عبد الغني سلامة: أسئلة ما بعد الحرب: سمات المقاومة الإسلامية (2 من 2)
عبد الغني سلامة 5-11-2025: أسئلة ما بعد الحرب: سمات المقاومة الإسلامية (2 من 2)
عبد الغني سلامة 3-11-2025: أسئلة ما بعد الحرب: سمات المقاومة الإسلامية (١من٢)
سابعاً: المرجعيات والتحالفات، «حزب الله» يعترف صراحة بأن مرجعيته إيران، وأنه امتداد لها، وينفذ سياساتها.. كذلك «الجهاد الإسلامي». «حماس» تتأرجح في تبعيتها ومرجعيتها بين إيران وتركيا وقطر (وفي مرحلة سابقة سورية الأسد)، وإن كانت تصف هذه العلاقة بالتحالف، لكن حقيقة الأمر باتت واضحة، خاصة في سنتَي حرب الإبادة.. بيد أنها تعترف صراحة بتبعيتها للإخوان المسلمين كمرجعية فكرية وتنظيمية وسياسية، وهي عبارة عن فرع فلسطين للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وهذه الجماعة لها مشروعها العالمي الخاص والمنفرد العابر للحدود، ومكانة فلسطين في هذا المشروع هامشية وذيلية، لا يتعدى توظيف الاسم والشعار لأغراض سياسية دوغمائية.. وبناء على ما سبق تورطت «حماس» في لعبة المحاور الإقليمية ورهنت قرارها أكثر من مرة لمرجعياتها، وأقحمت قضية فلسطين معها في تلك اللعبة.
ثامناً: احتكار المصطلح والجغرافيا، بمجرد صعود «حزب الله» واعتماده من قبل إيران وتلقيه الدعم الكامل، شرع على الفور بالتخلص من منافسه (حركة أمل) وجرت بينهما معارك طاحنة، ثم شرع بالتخلص من الشركاء المحتملين (القوى الوطنية اللبنانية والفلسطينية، الذين كانوا على الساحة منذ عشر سنوات)، واستأثر بالمشهد والجغرافيا، ولم يسمح لأي حركة مقاومة بالدخول إلى مناطق نفوذه، أو ممارسة أي فعل مقاوم إلا بإذنه وتحت جناحه، ما أدى إلى انكفاء القوى الوطنية حتى اختفت كلياً عن المشهد، ثم عمد إلى احتكار المعنى والاسم، الاسم الدارج سابقاً «الثورة»، و»القوى الثورية»، ليصبح الاسم المعتمد الجديد «المقاومة» و»قوى المقاومة».. ليحدث انقطاعاً تاريخياً ومعرفياً بكل المرحلة السابقة، وبالتالي احتكار المصطلح، ليصبح الحزب هو المقاومة والمقاومة هي الحزب. والحزب هو الجهة الوحيدة التي تمثل وتجسد المقاومة.
الصورة تتكرر بحذافيرها في غزة: «حماس» سيطرت على القطاع بالقوة والانقلاب، على الفور حجّمت منافسها الأول (الجهاد الإسلامي) وقلّصت دوره، ومنعت أفراده من ممارسة المقاومة إلا بإذنها وتحت جناحها، والحقيقة أنها لم تقضِ عليه لسبب وحيد؛ أنه حليف إيران، الذي يتقاسم مع «حماس» ما تقدمه إيران من مال ودعم وسلاح وتدريب.. ثم عمدت إلى تصفية كل شركائها وخصومها ومناوئيها وكل من هم خارج سيطرتها، بدءاً بكتائب شهداء الأقصى، وانتهاء بالحركات الإسلامية الجهادية التي ظهر منها عدد كبير سرعان ما تقلص واختفى، ومنهم من تمّت تصفيته داخل الجامع، وأبقت على كتائب صغيرة وغير فعالة تتبع الجبهة الشعبية التي انضمت هي الأخرى تحت جناح الحركة.. وكررت «حماس» ما فعله «حزب الله» بشأن احتكار مصطلح المقاومة، ليغدو قريناً بالحركة، بدعم إعلامي من قناة «الجزيرة».
تاسعاً: الهيمنة على المجتمع. سيطر «حزب الله» على المجتمع اللبناني، لدرجة أنه أصبح دولة داخل الدولة، فعل ذلك بقوة السلاح والمال واستخدامه الجمعيات الأهلية والمؤسسات الإعلامية والمساجد والساحات العامة لفرض خطابه ونموذجه (بما في ذلك البيئة الشيعية التي أراد إخضاعها كلها)، كما تحالف الحزب مع نظام الأسد في قمع واضطهاد الشعب السوري، كذلك فعل الحوثي في اليمن، العديد من المنظمات الجهادية في العراق المحسوبة على محور المقاومة قمعت ونكلت باللاجئين الفلسطينيين هناك، كذلك فعلت «حماس» في القطاع، تلك الحركات أقامت نظماً شمولية قمعية قائمة على الخوف والسجون، واستخدمت كل آليات الردع والهيمنة بقبضة حديدية لخنق أي صوت معارض بحيث صارت أقوى من المجتمع. ربما كان «حزب الله» أكثر انفتاحاً وأقل قمعاً بحكم طبيعة المجتمع اللبناني المتنوع والمتعدد، لكنه فرض سيطرته الكاملة الإعلامية والتربوية على مناطق نفوذه.
مفارقة أخرى بين «حماس» و»حزب الله»: بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان صيف 2000، تسامح الحزب مع خصومه السابقين المتعاونين مع الاحتلال، وعفا عنهم، ولم ينفذ عملية إعدام واحدة.. بينما بمجرد انسحاب إسرائيل من مناطق معينة في القطاع حتى خرجت مجموعات من «حماس» ونفذت عمليات إعدام ميدانية، وضربت بكل قسوة بالهراوات وإطلاق النار على كل من صنفتهم خونة وعملاء، وهاجمت عائلات وأفراد طالما اعتبرتهم خصوماً وأعداء بحجة التطهير.
عاشراً: مكانة الإنسان والجماهير في نظر المقاومة، الجماهير مجرد وقود لحروبها، قرابين وأضحيات لا قيمة لحياتهم، ولا أهمية لمستقبلهم.. الفكرة هي أيديولوجية الحركة التي أبدت استعدادها للتضحية بالجماهير مقابل بقائها! ولم تبذل الحركة أي جهد لتجنيب أو تقليل الخسائر المدنية سواء في اتخاذ قرار الحرب، أو أثنائها، وأثناء المفاوضات، بدليل عشرات التصريحات الإعلامية لقيادات الحركة.
أحد عشر: تحولت المقاومة لدى «حماس» من أسلوب إلى هدف بحد ذاته، اعتبرت أن المقاومة هي فقط امتشاق السلاح، وأهملت واستبعدت كافة أشكال المقاومة الأخرى، تبنت العمليات التفجيرية ثم توقفت عنها، ثم لجأت للصواريخ وللأنفاق، نقطة التحول الأخيرة (7 أكتوبر) تمثلت بتنظيم هجوم واسع النطاق متعدد الجبهات، وبأعداد كبيرة جداً من المقاتلين، استهدف اقتحام مراكز عسكرية، واقتحام مستوطنات وأخذ أسرى.. وهو أسلوب غير مسبوق، وغير معهود لا في ممارسات «حماس» السابقة، ولا ممارسات «فتح» وسائر فصائل المقاومة، ولا حتى في الثورات التي تبنت حرب العصابات، لأنه «إعلان حرب»، وهي سابقة خطيرة حين تخوض حرباً غير متكافئة بمزاعم امتلاك ألوية وكتائب وتشكيلات عسكرية نظامية وقوة صاروخية.. وفي حقيقة الأمر كل تلك القوة لا تُقارن بقوة العدو، وقد جرى سحقها بسهولة وفي وقت مبكر، وبدلاً أن نُظهر للعالم أنها حرب إبادة تخوضها قوة معتدية غاشمة جبارة ضد شعب أعزل، جرى تصوير الأمر بوجود مقاومة عنيفة تكبّد العدو خسائر فادحة.. الأمر الذي أطال أمد الحرب وتسبب بتلك النتائج الكارثية.
لو أدركت الجماهير بحسها الوطني أن الخيار الصحيح هو الحرب لاختارت الحرب بأنفسها، أو لانخرطت بها، أو على الأقل أيّدتها بعد ذلك.
ختاماً: إذا اعتبرنا أن المقاومة هي فقط حمل السلاح فـ»حماس» و»حزب الله» يحققان هذا الشرط، لكن في حقيقة الأمر «حماس» هي «مقاومة إسلامية» وظفت نفسها لأجندات الإخوان المسلمين، ولأجندات تركيا وقطر وإيران، وعلى حساب مصلحة القضية الفلسطينية، وضد مصالح الفلسطينيين، وضد حياتهم ومستقبلهم.. «حزب الله» وسائر فصائل محور المقاومة يشتغلون فقط لمصلحة إيران، وينفذون توجيهاتها.
هذه المقاومة أداة لدى مشروع الإسلام السياسي العالمي، وهو مشروع أيديولوجي/ سياسي له غايات متعددة أهمها الظفر بالسلطة، وبعد قرن على انطلاقته تبين أن قضية تحرير فلسطين آخر همّه.



