الاستيطان

عبد القادر بدوي يكتب – جمعية “أياليم” الاستيطانية : “عودة إلى الجوهر؛ الصهيونية والعمل العبري”!

عبد القادر بدوي *- 21/6/2021

كشفت هبّة القدس الأخيرة- التي امتدّت على طول فلسطين – النقاب، ولو إعلامياً، عن الصلة الوثيقة بين الأنشطة الاستيطانية الإسرائيلية المُمتدّة على جانبي الخط الأخضر، والتي تُدار بشكل مُمنهج ومُتكامل من قِبل الحكومة الإسرائيلية تارة، ومن قِبَل الجمعيات الاستيطانية تارةً أخرى، كاستمرار للمشروع الاستعماري الإحلالي الصهيوني الذي لم يُفرّق يوماً بين أي منطقة وأخرى في فلسطين ولم يزل، وذلك على الرغم من أن وصف “النشاط الاستيطاني” أصبح يُستخدم للدلالة على النشاط الاستيطاني الاستعماري في مناطق الضفة الغربية المحتلّة، بما فيها مدينة القدس في القاموس الدولي.

لكن، ما هو حقيقي وواضح، أن سياسات المنظومة الإسرائيلية على الأرض- وإن اختلفت أشكال التطبيق والتنفيذ على جانبي الخط الأخضر- مُسخّرة ومهندسة لضمان استمرار، وتقدّم، المشروع الصهيوني- الذي يأخذ أشكالا مختلفة في كل مرحلة- في إطار مسعاها الرامي لتحويل فلسطين إلى “أرض إسرائيل” بالمعنيين الاستعماري الصهيوني والديني التوراتي.

انتشرت خلال العقود الماضية ظاهرة الجمعيات الاستيطانية، كتعبير عن ظاهرة خصخصة الاستيطان في المناطق الفلسطينية المختلفة؛ من خلال منح الحكومة الإسرائيلية الجمعيات الاستيطانية اليهودية- العاملة بمسمّيات ووظائف مختلفة ظاهرياً- حرّية العمل للسيطرة على الأرض ومصادرة الممتلكات في إطار مشروع مُمنهج ومتكامل تُديره المنظومة الاستعمارية (مُمثلة بالحكومة الإسرائيلية)، في الوقت الذي تقوم فيه الأخيرة بحرمان السكان الأصلانيين الفلسطينيين، من حقّهم في أرضهم وممتلكاتهم بطرق ووسائل عديدة ومتنوعة، وإطباق الخناق على الحيّز الذي يعيش فيه الفلسطيني من خلال النشاط الاستيطاني المستمرّ والمتصاعد.

سنسلّط الضوء في هذه المساهمة على جمعية “أياليم” الاستيطانية؛ من خلال التعريف بنشاطها؛ وعملها؛ ومصادر تمويلها كاستمرار للمساهمات السابقة حول بعض الجمعيات الاستيطانية الإسرائيلية العاملة في أراضي 1948، والأراضي الفلسطينية المحتلّة منذ 1967، مثل “أنوية التوراة” و”نحالات شمعون”.

أٌقيمت منظّمة/ جمعية “أياليم” الاستيطانية في العام 2002 على أيدي متان دهان وداني غليكسبيرغ اللذين أنهيا خدمتهما العسكرية في الجيش في العام نفسه، بهدف تعزيز الاستيطان في النقب والجليل. واستندت فكرة الجمعية إلى فرضية أن المشاركة المجتمعية للطلبة اليهود والجنود- علمانيين كانوا أم متدينين- يُمكن الاستفادة منها وتوظيفها في الاستيطان عبر إقامة “القرى الطلابية” و “القرى الريادية”، كجزء من إدراك هؤلاء لأهمية منطقتي النقب والجليل على المدى البعيد.

تعرّف جمعية “أياليم” الاستيطانية نفسها على أنها جمعية تسعى لتعزيز الاستيطان في “أرض إسرائيل”، وتركّز أنشطتها الاستيطانية هذه في منطقتي النقب والجليل عبر العمل على “توطين” و “إسكان” الطلبة والشباب والرياديين والأزواج- علمانيين ومتدينين- في النقب والجليل؛ إذ أن الاستيطان في هذه المناطق- على شكل قرى طلابية ومنتديات للرياديين ورجال الأعمال- من شأنه “تطوير” التعليم اليهودي والثقافة اليهودية والنسيج الاجتماعي والتواصل المجتمعي بين اليهود المشاركين في هذه الأنوية، وفي المناطق المحيطة بالمستوطنات “القرى الطلابية” و “تجمّعات الرياديين” أيضاً، التي تضمن أيضاً إنشاء المؤسسات العامة والمباني التي “ستحقّق رفاهية السكّان” اليهود في النقب والجليل، كما ستساعد في تنفيذ برامج استيعاب “اليهود” القادمين من “الشتات” التي تُعدّها الحكومة الإسرائيلية خصّيصاً لهذا الغرض.

تتبنّى المنظّمة شعار “العودة إلى الجوهر؛ العمل الصهيوني: الاستيطان، الثقافة، والعمل الاجتماعي” كبطاقة تعريفية رسمية لها. وترى أن الاستيطان في النقب والجليل هو مسألة مصيرية بالنسبة لليهود، وذلك استناداً إلى رسالة ديفيد بن غوريون – وهو أول رئيس حكومة لإسرائيل- في العام 1952 في أثناء زيارته لمستوطنة “سديه بوكير” في النقب، والتي اعتبر فيها أن “تطوير النقب هو الاختبار الذي سيُحدّد مصير الدولة”؛ وبعد مرور 50 عاماً على رسالة بن غوريون، وبالذات في العام 2002، التقط الجنديان دهان وغليكسبيرغ الرسالة وأقاما مستوطنة “أشليم” لتكون أولى المستوطنات التابعة للمنظّمة التي استوحت اسمها “أياليم” تخليداً لذكرى المستوطنَيتْن ياعيل وإيال تسور اللتين قُتلتا في مستوطنة “كرمي تسور” المُقامة على أراضي الفلسطينيين شمال الخليل في الضفة الغربية المحتلّة إبّان الانتفاضة الثانية.

في العام 2006؛ بدأت “أياليم” بتوسيع نشاطها الاستيطاني ليصل إلى منطقة الجليل بعد أن كان مقتصراً حتى ذلك الوقت على النقب؛ حيث أقامت مستوطنة أخرى تابعة لها في مستوطنة كريات شمونة في الجليل. وفي العام 2011، وبفضل الدعم الحكومي الإسرائيلي، واليهودي العالمي لنشاطها الاستيطاني التوسّعي، تمكّنت من إقامة مستوطنات جديدة تحت مسمّى قُرى طلابية وشبابية- على سبيل المثال لا الحصر- في مناطق خارج النقب والجليل أيضاً، وبالذات في مدينة الّلد، الأمر الذي أطلق العنان لنشاطها الاستيطاني في هذه المنطقة لتنتشر مستوطناتها اليوم في مناطق الّلد؛ أور يهودا؛ وأسدود. وفي العام 2017، وفي إطار سعيها لتطوير نشاطها الاستيطاني؛ فكراً وممارسة، تمكّنت “أياليم” من الحصول على دعم رسمي من الكنيست الإسرائيلي لمشاريعها الاستيطانية؛ والذي تمثّل بانضمام وزارات حكومية جديدة لفريق الدعم الخاص بمشاريعها، ومستوطناتها المُقامة تحت مسمّيات مختلفة- كما أوضحنا سابقاً- كوزارة المالية؛ التريية والتعليم؛ المساواة الاجتماعية؛ وزارة البناء والإسكان ووزارة الزراعة، علماً بأن الدعم هنا لا يقتصر على المستوى المالي فقط على الرغم من أهميته.

أما على الصعيد المجتمعي اليهودي؛ فتحظى “أياليم” بدعم غير محدود، سواء على الصعيد المالي الذي يأتي على شكل تبرّعات، أو حتى على الصعيد المعنوي والثقافي؛ ففي العام 2013 حصلت “أياليم” على “جائزة يغئال ألون” لأعمال ومشاريع الإبداع الصهيونية، وعلى جائزة “مناحيم بيغن” بسبب أنشطتها الاستيطانية التي تمكّنت من خلالها من إقامة “القُرى الطلابية” في الأطراف في العام 2019. كما تعتبر “أياليم” أن العودة للجوهر؛ أي جوهر الصهيونية الاستيطاني و”العمل العبري النقي”، لم يكُن مجرّد شعار ترفعه وتتبنّاه، بل تمكّنت من وضعه موضع التنفيذ خلال أنشطتها الاستيطانية اليهودية المستمرّة منذ ما يُقارب العشرين عاماً، والتجلّي الأبرز لهذا الشعار- كما تراه المنظّمة- يُمكن ملاحظته في العام الحالي (2021) من خلال “نجاح” المنظّمة في إقامة “القرية الطُلابية معاليه شاحاك” في منطقة ديمونا، كأول مستوطنة “خضراء” في النقب، أُقيمت بأيدي الطلاب اليهود والمتطوعين والمشاركين في “أياليم” فقط، كتجسيد لمبدأ العمل العبري، أحد الركائز الأساسية للحركة الصهيونية تاريخياً.

تُشير المعطيات المتوفرة عن “أياليم” إلى أن مصادر التمويل متعدّدة الوجهة- وإن كانت الحكومة الإسرائيلية تنفرد بالنسبة الأكبر منها- حيث تحصل على دعم كلّ من وزارة تطوير النقب والجليل؛ مؤسسة “ميراج إسرائيل”؛ الوكالة اليهودية؛ دائرة الاستيطان؛ “كيرن هيسود”؛ بالإضافة إلى التبرعات التي تحصل عليها من اليهود المؤمنين بفكرتها الاستيطانية أو أولئك المقتدرين مالياً من المشاركين في أنشطتها. أما بالنسبة للعائدات المالية والميزانيات الخاصة بالجمعية؛ فقد بلغت عائداتها المالية خلال العام 2019 فقط ما يقارب 19.215.000 شيكل، بالإضافة لمبلغ 7.6 مليون شيكل من الدعم الحكومي في العام نفسه، والمبالغ الأخرى التي تحصل عليها المنظّمة من مصادر التمويل الأخرى والتبرعات الإسرائيلية واليهودية العالمية.

إن النشاط الاستيطاني التوسّعي لـ “أياليم” الاستيطانية منذ أن سجّلت نفسها في العام 2002 على أنها جمعية “نشاط اجتماعي إسرائيلية” تستهدف فئتي الشباب والطلاب في إسرائيل بمبادرة مجموعة أشخاص أنهوا الخدمة العسكرية في الجيش، لا يزال مستمراً، بل ومتصاعداً، خاصة في النقب والجليل؛ ففي العام 2019، بلغ عدد الموظفين العاملين لديها 13؛ و21 عضواً؛ و865 متطوعاً بحسب بيانات وزارة العدل الإسرائيلية. أما اليوم، وبحسب الإحصائيات المتوفرة عن الجمعية؛ فإن عدد المشاركين في أنشطتها الاستيطانية- بشكلِ دائم- قرابة 1200 مستوطن؛ و500.000 ساعة عمل اجتماعي/ تعاوني للمشاركين والمتطوعين كجزء من عمل وأنشطة الجمعية، وتترأس “أياليم” اليوم نحماي غينيس- المديرة العامة، وشلوميت كوهين نائبةً لها.

تمكنّت “أياليم” بعد مرور قرابة عشرين عاماً من النشاط الاستيطاني في معظم أراضي 1948، وبالأخص في منطقتي النقب والجليل، من الانتشار بوتيرة سريعة؛ إذ بلغ عدد المستوطنات التي تمكنّت من إقامتها حتى اللحظة 22 “قرية طلابية” ونواة استيطانية منتشرة وموزّعة على النحو التالي- بحسب التقسيمات الإسرائيلية؛ منحاميا وكريات شمونة وكرميئيل في الشمال؛ الّلد وأور يهودا في المركز؛ أشليم وديمونا ويروحام وسديروت ويخيني وأوفكيم في الجنوب، بالإضافة إلى العديد من الأنوية الاستيطانية؛ كنواة شيزاف الاستيطانية التي حصلت هذا العام على ترخيص من الحكومة الإسرائيلية، بعد أكثر من 9 أعوام على إقامتها كبؤرة استيطانية عشوائية في النقب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى