أقلام وأراء

عبد الخالق الجوفي: المؤمرة أكبر من مجرد حرب أثيرت بالسودان

عبد الخالق الجوفي 28-5-2023: المؤمرة أكبر من مجرد حرب أثيرت بالسودان

في عشية وضحاها انفجرت حربٌ بين فصيلين سودانيين هما الجيش السوداني والدعم السريع وهذه الحرب لها ما لها من التداعيات الأخطر على الأمن القومي العربي فهي الامتداد لكل تلك الفوضى الخلاقة التي بدأت في العام 2011م وسميت بثورات الربيع العربي التي كانت البداية فقط.

ومن الغريب والجلي أيضا وتلك مفارقةٌ ليست بالعجيبةِ أبداً خصوصاً إذا ما ربطنا تلك الأحداث بكل من يحدثُ الآن وسيحدثُ، حيثُ بدأ ما يُسمى بالربيع بتونس الخضراء لتتداعى بقية الأقطار العربية تباعاً، ومَثل أرضاً خصبةً لتمرير خطة الشرق الأوسط الجديد والتي أتت بطبقٍ من ذهب للقوى الاستعمارية التي كانت تُخطط والتي ما فتئت تنخر بنفس الاتجاه وبكل ما اوتت من قوة وبمساعدة عربيةٍ من إحدى الدول التي قبلت أن تكون القشة التي قصمت ظهر البعير لفرط العقد العربي.

ركب الاخوان المسلمين تلك الموجة في محاولة للوصول للحكم في بعض الدول العربية ولو على حساب الأوطان تلك، وبالفعل وصلوا ولكنهم فشلوا بإدارة تلك البلاد إما بالمؤامرات عليهم أو بنظرتهم القاصرة للحكم مما حدا بالكثير من الشعوب لاجتثاثهم بعد أن كانوا قد أملوا بهم خيراً.

انتشرت تلك الثورات في كثير من البلدان العربية كمصر وسوريا واليمن وليبيا ومؤخراً السودان، ولم يتعظ أي بلدٍ مما حدث لمن قبلهُ من الدمار والخراب، لكن يظل اللاعب الرئيسي بكل تلك البلاد من خلف الكواليس واحداً وبمالٍ عربيٍ مدنس!

سلمت مصر من تلك المؤمرة التي كانت تستهدفها بالمقام الأول، ووقعت ببؤرة الخراب والفتن سوريا واليمن وليبيا ودخل تلك المعادلة اللاعب الذي رأى أنهُ خسر ما كان قد وصل إليه مطالباً بالدعم ممن يتزعم الاتجاه الديني بالمنطقة لمحاولة إيجاد توازن، ليزداد الولاء الخارجي دون الوطني وبالتالي يزداد المرتزقة وبائعي الأوطان!

أنشئت المليشيات العميلة بكل البلدان التي وقعت ببراثن الربيع المزعوم، ونتيجة للظروف الاقتصادية كان ايجادها سهلاً جداً وبأقل التكاليف.

 سوريا نتيجة لكثرة اللاعبين الكبار وتواجدهم على الأراضي السورية لم يكن للمليشيات المُنشئةُ ظهوراً جلياً على السطح كما ليبيا واليمن، فبليبيا وُجِد خليفة حفتر الذي لو كان يحمل هماً ورؤية وطنية لالتف حولهُ كل الليبيين لكنهُ كان مُنفذاً لأجنداتٍ إقليمية ليس إلا.

أما باليمن وبعد تدخل تحالف الشر الذي جعل من اليمن وخصوصاً المناطق التي لم تصلها صنعاء بؤراً للقتل والدمار وانشاء مليشياتٍ تحمل بصمة انفصالية واضحة برغم التشدق بالحفاظ على الوحدة اليمنية التي تعد من أولوياته أمام العالم في حين يسعى لتفتيته كأحقر وأغبى تحالفٍ عرفه التاريخ، فتم انشاء الأحزمة الأمنية وقوات ما يسمى بالانتقالي لتحجيم عمل الدولة الشرعية التي أتوا أصلاً من أجل دعمها لاستعادتها كما يتشدقون!

ساعدهم في ذلك اقصاء كل القيادات الوطنية واستبدالهم بمرتزقة ينفذون كل ما يُطلب منهم دون اعتراض، تم اقصاء هادي والذي جاؤوا اصلاً لإعادته إلى صنعاء كما يزعمون واستبداله بمجلس رئاسي من الخونة والعملاء الذين سهلوا تدمير البلد وتفتيتها.

أما بسوريا فنتيجةً للتدخل الأمريكي والروسي وكذا الإيراني والتركي المباشر ودعم هذا وذاك تبعاً للولاءات فلم يظهر على السطح جهة بعينها لها ثقل سياسي وعسكري كالجيش التابع للدولة السورية، فجبهة النصرة مثلاً متأرجحةٌ بين الظهور والأفول نتيجة لرضى داعميها أحيانا وعدم الرضى أحيان أخرى.

دخلت مؤخراً السودان في معمعةٍ دون أخذ العبرة ممن سبقها وبنفس الكيفية والطريقة التي تُتَبعُ في اذكاء مثل تلك الصراعات حيثُ تم دعم ما يسمى قوات الدعم السريع لتثير الفتنة بعشيةٍ وضحاها!

وللأسف فاللاعب الرئيسي في كل تلك المؤامرات للأسف دويلة عربية لا يجهلها أحد وتأريخها لا يتعدى نصف قرن!

حيثُ بدأت بإذكاء نار الفتن هنا وهناك لإرضاء اسيادها الغربيون، لكن تطور الأمر بعد أن سال لعابها على ثروات تلك البلاد من ذهبٍ ونفطٍ وعبقٍ لتأريخٍ يفتقرون إليه إلى جزرٍ تتحكم بأهم مضيق بالعالم في باب المندب وجزيرة تُعد الأجمل والتي يتشدقون بأنها إحدى جزرهم التي استعادوها بتبجح منقطع النظير! وبضوء أخضر أمريكي وكهدية لها على لعبها دور العميل ببراعة.

تلك قراءة للأحدث ومرورٌ عليها، لكن الهدف من كل ذلك هو اضعاف الدول العربية ومحاولة لتدمير قدراتها الدفاعية فالجيوش العربية التي كانت ترعب إسرائيل والتي تم كبح جماحها تماماً كجيش العراق وسوريا واليمن وليبيا، أما الجيش السوداني الذي كان الحاكم الفعلي للسودان فقد تعاملوا معهُ بطريقة العصى والجزرة لتمرير التطبيع مع ذلك الكيان الغاصب ودون أي مقابل سوى وعودٍ تلاشت بدخولها المعمعة التي لا زالت تعصف بها للآن!

واستطاعت تلك الدويلة القيام بتلك المهمة الخسيسة على أكمل وجه، لكن يبقى الهدف الأهم والذي أتمنى ألا يبلغوهُ فهو آخرُ سدٍ منيعٍ متبقٍ للأمه وهو الجيش المصري ومصر الكنانة، والتي تعد الأحداث في السودان تمهيداً له.

فالأحداث في السودان لها ثلاثة أهداف لا رابع لها: – الأول اضعاف السودان وتفكيكها وخروجها عن الإطار العربي والخروج عن المصالح القومية خصوصاً مع مصر.

الثاني تمرير الخطة الإسرائيلية لبناء سد النهضة والتحكم بمنسوب النيل وبالتالي التحكم بالقرار المصري تبعاً له.

الثالث عزل مصر عن محيطها العربي ومحاولة إيجاد القلاقل لإدخالها بدوامة العنف لتدمير آخر جيش عربي لا زال متماسكاً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى