أقلام وأراء

عبد الفتاح دولة يكتب – يحيى السنوار كما عرفته

عبد الفتاح دولة [1] – 4/7/2021

مقدمة :

يقدم مركز الانطلاقة للدراسات شهادة على العصر من الواقع المعاش داخل المعتقل، يتعلق برئيس حركة حماس في غزة يحيى السنوار، وهي شهادة من أسير محرر زميل له، عايش سبع من السنوات مع المذكور.

ظهر السنوار بعد الحرب على غزة إثر الهبة الرمضانية بشهر 5 للعام 2021 وكأنه الرجل القوي الوحيد في حركة حماس، والذي ألقى بظلال شخصيته على كل المنتمين للفصيل الإخواني، ما أخاف عديد قياداتهم وأتاح المساحة لتزايد الصراعات الداخلية، وبدت شخصية الرجل إشكالية قبل ذلك، منذ ظهور نتيجة الانتخابات الأخيرة على قيادة حماس في غزة، وبالحقيقة يمكننا القول ماقبلها كثيرًا أي منذ الاعتقال.

الاسير المحرراليوم عبدالفتاح دولة في شهادته هذه استطاع رسم صورة للسنوار من سلوكه بالمعتقل، وهي صورة مرتبطة بشخصيته وبالانطباعاتوالمفاهيم والاتجاهات المتغيرة والملفتة للنظر، وعليه استطاع الخروج بمجموعة من الاستنتاجات، تعلقت برأيه بالوحدة الوطنية، والعمل الأمني، ونظرته لذاته وللآخرين.

ويكشف دولة بذلك عددًا من الجوانب المجهولة بشخصية السنوار أو غير المرئية، التي من المهم الاطلاع عليها، ومواكبة التغيرات أو الموافقات.

مركز الانطلاقة للدراسات

2021م

يحيى السنوار كما عرفته

عبد الفتاح دولة

سبع سنوات من أجندة الاعتقال والعزل “الجماعي” في قسمي عزل “السبع” و”هداريم” في سجون الاحتلال هي حصيلة تجربة احتكاك مباشر مع القيادي أو المؤسس “الحمساوي” صاحب الشخصية الحادة التي تعبر عن “الأمير” أو ربما يحب لقب “الزعيم” الذي يرى الأخرين من قيادات الحركة دونه، بعد استشهاد الياسين والرنتيسي وأبو شنب رحمهم الله

يحيي السنوار ابو ابراهيم ابن حركة الاخوان المسلمين، وأحد مؤسسي حركة حماس وجهازها العسكري الأول، والأسير ومن ثم المحرر، وعضو المكتب السياسي المشرف على جهازها العسكري “كتائب القسام” وصولاً لرئيس حركة حماس في القطاع الغزي الفلسطيني.

يحيى السنوار الاسير:

هناك في أقسام وغرف سجون الإحتلال التقيناه وعرفناه وخالطناه، وهناك ناقشناه وجادلناه، لا أجزم ان كنا اتفقنا معه في شيء، لكن اختلفنا معه في كثير من المحطات، فأحببناه وكرهناه.

ما بين الأعوام (2004) و (2011) التقيت القيادي الحمساوي “المؤسس” في قسمي سجني “بئر السبع” و “هداريم” المخصصان لعزل الأسرى “المؤثرين” و “المحرضين” كما تصنّفهم إدارة سجون الإحتلال وجلهم من قادة الفصائل وأذرعها العسكرية، يعاقبهم جهاز “استخبارات” السجون بالعزل “الجماعي” بعيدا عن باقي الأسرى في أقسام السجون المختلفة لسنوات طويلة.

في كلا القسمين عايشت “السنوار” وفي فترة كان فيها القيادي الحمساوي “المهيب” أكثر انفتاحاً وتواصلاً واحتكاكاً بالأسرى، من تلك المرحلة الأعتقالية الأولى التي امتاز بها بالصرامة والحدية العالية، وهيبة “الأمير” أو المسؤول الذي لا يناقش ولا حتى ترتفع النظرات في وجهه، كما أخبرني أحد الأصدقاء الأسرى المقربين من قادة حركة حماس في السجون ممن عايش تلك الحقبة الحمساوية وحدثني كيف كانت شكل العلاقة ما بين “الأمير” و”مجاهدي” الحركة.

فما بعد انتفاضة الأقصى وهي المرحلة التي التقيت وعرفت فيها يحيى السنوار، كانت من تلك الحقب التي بدى فيها السنوار اجتماعيا أكثر، ليس مع أبناء حركته فحسب، وإنما مع الكل الإعتقالي، فكان يشارك الأسرى المشي والحديث في الغرف وساحة السجن، كما كان يصر على المشاركة في عملية إعداد الطعام والتنظيف رغم منصبه في الحركة وكبر سنه في ظل وجود شبان صغار في غرفة السجن،  كما لم يظهر كصاحب التأثير والقرار الأوحد في قيادة الحركة في السجون وإن لم يفقد أبدا تلك النزعة “الاستعلائية” إن جاز التعبير والتي ظلت ظاهرة في تلك الصرامة والحدية في تعامله اليومي مع الأخرين، وبما يبقي على “الهيبة” التي أرادها لنفسه في كل الأوقات.

كما لم يكن يبخل من وقته لمن أراد أن يتعلم علوم “النحو” وهو الحاصل على درجة البكالوريوس في اللغة العربية من الجامعة الإسلامية، وكان يحفظ القرآن الكريم ويُدرّس علم النحو لمن يقصده من الطلبة الأسرى على نصوص آيات وسور القرآن الكريم.

كما كان ينتبه للأسرى الجدد ممن تظهر فيهم صفات الكياسة والثقافة والعنفوان ويهتم بمن هو حمساوي” منهم، ويتمنى استقطاب من هو من غير “حماس” ويستخسره في “الآخرين” ولربما يكرهه أن شعر فيه رفضا أو انتقادا له أو لفكره وطريقته في التعامل مع الأمور.

“الأمن” في عقيدة السنوار:

بنى الإخوان المسلمين عقيدتهم الأمنية في مواجهة النظام المصري على وجه التحديد حيث منشأ ومعقل المؤسس حسن البنا، وبالتالي فإن عقيدة أمن الإخوان توجهت نحو الداخل الإسلامي الذي كان “كافرا” وفق نهج الإخوان، ولم يكن ضد عدو خارجي، وإن كان هذا العدو هو المستعمر الصهيوني الذي يغتصب أولى القبلتين وثاني الحرمين الشريفين.. وفي ذات الإطار وذات المدرسة الأمنية كوَّن السنوار عقيدته الأمنية، ففي العام (1985) أسس الجهاز الأمني لجماعة الإخوان المسلمين في قطاع غزة وقد حمل اسم “المجد”.

لم تكن “حماس” قد تأسست في تلك الفترة، ولم تكن  ضمن   الحركة الوطنية التي تقاوم الإحتلال الصهيوني، بل على العكس، فقد كانت تحيّد المحتل الذي كان قد سمح بدوره بفتح وعمل “المجمع الإسلامي” التابع للإخوان المسلمين في القطاع أبان حُكم “الإدارة المدنية” ذراع الإحلال أنذاك، ما يعني أن إنشاء هذا الجهاز الأمني هو لأغراض أخرى غير الاحتلال الذي انخرطت “حماس” في الفعل المقاوم له بعد تأسيسها في اواخر عام (1987م) أي بعد ما بزيد عن اثنين وعشرين عاما من انطلاقة الثورة الفلسطينية المسلحة،  وقد شعرت أنها الوحيدة البعيدة من بين فصائل وأحزاب العمل الوطني والثوري المقاوم للاحتلال، وكان لانخراط الجهاد الإسلامي في فعل المقاومة دافعاً مهما لحماس باللحاق بركب المقاومين الذي صار وجود حركة “إسلاموية” كحركة الجهاد الإسلامي ضمن بوتقة المقاومة أمرا محرجاً لحماس كما قال لي “السنوار” في إحدى نقاشاتنا في ساحة “عزل” سجن “السبع” مرة.

وصار للعمل الأمني شكل مختلف يتعلق بالاحتلال وعملائه على وجه التحديد، وشكل السنوار جهاز “المجاهدون الفلسطينيون” كأول جهاز عسكري لحركة “حماس” لاحق عملاء الإحتلال وقتل عدداً منهم، فكان السبب في اعتقال القيادي الحمساوي يحيى السنوار في (20 يناير 1988) وحكم بالسجن المؤبد أربعة مرات و 30 سنة أخرى، احتفظ في الثلاثة والعشرين سنة التي أمضاها من هذا الحكم بذات العقلية الأمنية التي كثيرا ما تشك وتلاحق حتى “الداخل” الحمساوي خشية تساقط أي من عناصره في شباك العمالة مع الإحتلال، ولم يتوانى عن إصدار التعليمات لجهاز أمن “حماس” في السجون بالتحقيق مع العديد من أبناء الحركة ما كان يتسبب بتشكيل حالة من الهوس الأمني الجماعي في صفوف أعضائها الأسرى الذين طالتهم عملية التحقيق الجماعي في فترة ما، ولربما كان السبب من هذه التحقيقات ليس موضوع “العمالة” كما ظهر من أحدى المواقف التي دفعتني لهذا الاعتقاد وهو أن السنوار كان يريد إخضاع أبناء حركته دوماً بهذا السلوك، إذ قدم نصيحة لأحد قادة تنظيمات الحركة الأسيرة بأن يفتح ملفات عمالة لمن يشكلون حالة قلق أو نقد له.. في سبيل ردعهم وإخضاعهم، وهو ما لم يستوعب ويقبله من أُسديت اليه النصيحة، فقادني إلى هذا الاستنتاج؛ ولم يتوقف هذا الجنون الأمني الذي قاده السنوار إلا بعد أن قُتل الأبرياء من خيرة أبناء الحركة ظلماً تحت عنف التحقيق، وما رافقه من هوس وإرباك أجبرت الحركة على عمل مراجعات لهذا السلوك الجامح، وأخذت قراراً بوقفه فوراً، لكن هذه الحقبة السوداء ظلّت مرتبطة بيحيى السنوار طيلة والوقت ولا تزال مطبوعة في ذهن الحركة الوطنية الأسيرة ومن تحرر منهم.

ما بعد كتائب عز الدين القسام:

لم يشهد السنوار تشكل كتائب عز الدين القسام الذراع العسكري لحركة حماس ما بعد جهازه الذي حمل اسم “المجاهدون الفلسطينيون” والذي اختلف في الإدارة والأسلوب والفعل المركز على الإحتلال، ودور وحضور الضفة الفلسطينية، وبروز أسماء جديدة في الحركة يُنظر إليهم كأبطال ورموز أضافوا لحماس صورة المقاتل التي افتقرت إليها امام مقاتلي الثورة الفلسطينية منذ العام (1965) وحتى بدايات التسعينات، رغم الجدل حول توقيت وهدف وطبيعة عمليات “القسام” ما بعد اتفاق “أوسلو” لكنه فعل “مقاوم” في وجه المحتل لم تعهده الجماهير الفلسطينية من “حماس” أفرز رموزاً ميدانيين محبوبين كما الشهيد “يحيى عياش” وأدى إلى اعتقال أخرين منهم استحقوا أن يكونوا في أماكن قيادية في الحركة في السجون، واستطاعوا أن يفرضوا حضورهم في الساحة الإعتقالية على حساب أو إلى جانب القيادات المؤسسة التي سبقتهم إلى الاعتقال.

من معايشتي للجيلين، المؤسس “الحمساوي” والمؤسس “القسامي” كان الفرق جلياً في العقلية والانفتاح والأسلوب، وتمكن الأسرى القادة “الجدد” ما بعد “أوسلو” من إحداث تغيير في شكل إدارة الحالة الاعتقالية “الحمساوية” وطبيعة العلاقة التنظيمية الداخلية في الحركة في السجون، وغابت “هالة”  وسطوة  “الأمير”  لصالح القرار الجماعي لقيادة الحركة في السجون، واندمج القادة مع القواعد، واتجه الانضباط لقرار الحركة لا “الأمير” مع بقاء حالة الاحترام لرموزهم المؤسسين، واحتفظ قليل منهم بهذه النزعة “الاميرية” كما يحيى السنوار الذي تراجع حضوره في تلك الحقبة بعد أخطاء وكوارث التحقيق الجماعي، وبعد تزايد اعداد اسرى الحركة في السجون، وتنوع العقول، إضافة لبروز قيادات شابة جديدة للحركة، وحضور ودور أكثر لحماس “الضفة” .

ظلت الصورة هكذا حتى العام (2006)  الذي تمكنت فيه فصائل فلسطينية من أسر الجندي الإسرائيلي (جلعاد شاليط) والذي تحول لاحقا تحت قبضة كتائب القسام حيث كان شقيق يحيى السنوار أحد القادة الميدانيين للكتائب المسؤولة عن إخفاء الجندي المختطف، ما أعطى السنوار ورقة جديدة للعودة الى الواجهة والتأثير، وتحديدا عندما أبرز  أو برز دوره كمؤثر في اختيار أسماء من تتضمنهم  صفقة التبادل من الاسرى، وان أعطت الحركة في حينه المساحة لقيادتهم في السجون لإبداء الرأي والمشاورات، الا ان دورا مختلفا واكثر تأثيرا كان للسنوار  الذي عقد معه رجل المخابرات الإسرائيلي (عوفر ديكل) الذي كان مكلفا من قبل حكومة الاحتلال للتفاوض مع الأطراف بشان الجندي المخطوف اكثر من لقاء في السجن ومنها بحضور اخرين من رموز الحركة الاسرى، كما وسمح للسنوار بالتنقل في سيارة خاصة الى اكثر من سجن تحت مسمى التشاور مع قيادات الحركة في السجون، ومنها سجن النقب الذي لا يمكن بحال ان يدخله اسير محكوم بالمؤبد، وسمح له بالتنقل بين الأقسام وكذلك اجراء الاتصالات.

كما لم يتردد السنوار في استخدام “الصفقة” كوسيلة ابتزاز او تطمين و وعودات  لأخرين من غير أبناء حماس لكسبهم صوتا له وعلها تكون صوتا معارضا حيث هي، وكان يبدو وكانه منتشيا انه يظهر بصفة المخلّص  للأخرين، ولم يتوانى يوما ان يبتز اقدم أسير في السجون وأقصد كريم يونس عندما قرر ان يعد لإضرابا ففتوحا عن الطعام كان الهدف منه تشكيل حالة ضغط قد تسهم في تحريك ملف التفاوض، وليس بهدف تحسين الظروف المعيشية ومواجهة سياسات إدارة السجن، وعندما ناقشه كريم يونس في جدوى  وتوقيت الاضراب رد عليه “سنخوض الاضراب، ومن لا يريد ان يكون في الاضراب لن تشمله الصفقة” فرد عليه كريم ” ان كانت حريتي ستأتيني هكذا فلا اريدها منك”   لم يتم الاضراب  حينها وقد تحركت الصفقة وتمت دون ان تشمل كريم يونس، وكثير من الأسماء التي كان وعدها السنوار ان تكون ضمن “وفاء الاحرار”

الطائرة التي أنقذت حياة السنوار:

تدهور صحي طرأ فجأة على وضع السنوار الذي كان يرفض اللجوء الى عيادة السجن لطلب حتى المساعدة الطبية من السجان، لكن الحالة صارت تتفاقم لدرجة أفقدت  السنوار تركيزه وتوازنه وأظهرت لمن هم في محيطه أنه في وضع صحي غير عاد وخطير، فأخذوه  وقد ساءت الحالة الى عيادة السجن، ليعود “ضباط” من إدارة السجن ومخابراته من الدرجات العليا الى القسم لإبلاغنا أن العوارض تشير الى سبب خطير استدعاهم لنقله فورا بطائرة مروحية الى مستشفى خاص، ليخضع فيها لعملية استئصال ورم “حميد ” في الرأس كان على مقربة من “المخ” ما قد هدد حياته للخطر.

عاد بعد فترة قريبة من اجراء العملية الى القسم وبدأ يتماثل للشفاء من جديد، وبعد أشهر قليلة عاد الى شخصيته الاعتيادية دونما أي تغير ليمارس ذات الدور الذي رافق شخصيته ومكانته داخل الحركة ومع الاخرين.

السنوار والوحدة الوطنية:

كنا نعيش قرابة الستين أسير من مختلف الفصائل الفلسطينية في قسم للعزل في سجن “السبع” عندما وقف السنوار ليلقي خطبة ما بعد الانقلاب، وحسبناها وحدوية بحكم علاقة الاخوة والنضال والمعاناة والقيد، وأن الخطبة تتم امام وعلى مسمع السجان الذي يأتي لتسجيلها، وبالتالي ستكون خطبة تقريب وتلطيف للأجواء والنفوس التي ستهون بدورها أجواء العيش المشترك ما بين من يجمعهم النضال والوطن.

لكنها كانت بخلاف ذلك فقد بارك القيادي الحمساوي الانقلاب واكد على  أن ذلك من سنة التدافع “فأما الزبد فيذهب جفاء واما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض”  وعلى هذا المنوال اكمل خطبته مبشرا بزوال “الطاغوت” وقدوم من سينفع الناس، الأمر الذي ازعج المصلين من مختلف الفصائل بما فيهم عقلاء من “حماس” ممن رفضوا ان تستخدم هذه اللغة في واقع نضالي وطني اخوي نقي، ومنهم القيادي الحمساوي عباس السيد، الذي خرج يخطب الجمعة اللاحقة بلغة مختلفة تنسخ ما قاله السنوار الذي انزعج بدوره من اعتدال ولغة السيد في الحديث ولربما غضب  منه وقد شعر ان خطبة السيد جاءت وكأنها اعتذار مبطن او ردا على خطبته.

أما الخطبة الثانية والاشد شتما هي تلك التي جاءت في العام (2014) إثر العدوان على قطاع غزة، والتي وجد السنوار منها فرصة لشتم خصمه السياسي وشريكه في القيد والمعاناة والنضال، لا من يشن العدوان على شعبنا بأبشع الشتائم العدائية التكفيرية مغلفة بلغة الدين على منبر يحاكي ما يزيد عن المئة أسير من مختلف الفصائل أيضا في “عزل” سجن “هداريم” في حقد واستخفاف بمكانة وقيمة كل تلك العقول الوطنية التي تستمع الى خطبته.  لكنها لم تكن مفاجئة هذه المرة وقد صار جل الاسرى الذين عايشوه يعرفون جيدا عقليته ومنطقه الذي لا يقبل الاخر دون حماس.

وثيقة الوفاق الوطني :

لقد أظهر ما كتبت عن عقلية السنوار سبب معارضته لوثيقة الوفاق الوطني (وثيقة الأسرى) التي وقع عليها عن الهيئة القيادية العليا لحركة حماس في السجون بعد النقاشات الفصائلية والموافقة في سجن “هداريم” في العام (2006) الشيخ عبد الخالق النتشة. وتوعد السنوار كل من كان له دور إيجابي في الموافقة على الوثيقة بالندم، واستبعدت انتخابات القيادة العليا اللاحقة للحركة عددا منهم، وراح اخرون من المعتدلين من التقرب أكثر الى عقلية السنوار خاصة انها كانت مرحلة السنوار الذهبية المرتبطة بصفقة التبادل، التي تحرر فيها من تحرر وبقي من بقي من رموز حركة حماس ورموز الاعتدال منهم وقد رفض المحتل ادراج أسماءهم ضمن الصفقة، وقبل المفاوض الحمساوي استبدالهم باخرين.

أما اخر فرص استعادة الوحدة الضائعة ما قبل حرية السنوار، فقد كانت مبادرة تقدم بها الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الأسير احمد سعدات قبيل صفقة التبادل في العام (2011) في سجن “هداريم” وافق عليها الكل الاعتقالي بعد قبول حركة فتح بكل ما جاء فيها وما تم عليها من نقاش وملاحظات، جاء رد “حماس” عبر ممثلها في اللجنة الوطنية العامة توفيق أبو نعيم برفض السنوار لها.

في الحادي عشر من أكتوبر للعام (2011) تحرر القيادي الحمساوي يحيى السنوار في صفقة “شاليط” وفي 2021\5\26 خرج بصفته رئيسا لحركة حماس في قطاع غزة في خطاب ما بعد العدوان الاخير على شعبنا في القطاع يتحدث بلغة الزعيم الأوحد لفلسطين اليوم مدغدغا لمشاعر الجماهير الفلسطينية مستخدما لغة المقاومة التي هو اخر من لحق بركبها متجاوزا تاريخا من الثورة وجولات العز والصمود والنزال التي خطتها الثورة الفلسطينية بدماء الثوار ممن وهبوا ارواحهم لفلسطين الدولة والمجد والعزة.

لربما كانت التجربة مع السنوار أطول من مساحة ما كتبت، وفيها من المواقف المباشرة أكثر من ذلك بكثير، لكني وجدت أن الكتابة عن شخصية فلسطينية لم تكد تظهر للجمهور الفلسطيني حتى طلبت زعامة، وبعد معركة وجولة مواجهة مع المحتل لم تكن الأولى التي تسطر فيها ثورة فلسطين في وجه المحتل أنقى صور العزة والبطولة والكرامة.. ان المجد لا يصنع على حساب تضحيات الاخرين ولا بالخطب العاطفية الرنانة والخداع، وأن الزعامة ارث وصدق نضالي يتولد من حب وايمان الجماهير لا برغبة طالبها.

كما لم اكتب عن القيادي الحمساوي تقليلا، فمن أمضى من عمره كل تلك الأعوام في باستيلات القهر ليستحق مكانة وتقديرا يليق بحجم كل تلك السنوات من النضال، وانما كتبت ذلك تبيانا لجوانب من شخصيته وعقليته كما عرفتها وعايشتها وجربتها، حتى لا نحكم عن الأمور من ظواهرها وخطاباتها وحسن كلامها، فنحسن فيها القراءة والتحليل، فقضيتنا أكبر من مجرد خطاب وطموح شخص، هي قضية شعب يكافح من أجل عودة ووطن وحرية.. فشعبنا هو عنوان صمودنا ومجدنا وعزتنا، وفلسطين أكبر من كل الرموز.

[1] عبدالفتاح دولة، أسير محرر وكاتب فلسطيني- مركزالانطلاقة للدراسات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى