أقلام وأراء

عبد الخالق الجوفي: الشريان المتبقي للمحاصرين بغزة

عبد الخالق الجوفي 17-5-2025: الشريان المتبقي للمحاصرين بغزة

في خضم الحصار الإسرائيلي المشدد على قطاع غزة والذي دخل عامه الثامن عشر تبرز وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) كشريان حياة أساسي لأكثر من مليوني فلسطيني يعيشون تحت وطأة الحصار والحرمان، ومع تصاعد العدوان الإسرائيلي وتقييد حركة المساعدات الإنسانية تواجه تحدياتٍ غير مسبوقةٍ في أداء مهمتها واستهدافها من قبل سلطات الاحتلال بحملات تشويه ممنهجة واعتداءات مباشرة تهدد وجودها.

مواجهة الكارثة الإنسانية

تأسست بالعام 1949 كاستجابة للأزمة الإنسانية التي خلفها الاحتلال الصهيوني ونكبة فلسطين، وتعمل منذ ذلك الحين على تقديم الخدمات الأساسية للاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية، وقطاع غزة، والأردن، ولبنان، وسوريا، حيثُ يعتمد 80% من السكان في غزة على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة، وتقدم الأونروا:

الخدمات التعليمية لأكثر من 285,000 طفل في 278 مدرسة.

الرعاية الصحية عبر 22 مركزاً طبياً تقدم العديد من الخدمات سنوياً.

الإغاثة الطارئة كتوفير المواد الغذائية والمأوى لأكثر من 1.1 مليون لاجئ.

برامج التشغيل حيثُ توفر فرص عمل لأكثر من 13,000 موظف غالبيتهم من الفلسطينيين.

ومع ذلك فإن هذه الخدمات – رغم أهميتها- لا تكفي لسد الفجوة الهائلة الناتجة عن الحصار الإسرائيلي الذي يحظر دخول المواد الأساسية من الأدوية إلى مواد البناء مما يفاقم المأساة ويجعلُ من غزة سجن مفتوح وفقاً لتوصيف منظمات حقوقية دولية.

الانتهاكات الإسرائيلية الممنهجة ضدها

منذ تأسيسها عام 1949م شكلت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) خط الدفاع الأخير أمام الكارثة الإنسانية التي يعيشها اللاجئون الفلسطينيون خاصة في قطاع غزة المحاصر، لكن سلطات الاحتلال الإسرائيلي بدلاً من تسهيل عملها الإنساني تعاملت معها كعدو يجب تقويضهُ مستهدفةً بنيتها التحتية وموظفيها وتمويلها، في انتهاك صارخ للقانون الدولي.

حيثُ تواجه هجوماً ثلاثياً من الاحتلال الإسرائيلي عسكري وقانوني وإعلامي في محاولةٍ واضحةٍ لتجفيفِ مصادر دعمها وتشويهِ سمعتها ومن أبرز هذه الانتهاكات:

أولاً: استهداف المنشآت التعليمية والصحية التابعة لها

فوفقاً لتقارير الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية فقد نفذت إسرائيل هجماتٍ مباشرةٍ ومتكررةٍ على منشآتِها رغم علمها المسبق بوجود مدنيين فيها، ومن أبرز الحوادث الموثقة:

حرب 2014: دمرت إسرائيل 7 مدارس تابعة لها كانت تُستخدم كملاجئ للنازحين مما أسفر عن مقتل أكثر من 40 مدنياً في هجومٍ واحدٍ على مدرسةِ بيت حانون.

عدوان 2021: فقد قصفت الطائرات الإسرائيلية مكتبها في غزة مما أدى إلى تدمير الأرشيف الإداري وقطع الاتصالات الحيوية.

حرب 2023- إلى الآن: استهدفت إسرائيل 23 منشأة تابعة لها منها مستوصفاتٍ ومخازنَ أغذيةٍ مما عطل توزيع المساعداتِ على مئاتِ الآلاف.

ثانياً: تقييد وصول المساعدات الإنسانية

تُمارس إسرائيل سياسةٍ ممنهجةٍ لخنقِ عمل الأونروا عبر:

منع دخول المواد الأساسية: مثل الأدوية والوقود ومواد البناء تحت ذرائع أمنية غير مبررة، ففي العام 2023م احتجزت إسرائيل 70% من شحنات الأدوية المخصصة لمراكزها لأسابيع.

إغلاق المعابر: تخفض إسرائيل عدد الشاحنات المسموح بدخولها عبر معبر كرم أبو سالم من 500 شاحنة يومياً قبل الحصار إلى 50 شاحنة، وفي كثيرٍ من الأحيان تمنع دخول حتى شاحنةً واحدةً مما يسبب انعداماً حاداً في الغذاء والدواء ويُهدد حياة الملايين دون اكتراثٍ من المحتلين الصهاينة.

تعطيل عمل الموظفين: تمنع إسرائيل دخول موظفيها الدوليين إلى غزة، وتفرض قيوداً على حركة الموظفين المحليين.

ثالثاً: اغتيالاتٍ واعتداءاتٍ على الطواقمِ الطبية

قُتل الكثيرُ من العاملين فيها منذ 2008م وحتى الآن بسبب القصف الإسرائيلي بينما تعرض العشرات للاعتقال أو التعذيب، ومن أبرز الحالات:

في يوليو 2014م قتلت إسرائيل 11 موظفاً في غارة واحدة على مدرسة لها في رفح.

في أكتوبر 2023م استشهد 5 أطباء تابعين لها بعد قصف مستشفى الوكالة في خان يونس.

رابعاً: الحرب القانونية والإعلامية عليها

إلى جانب الهجماتِ العسكريةِ تشنُ إسرائيل حملات تشويه ضدها عبر:

اتهامها بدعم الإرهاب: دون أدلةٍ بهدف تجفيف تمويلها حيثُ دفعت إسرائيل في العام 2024م دولاً مثل الولايات المتحدة وبريطانيا إلى تجميد دعمها المالي مما أدى إلى أزمةٍ ماليةٍ كادت تعطل رواتب 30,000 موظف.

الضغط لإغلاقها: تروج إسرائيل لمقترحاتٍ بحلِها ونقل مهامها إلى منظمات أخرى رغم أن ذلك ينتهك حق اللاجئين في العودة وفقاً للقرار 194.

الأونروا بين مطرقة الاحتلال وسندان الأزمة الإنسانية

استهداف إسرائيل للأونروا ليس عملاً عشوائياً بل هو جزءٌ من سياسةٍ ممنهجةٍ لـ:

تدمير البنية التحتية للاجئين الفلسطينيين لتقليل فرصة العودة أو انعدامها.

تكريس التهجير القسري عبر جعل الحياة في غزة مستحيلة.

محو الذاكرة الجماعية للاجئين عبر تقويض التعليم والخدمات التي توفرها.

مما يجعلُ المجتمع الدولي شريكاً في الجريمة ومتواطئاً مع هذه الانتهاكات في ظل صمتهِ اللا مُبرر، فالأونروا ليست مجرد وكالةٍ إغاثيةٍ بل هي شاهد حي على استمرار النكبة، واستهدافها جريمة ضد الإنسانية تتطلب محاسبة دولية عاجلة.

 

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى