أقلام وأراء

عبد الغني سلامة: ملفات ساخنة على طاولة ترامب

عبد الغني سلامة 13-11-2024: ملفات ساخنة على طاولة ترامب

بالنسبة لترامب فإن الصين هي موضوعه الأهم، وعلى رأس سلّم الأولويات؛ فالصين تعدّ المنافس الأول للولايات المتحدة، وما زالت تحقق نمواً متسارعاً منذ سنوات، ما يجعلها أبرز الدول المؤثرة في القرار الاقتصادي العالمي. وقد تصاعد نفوذها وتأثيرها الاقتصادي مع تنامي قوتها التكنولوجية على نحو يضاهي وربما يفوق أي دولة أخرى، ومع تعاظم حجم وتأثير شركاتها الكبرى، وافتتاحها أضخم شبكة طرق برية تقربها من الموانئ الدولية، تصل إلى قلب أوروبا.

وقد شن ترامب حرباً على الصين في ولايته الأولى، عبر فرض تعريفات جمركية وعقوبات تجارية؛ بزعم حماية حقوق الملكيّة الفكريّة، واتهامها بانتهاك حقوق الإنسان، واضطهاد الأقليات (المسلمون الإيغور).. وفي الحقيقة، تتضارب المصالح الأميركية مع الصينية في عدد من القضايا، منها مبيعات الصين من الأسلحة غير التقليدية، واستثمارات الصين الضخمة في أفريقيا وأميركا اللاتينية، وامتلاك الصين لتكنولوجيا متطورة للجيلَين الخامس والسادس من الإنترنت؛ لذا قد نشهد تصاعداً جديداً للحرب الاقتصادية والتقنية بين البلدين، ولكن دون أن تصل إلى مرحلة الصدام العسكري المباشر والتي يتجنبها الطرفان. فمثل حرب كهذه لن تكون سهلة، ولن تضمن فيها أميركا أي فوز، بل إن الصين ستنتهز الفرصة لإنهاء قضية تايوان لصالحها.

وهذه الحرب تضر بالدولتين، فكلاهما متعادل تقريباً في الحرب التجارية، وحتى لو تسببت الحرب التجارية ببعض الألم للصين، لكنّها لن ترضخ للابتزاز الأميركي، وستجبرها الحرب على تسريع تحولها الاقتصادي. وما يفيدها في هذه المعركة، طبيعة المجتمع الصيني، وتاريخ طويل من التربية الحزبية النمطية، التي تجعل الشعب بأكمله يصطف خلف قيادته، وتضعِف إلى حد كبير من قدرة أي قوة معارضة في المستقبل.

ومن المرجح أن يستمر ترامب في سياسة الضغط التجاري على الصين، للحيلولة دون تفوقها على أميركا. وقد يؤدي هذا إلى أزمات اقتصادية عالمية وانقسام عالمي، خاصة أن تجمع البريكس (والصين أحد أهم أركانه) بات أكثر جدية وأكثر رسوخاً وتأثيراً، الأمر الذي شجع دولاً عديدة على الانضمام إليه، كما ستحث هذه السياسات على تقارب دول أخرى مع الصين، وستشجع دولاً أخرى على تبني سياسات مستقلة عن الولايات المتحدة ومتحررة من نفوذها، وقد تظهر تكتلات إقليمية وتحالفات جديدة، ما قد يُسرّع من وتيرة الانتقال إلى نظام عالمي متعدد الأقطاب.

سيكون من الصعب على ترامب الجمع بين شعار «أميركا أولاً» واستمرار الهيمنة على العالم، لذا قد تنسحب أميركا تدريجياً من بعض النزاعات أو تعيد صياغة مواقفها، أو تغيّر سياساتها تجاه الكثير من القضايا العالمية، وبالتالي ستكون لهذا التحول تداعيات كبيرة قد تؤدي إلى بروز نظام عالمي جديد أكثر تعددية ومرونة.

بكلمات أخرى، سيسرع فوز ترامب حالة الاستقطاب والقلق في الساحة الدولية، فالنظام الدولي بصورته الحالية هش ومتداعٍ، والعالم أمام مرحلة جديدة فيها الكثير من المخاطر والإثارة والتحولات، وإعادة تموضع القوى الإقليمية والدولية ضمن نسق جديد، لن تكون فيه الولايات المتحدة في وضعية المتفرد، أو الزعيم الأوحد.

لذا من المفترض أن يأخذ ترامب هذه المعطيات بعين الاعتبار، ويعيد حساباته بشأن حربه مع الصين؛ وإذا ظل مصمماً عليها فعليه إنهاء وحلّ كافة الملفات الأخرى والتفرغ لهذه الحرب.

الملف الثاني على سلّم الأولويات الحرب الروسية الأوكرانية، واستناداً إلى شعار «أميركا أولاً»، ولتوفير الظروف المواتية لكسب الحرب التجارية ضد الصين، سيسعى ترامب إلى إنهاء هذه الحرب، ومبدئياً سيكون ترامب أقل صدامية وحدّة مع روسيا، ومن جهته يرى بوتين في ترامب حليفاً «غير معلن» سيعمل على تحقيق ما يصبو إليه من إضعاف حلف الناتو وصدّه عن جواره ومجاله الإستراتيجي.. خاصة أن ترامب يرى أن التورط الأميركي في الحرب الروسية الأوكرانية، واستمرار دعم الناتو وأوكرانيا ليسا من مصلحة بلاده اقتصادياً، ومن الممكن أن يعمد إلى تقليص دعمه لأوكرانيا عسكرياً؛ كوسيلة ضغط عليها لدفعها نحو تسوية سياسية مع روسيا، وهذا سيساهم في تخفيف حدة التوتر بين موسكو وواشنطن، وهذا التوجه مقلق بالنسبة لأوكرانيا، ومقلق أيضاً لأوروبا، وبالذات دول أوروبا الشرقية، خاصة أن ترامب ألمح إلى إعادة تقييم دور الولايات المتحدة كضامن للأمن الأوروبي، والتفاوض مع روسيا على ملف الأسلحة في أوروبا.

ومن هنا يمكن فهم أسباب قلق الأوروبيين، فترامب إما أن يتخلى عن حلف الناتو، ويتركهم أمام التهديدات الروسية، وتحمّل مسؤولية الدفاع عن أنفسهم، أو سيجبرهم على دفع المزيد من الأموال، خاصة أن الاقتصادات الأوروبية ليست بأفضل حالاتها، كما أن أوروبا منقسمة سياسياً بين يمين صاعد ويسار متردد، وتحكمها قيادات «شابة» هي الأضعف في تاريخ القارة الحديث.

وفي سياق متصل، سيواصل ترامب سياساته في التعامل مع كوريا الشمالية كما فعل خلال ولايته الأولى، حيث زار حدود كوريا الشمالية وأقام علاقات مباشرة مع كيم جونغ أون، متخلياً عن أساليب الضغط والعقوبات والتهديدات العسكرية المباشرة. والفارق الأهم أن كوريا الشمالية وقّعت مع روسيا اتفاقية دفاع مشترك في حزيران 2024.

وبخصوص ملف إيران النووي، أبدى ترامب في حملته الانتخابية عنفاً لفظياً واضحاً ضد إيران وهدد بقصف منشآتها النووية، وهاجم سياسة الديمقراطيين تجاه إيران، واتهمهم بالتساهل والتواطؤ معها.. ربما تكون تلك التصريحات مجرد مزايدات انتخابية، لكن من المرجح أن سياسة ترامب تجاه إيران ستكون أكثر تشدداً، ولن تكون مريحة لطهران، لذا ستعمد إيران إلى تقديم وجوه معتدلة، وربما من خارج الحرس القديم؛ لإبداء قدر من المرونة وكسب الوقت؛ ريثما تتمكن من إنجاز مشروعها النووي الذي يعد بالنسبة لطهران الأكثر إلحاحاً.

ولكن، وعلى ضوء نتائج الحرب، إذا تخلت إيران عن طموحها بامتلاك السلاح النووي، مع توفر ضمانات لمراقبتها والتأكد من ذلك، فإن ترامب لن يمانع في تطبيع العلاقات معها.

في الجزء الثالث من هذه المطالعة سنناقش رؤية ترامب بشأن الشرق الأوسط والصراع العربي الإسرائيلي.

مركز الناطور للدراسات والأبحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى