منوعات

عبد الغني سلامة: عن التسميات في رام الله

عبد الغني سلامة 3-12-2025: عن التسميات في رام الله

في رام الله والبيرة (وفي مدن أخرى) ثمة أحياء سكنية كانت قبل خمسين عاماً عبارة عن بضعة بيوت متناثرة هنا وهناك، فأطلق الناس عليها في ذلك الوقت تسميات غريبة، ربما لأن أذواقهم كانت آنذاك غريبة، أو من باب الاستهانة بتلك الحارات. اليوم صارت تلك الحارات أهم الأحياء السكنية وأرقاها في المدينة.. لكنها ظلت محتفظة بنفس التسميات! حي «سطح مرحبا».. تسمية غريبة لا هي بجملة اسمية ولا خبرية! حي «بطن الهوا».. جملة معترضة بلا معنى! حي «أم الشرايط».. هذا الحي كان شبه فارغ عندما قامت السلطة واختارته موقعاً لعدد من وزاراتها، وكان بإمكانها تعديل الاسم، لكنها لم تفعل! حي «البالوع».. هل هو مذكّر بالوعة مثلاً؟ لماذا رام الله التحتا لا يوجد نظير لها اسمها رام الله الفوقا؟ كما هو مفترض!

فعائلة ركب بدأت بإعداد البوظة بشكل منزلي في أواسط ثلاثينيات القرن الماضي، ومن ثَمّ أصبحت تُنْتِج وتُعطي أبناءها وعاء مليئاً بالبوظة لكي يبيعوه في شوارع المدينة، بعد سنوات قليلة أعطت ابنها مائة جنيه فلسطيني، وكان قد تخرج للتوّ من مدرسة «الفرندز» لشراء المحلّ الحاليّ في رام الله، «بوظة ركب»، ليصبح أهم معالم المدينة السياحية، وليغدو اسم أهم شارع في رام الله: «شارع رُكَب».

من حسن الحظ أن الأحياء الجديدة حملت أسماء أجمل: حي الريحان، حي الغدير.. أما بلدة بيتونيا المتصلة برام الله فتحمل أجمل الأسماء، وهي تسمية تعود لزمن الكنعانيين، تيمناً بزهرة البيتونيا، التي تحمل الاسم ذاته على مستوى العالم.

حوّلتْ البلدية كل تقاطع طرق ممكن إلى دوّار، حتى تجاوز عددها الخمسين، من باب تجميل المدينة وتنظيم حركة المرور، وهذا جهد جيد تُشكر عليه، وأطلقت اسماً على كل دوار.

كان نبيل عمرو من أوائل الشخصيات العامة التي سكنت حي الطيرة، قبل أن تطلق البلدية أسماءً للشوارع، وكلما استقل شخص «تاكسي» في طريقه لزيارة أحد معارفه هناك يقول للسائق بالقرب من دار نبيل عمرو، ومع مرور الوقت توسع الحي، وصار هناك دوار سمّاه الناس دوار نبيل عمرو، وبعد أن أطلقت البلدية عليه اسم دوار الشيخ أحمد ياسين، كان الأوان قد فات، فقد صار اسمه الشائع والمتداول بين الناس دوار نبيل عمرو، علماً أنه لم يزرع شتلة في ذلك الدوار!

بالمثل ميدان ياسر عرفات ظل محتفظاً باسمه الشعبي «دوار الساعة»، دوار جورج حبش ظل محتفظاً باسمه الشعبي «دوار شقيرة»، علماً أن مطعم شقيرة الذي يقع قبالته صار اسمه مطعم لازورد. دوار بشير البرغوثي ظل يحمل اسم «دوار السرية». ميدان حيدر عبد الشافي احتفظ باسمه «دوار المصلحة».. شارع القدس ظل اسمه شارع «الحسبة». ونادراً ما يشير أحدهم إلى شارع النهضة باسمه، سيقول: «الشارع اللي فيه محلات البكري»، أو «وين مقر الشرطة اللي انقصف».. وظل العديد من الشوارع بلا اسم معروف.

الناس تتعلق بالأسماء التي اعتادت عليها. لكن الصحافيين الأجانب يطلقون اسم «دوار الأُسود» على دوار المنارة الشهير الذي يقع في مركز المدينة، هذا الاسم ستجده أيضاً في الخليل، وظاهرة تكرار الأسماء منتشرة بشكل واضح في عموم فلسطين، فاسم «جبع» و»المجدل» و»أبو شوشة»، و»برقة»، و»زعترة»، و»رافات»، و»الطيبة» يتكرر في العديد من القرى، واسم «الطيرة»، يتكرر في سبع قرى فلسطينية، وهو اسم أشهر حي في رام الله. وبالمناسبة، ومن مفارقات تغيير الأسماء، اسم جامع عبد الناصر في البيرة، فقد حمل هذا الاسم بعد وفاته العام 1970، وعندما زار الرئيس الراحل أنور السادات القدس (1977) وألقى خطاباً في الكنيست كان قد وجّه دعوات شخصية وبالاسم لقيادات فلسطينية في «الجبهة الوطنية» (التي كانت الواجهة الشعبية لمنظمة التحرير) للقائه صباح يوم العيد. لكن الجبهة رفضت الدعوة، وتعبيراً عن رفض مبادرة السادات وجّهت دعوة للجماهير لإقامة صلاة العيد في مسجد جمال عبد الناصر، وبذلك ترسخ في الوجدان الشعبي هذا الاسم. وفي السنوات الأخيرة حاولت بلدية البيرة تغيير الاسم إلى «مسجد البيرة الكبير»، كما حاولت الجماعات الإسلامية مسح اسم عبد الناصر واستبداله باسم «مسجد سيد قطب»، أو «مسجد الشهداء»، لكن التسمية الشعبية السائدة ظلت للزعيم الراحل، حتى أن حزب التحرير الإسلامي حين يدعو إلى تظاهرة في رام الله يحدد مكان انطلاقها قائلاً: «التجمع أمام جامع عبد الناصر بعد صلاة الجمعة».

وثمة دوار جميل في البيرة أطلق عليه اسم دوار أحمد الشقيري، بعد سنوات قليلة اقتطع جزء منه وسمّي دوار الشباب، وثبّتت فيه لوحة حجرية! علماً أنه يوجد دوار آخر في رام الله يحمل اسم دوار شباب رام الله، مع أن الناس تسميه دوار التشريعي نسبة للمجلس التشريعي! أو دوار الرافدين نسبة لسوبرماركت يقع قبالته. وهناك دوار على اسم الرئيس التونسي الأسبق قايد السبسي، لكن التسمية الشائعة دوار حبّوب، على اسم بقالة صغيرة قبالته.

في الماصيون عند أهم تقاطع قبالة مجلس الوزراء الذي حمل اسم ميدان محمود درويش، تتقاطع ثلاثة شوارع رئيسة: الأول شارع خليل الوزير، والثاني شارع يحيى عياش، والثالث شارع إميل حبيبي.. أسماء تعبّر بعمق عن الكثير من المعاني الوطنية.

في رام الله تكثر تسميات لشوارع وميادين تيمناً وتكريماً لشخصيات عالمية مرموقة ومهمة، بعضهم عرب، وبعضهم أجانب، أبرزهم الزعيم مانديلا.. في البيرة لا تجد إلا أسماء لشخصيات من التاريخ العربي والإسلامي.

وفي «متلازمة الثنائيات» التي شاعت مؤخراً، ظهرت تسميات غريبة لأسماء المحلات: «عسل وبصل»، «لوز وسكر»، «زيت وزعتر»، «خبز وملح»، «فرن وعجين»، «وردة وشبرة»، «ولعة وفحمة»، «أهل وجيران»، «لقمة وقلاية»، «نار وشرار».. إلى جانب ظاهرة الأسماء الأجنبية، خاصة الفنادق والمولات والكافتيريات، ومحلات الملابس، والعطور والكوزمتكس والماركات العالمية.. مش غلط، ولكن لا تنسوا أننا بلد عربي.

 

طبعاً كل مدينة أخرى (في فلسطين وخارجها) لم يرد ذكرها هنا، ستظن أنها بريئة تماماً من جنون التسميات!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى