عبد الخالق الجوفي: أمريكا وتحكمها بمصائر العالم

عبد الخالق الجوفي 10-2-2025: أمريكا وتحكمها بمصائر العالم
في عالم يزداد تعقيدًا يومًا بعد يوم تبرز أمريكا كقوة عظمى تتحكم بمصائر الشعوب وتتحدى القرارات الدولية بكل وقاحة، وكأنها فوق القانون وفوق البشر.. ليست مجرد دولة بل هي “رأس الشر” الذي يفرض إرادته على العالم بأسرهِ مستخدمةً قوتها العسكرية والاقتصادية كأدوات للهيمنة، وفي قلب هذا الصراع العالمي تقف القضية الفلسطينية كشاهد حي على الاضطهاد والظلم الذي تمارسه أمريكا ليس فقط بدعمها للاحتلال الإسرائيلي بل بتشجيعها له على نهب الأرض وتهجير أصحابها.
أمريكا.. القوة التي لا تعرف الإنسانية
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وضعت أمريكا نفسها كشرطي العالم حيثُ تتدخل في شؤون الدول الأخرى تحت ذرائع مختلفة! من “نشر الديمقراطية” إلى “حماية الأمن القومي”… لكن الحقيقة المُرة هي أن هذه الذرائع ما هي إلا أقنعة تخفي وراءها مصالحها الاقتصادية والسياسية، فأمريكا بجيشها الضخم واقتصادها القوي تفرض إرادتها على العالم متحديةً كل القوانين الدوليةِ التي تدعو إلى العدل والمساواة.
وفي مجلس الأمن تستخدم أمريكا حق النقض (الفيتو) كسيف مُسلط على رقبة العدالة، وكلما حاول المجتمع الدولي إصدار قرار يدين الاحتلال الإسرائيلي أو يدعم حقوق الشعب الفلسطيني تقفُ أمريكا في وجهه وكأنها تقول للعالم: “لا صوت يعلو فوق صوتنا”، وهذا التحدي الصارخ للقرارات الدولية ليس إلا دليلًا على أن أمريكا تعتبر نفسها فوق القانون، وأن مصالحها تأتي قبل مصالح البشرية جمعاء.
دعم الاحتلال الإسرائيلي: جريمة ضد الإنسانية
في قلب هذا الصراع تقفُ القضية الفلسطينية كواحدةٍ من أقدمِ القضايا الإنسانية التي لم تحظَ بعد بحل عادل، فمنذ عام 1948 والشعب الفلسطيني يعاني من الاحتلال الإسرائيلي الذي يسرق الأرض ويقتلع الشجر ويهدم البيوت… لكن ما يجعل هذه المأساة أكثر إيلامًا هو الدعم الأمريكي اللامحدود لإسرائيل.
أمريكا التي تدعي الدفاع عن حقوق الإنسان هي نفسها التي توفر الأسلحة والتمويل لإسرائيل مما يُمكنها من مواصلة جرائمها ضد الشعب الفلسطيني، وكل قنبلة تسقط على غزة، وكل رصاصة تُطلق على الأطفال الفلسطينيين تحملُ بصمةً أمريكية! بل إن أمريكا تذهب إلى أبعد من ذلك فتعترفُ بالقدس عاصمة لإسرائيل، وتنقل سفارتها إليها في تحدٍ صارخ لكل القرارات الدوليةِ التي تؤكد على حق الفلسطينيين في القدسِ الشرقية كعاصمة لدولتهم المستقبلية.
التهجير القسري: جرح نازف في جسد الإنسانية
واحدة من أبشع الجرائم التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي بدعم أمريكي هي التهجير القسري للفلسطينيين من أراضيهم، فمنذ النكبة عام 1948 والشعب الفلسطيني يُعاني من التشريد واللجوء! واليوم.. تستمرُ هذه المأساة بوتيرةٍ أسرع حيث يتم هدم المنازل وطرد العائلات من أرضها تحت ذرائع واهيةٍ في الضفة كـ “البناء غير القانوني” أو “الأمن القومي”.
في الشيخ جراح.. في سلوان.. في الخليل.. وفي عشرات القرى والمدن الفلسطينية، يعيش الناس تحت تهديد دائم بالطرد، وأمريكا بدعمها المطلق لإسرائيل تُشارك في هذه الجريمة بل إنها تدعمها وتشجعها من خلال صمت المجتمع الدولي الذي تخضعه أمريكا لإرادتها.
ومؤخراً وبعد طوفان الأقصى الذي مرغ أنوف الصهاينة برغم الدعم الأمريكي اللامحدود الذي أدى لتدمير غزة بقنابل أمريكية تُعدُ أضعافَ ما ألقي على هيروشيما ونجزاكي مجتمعتين بالقنبلتين الذريتين الأمريكيتين التي قضت على الحرث والنسل هناك بدمٍ بارد وعنجهيةٍ أمريكيةٍ لا تعرف للإنسانية إلا التبجح باسمها.
ويخرج ترامب مؤخراً بكل صفاقة بحلولٍ ترضي المحتلين الصهاينة على حساب أصحاب الأرض الذين استضافوهم عندما نبذهم العالم بعد الحرب العالمية الثانية تتمثل في إيجاد وطنٍ بديل لأصحاب الأرض وتمكين المحتل من أرضهم!
وبكل عنجهيةٍ يمكن أن تكون يريد فرض توطينهم إما بمصر أو الأردن ومؤخراً بالمملكة العربية السعودية.. وكأنهُ المتحكم بالعالم دون قانون دولي يفترض أن يكون!
دونالد ترامب المعتوه يرى أن ما يسمى بإسرائيل صغيرة ولا بد ان تكون أكبر على حساب الدول التي تحيط بها، وهي بذلك تثبت أنها سرطان قبيح لا بد أن يستأصل.. وهنا ألفت عناية المعتوه باقتراحٍ أفضل من اقتراحاتهِ يتمثل في توطين الصهاينة لدية بولايةٍ من الولايات المتحدة الأمريكية حتى يكونوا تحت رعايتهٍ وبالقرب منه.. أما أرضنا.. أرض فلسطين فليست للبيع أو المقايضة.
القرارات الدولية: حبر على ورق
وهنا نتساءل …ما فائدة القرارات الدولية إذا كانت أمريكا تقف في وجه تنفيذها؟ قرارات الأمم المتحدة التي تدين الاحتلال وتدعو إلى إنهائه تتحول إلى حبرٍ على ورق بفضل الفيتو الأمريكي، والقرارات التي تدعو إلى حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم، وإنهاء الاستيطان، وإلى إعادة اللاجئين إلى ديارهم كلها تذهبُ أدراج الرياح لأن أمريكا تقول “لا”
هذا ليس فقط تحدٍ للقانون الدولي بل هو صفعة في وجه الإنسانية، فكيف يمكن للعالم أن يتحدث عن العدل والمساواة بينما تقف أمريكا كحاجزٍ أمام تحقيق هذه المبادئ؟
الضمير العالمي: أين هو؟
في الوقت الذي تدعم فيه أمريكا الاحتلال الإسرائيلي يبقى سؤالٌ مُلح: أين هو الضمير العالمي؟ أين هي الدول التي تدعي الدفاع عن حقوق الإنسان؟ أين هي المنظمات الدولية التي من المفترض أن تحمي الضعفاء؟ للأسف… الكثيرُ منها يخضعُ للإرادة الأمريكية، أو يفضل الصمت على مواجهة القوة المتغطرسةُ العظمى.|
العدل قادم لا محالة
رغم كل الظلم المفروض على الفلسطينيين، ورغم كل الدعم الأمريكي للاحتلال، والقرارات الدولية التي تتحول إلى حبر على ورق فإن العدل قادم لا محالة… والشعب الفلسطيني – برغم كل المعاناة- يبقى صامدًا على أرضهِ، ومتمسكًا بحقهِ في الحريةِ والكرامة.
وأمريكا بكل قوتها وغطرستها لن تستطيع أن تقهر إرادة شعبٍ يؤمن بعدالة قضيته، فالعالم يتغير، والقوى العظمى لن تبقى إلى الأبد، ويومًا ما ستنكسر قيود الظلم، وسيأتي اليوم الذي ينال فيه الفلسطينيون حقوقهم كاملةً من البحر إلى النهر.