عبد الغني سلامة: مقر حماس السرّي
عبد الغني سلامة 2023-11-20: مقر حماس السرّي
كل هذا هراء.. وموجود فقط في الأفلام، أو لدى الجيوش الحقيقية الجرارة، حتى أغلب الدول القوية ليس لديها مثل هذه الغرف.
كتائب القسام، وسرايا القدس وغيرهما عبارة عن تشكيلات مسلحة (والتسمية العسكرية لها ميليشيات)، كل ما لديها عبارة عن رشاشات وبنادق خفيفة وقذائف أر بي جي، وصواريخ ذات تقنية بسيطة بقدرات تفجيرية متواضعة ولا تُقارن مع الصواريخ الحقيقية .. بصرف النظر عن أسمائها، وهذا ليس انتقاصاً منها، بل بالعكس، فهذه الأسلحة المتواضعة جداً استطاعت عرقلة الاجتياح البري، وأوقعت خسائر مهمة في الجيش الغازي، وقتلت العشرات منهم، وقدمت نماذج مذهلة في الشجاعة والإقدام، وهي أملنا وسندنا في تثبيت الصمود.
والسر في قوة هؤلاء المقاتلين الأبطال ليس في نوعية الأسلحة، ولا بسبب وجود غرفة سيطرة وتحكم، ولا نتيجة تخطيط إستراتيجي عبقري لمسرح الحرب.. وغير ذلك من مبالغات بعض المحللين.. السر يكمن في قوة الإرادة، والإيمان العقائدي، والشجاعة والاستبسال الذي يجعلهم يلتحمون مع الدبابة وجهاً لوجه.. وهؤلاء المقاتلون ليسوا بحاجة لأوامر وتعليمات.. الأوامر تنبع من دواخلهم، وكل مقاتل يتصرف بحسب المعطيات من حوله، فيهاجم وينسحب بحسب ما يراه مناسباً، وبما توفر لديه من سلاح.. وقد أدركوا جميعاً أنهم تُركوا وحدهم في الميدان في معركة مصيرية وجودية، ولا خيار أمامهم سوى التقدم والمجابهة، أو الشهادة.
وهذا لا يعني أنهم بلا قيادة، وبالتأكيد هناك مجموعات قتالية منظمة تم توزيعها سابقاً ضمن خطة، وهناك أنفاق سرية ومنصات صواريخ على الأغلب تمت برمجتها لتنطلق ذاتياً بمواقيت معينة.. لكن التركيز على قصة وجود غرفة سيطرة وتحكم، وأنها مختبئة تحت أحد المستشفيات.. ما هي إلا بروبوغاندا سياسية وتضليل إعلامي تُمارَس من قبل مختلف الأطراف؛ إسرائيل تبحث عن حجج وذرائع لإطالة أمد الحرب، ولقصف كل شيء، وقتل أكبر عدد ممكن من الناس، في إطار حرب الإبادة والتهجير، وإعادة هندسة القطاع ديموغرافياً وجغرافياً وفقاً لرؤية سياسية مسبقة، تضع فيها الضفة الغربية هدفاً مركزياً ولكن في مرحلة لاحقة، وتلتقي في هذه الرؤية الإستراتيجية مع الولايات المتحدة عند نقاط وتتقاطع عند نقاط أخرى، ضمن سياق مخطط استعماري لإعادة تشكيل خريطة الشرق الأوسط.
وبالتالي ستواصل إسرائيل حربها على القطاع بحجة القضاء على حماس، والعثور على مركز قيادتها، وبعد مسرحية مستشفى الشفاء ستخلق مسرحيات أخرى في جنوب القطاع، حتى تحقق أهدافها ضد الشعب الفلسطيني بأسره أمام أعين العالم، وعلى الهواء مباشرة.
هناك أطراف تروّج للحديث عن مفاجآت، وأسلحة سرية، ومسيّرات، وطوربيدات، وصناعات عسكرية متطورة وقدرات خارقة لدى حماس.. لتعطي إسرائيل الذريعة لكي تمارس بطشها وفتكها بالقطاع بهذه القوة الفائضة، طبعاً لأن عدوها قوي وخطير.. وهناك أطراف أخرى تهدف إلى تضخيم قوة المقاومة والمبالغة في تصوير قدراتها لرفع سقف توقعاتنا عالياً، عالياً جداً لدرجة تكفي لتحطمها كلياً عند سقوطها.
وهناك أطراف تريد إيهامنا أن المقاومة وحدها قوية لدرجة أنها قادرة على هزيمة العدو ودحره، ولا ضرورة لمشاركة الغير.. أو إيهام نفسها أولاً بذلك لتبرير تقاعسها.. وهناك أطراف تريد القول إن تدمير مائة أو مائتي دبابة ثمن كافٍ وإنجاز سياسي يوازي تضحيات أهل غزة، ويستحق أن يستشهد ويُجرح من أجله عشرات الآلاف.. ولمَ لا؟ فهناك الجزائر قدمت مليوناً، وفيتنام مليونين.. وهكذا، ولا بأس في أن تقدم غزة نصف مليون!
وهناك أطراف تتغنى بالبطولات، وتطرب على صوت الصواريخ، والخطابات المهددة التي تنذر العدو بالهزيمة الساحقة الماحقة .. وهناك من يمجّد الموت، ليكتب القصائد في صمود أهل غزة الأسطوري، ويطالبهم بالمزيد، وكأنَّ غزة منذورة للحروب والتضحيات فقط .. وقد ظهر مثقفون كثر يتعاملون مع غزة وكأنها مجرد قربان للتضحية، وبعضهم من يرفض إيقاف الحرب، ويريدها أن تستمر وصولاً للأقصى!
كل هذا يُراد منه إشغالنا عن حقيقة الحرب، وأهوالها، وفجاعتها، ومذابحها المروعة، وأهدافها المتمثلة بالإبادة والتهجير.. وأنَّ كل يوم آخر من الحرب يقربنا أكثر من النكبة الحقيقية والمأساة الكبرى.. كل يوم إضافي يعني مقتل المئات والمزيد من الهدم والتدمير، واستنزاف قدرات المقاومة.
صحيح أن التظاهرات المليونية في مدن العالم، والضغط الدولي، وتغير مواقف بعض الدول، بما فيها أميركا، والخسائر الاقتصادية، وتأثير الشارع الإسرائيلي نفسه، وأزمة حكومة نتنياهو.. كلها عوامل مهمة لإيقاف الحرب.. وأنَّ علينا الصمود والثبات، لأن النصر صبر ساعة.. لكن هل ننتظر خراب مالطا؟
أوقفوا هذه الحرب اللعينة.