّط» مع مؤسسات الإقراض الدولي، لمنحه التسهيلات اللازمة مستقبلاً، مع وعود بالعمل على شطب الديون السودانية، أو جزء منها، وتخفيف شروط الفوائد عليه أن يتقدم السودان بخطوات حقيقية باتجاه التطبيع مع إسرائيل.
وتشير نفس هذه المصادر للمعلومات أن السودان قد «أعطى» الموافقة المبدئية على التطبيع، وطلب مهلةً لكي تتمكن الحكومة وكل مؤسسة الحكم من ترتيب أوراقها قبل الشروع بالتطبيع، في إشارةٍ إلى عدم وجود ما يكفي من الاتفاق والتوافق حولها (أي حول التطبيع)، وفي إشارة إلى مخاوف حقيقية لدى الحكومة وكل مؤسسة الحكم في السودان من موقف بعض القوى السياسية، والأحزاب التقليدية مثل حزب الأمة ومن على شاكلته، إضافةً إلى الحزب الشيوعي السوداني، وقطاعات مؤثرة من المجتمع المدني في السودان.
وتعكس هذه المعلومات أن بعض بلدان الخليج العربية قد انتقلت في غضون عدة شهور فقط، من الدعوة للتطبيع، إلى عقد اتفاقيات سلام، فإلى عقد التحالف مع إسرائيل، وصولاً، اليوم، إلى استخدام نفوذها السياسي والمالي للتحشيد والتجنيد لصالح التطبيع مع إسرائيل، وإرضاءً لترامب، ودعماً لوعوده الانتخابية، وسياساته في الشرق الأوسط.
والحقيقة أن هذه السرعة والتسارع يكشفان حقيقة أن كامل ملف التطبيع هو حاجة أميركية إسرائيلية مباشرة، تتعلق بالانتخابات الأميركية، وببقاء نتنياهو قادراً على «المقاومة» والصمود في ظل أزماته المتلاحقة.
ثالثاً: ملف سد النهضة. هذا الملف بالذات يبدو في غاية الالتباس والتناقض
كان نظام البشير محسوباً إلى هذه الدرجة أو تلك على منظومة الإخوان المسلمين في منطقة الإقليم، وكان مفهوماً ألا تكون العلاقات بين مصر والسودان على أحسن صورةٍ ووجه.
بهذا المعنى المحدد لم يكن هناك ما يكفي من المواقف المشتركة بين البلدين حيال سد النهضة.
الغريب أن السودان تحت القيادة الحالية لم ينتقل بمواقفه من هذا الملف إلى التفاهم مع مصر، مع أن مصر لها مواقفها العدائية مع الإخوان ورعاتهم وفروعهم وتفريعاتهم، ومع أن الدول الخليجية الداعمة للسودان الحالي قد تعمّدت هذا الدعم الخاص من موقع معاداتها لقطر وتركيا، اللتين ترعيان معاً منظومة الإخوان المتشعّبة.
وليت أن الأمور تقف عند هذا الحد فقط، وإنما أبعد وأخطر من ذلك بكثير.
فكما نعلم ونعرف فإن دول الخليج قد وقفت إمّا على الحياد بين مصر وأثيوبيا في قضية سد النهضة، أو أنها مالت إلى الموقف الأثيوبي في بعض الأحيان، بما فيها الدعم من تحت الطاولة، وحضور مراسم تدشين بعض مراحل بناء السد نفسه.
الأغرب من هذا كلّه أن الرئيس المصري يواصل نفس التأكيد على المواقف المصرية من مسألة التهديد الذي يمثله الموقف الأثيوبي على الأمن المائي، وبالتالي الأمن القومي المصري دون أن تتراجع دول الخليج عن مواقفها في الحياد أو الدعم لأثيوبيا، ودون أن يتقدم السودان بخطوات جادة باتجاه التقارب أو الاقتراب من الأهداف المصرية، ولا حتى الوصول إلى تفاهمات جدّية بين البلدين لمواجهة الطموحات والأطماع الأثيوبية غير المشروعة. كلنا يعرف أن أثيوبيا تلقى دعماً كاملاً من إسرائيل، وتلقى دعماً كافياً من الولايات المتحدة، ولهذا فإن السودان ومواقفه من مسألة السد هي في محصّلتها أحد أشكال الانصياع والخضوع للموقف الأميركي الإسرائيلي والخليجي، وهذا ما يؤشر على أن التطبيع مع إسرائيل قادم لا محالة، وأن أي تأخير هو مجرد فسحة من الوقت أُعطيت للسودان لترتيب أوضاعه «الداخلية»، وأن الابتزاز الأميركي الإسرائيلي الخليجي للسودان قائم، وأن «حلّ» مشكلة السودان من الزاوية الاقتصادية والمالية ومن الزاوية السياسية (قائمة الدول التي تمارس الإرهاب وترعاه) مرهون بالتطبيع، ليس فقط على مستوى الموافقة المبدئية عليه، وإنما من زاوية الإقدام الفعلي عليه علناً، وعلى رؤوس الأشهاد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى