عبد الباري عطوان يكتب – لماذا يخشى الإسرائيليون من “حرب استنزاف” يشنها محور المقاومة ويحذر وزير خارجيتهم بان إسرائيل ليست السعودية؟

هل إطلاق صواريخ سورية إيرانية من القنيطرة مؤشر على تفعيل جبهة الجولان كخطوة لتغيير قواعد الاشتباك في هذا الاطار؟ ولماذا فشلالرد الصاروخي الاسرائيلي الأخير في تحقيق معظم أهدافه؟
عبد الباري عطوان – 20/11/2019
ان تطلق وحدات المقاومة في جنوب سورية أربعة صواريخ على اهداف إسرائيلية في هضبة الجولان المحتلة، ويرد الجيش الإسرائيلي بشن ضربات جوية صاروخية على عشرة مواقع في ريف دمشق ومطارها الدولي تصدت لها الدفاعات الجوية السورية بكفاءة واسقطت معظمها، فهذا تطور جديد ربما يكون مقدمة لحدوث تغيير جذري في قواعد الاشتباك على الجبهة السورية مع فلسطين المحتلة، وانتقال محور المقاومة السوري الإيراني من سياسة ضبط النفس الى المبادرة بالهجوم.
المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي افيخاي ادرعي، قال ان الضربات التي جاءت في إطار هذا العدوان كانت على نطاق واسع واستهدفت مواقع ومخازن أسلحة للجيش العربي السوري وفليق القدس، بينما اكد المرصد السوري لحقوق الانسان، المدعوم بريطانيا وامريكيا، ان هذه الغارات اسفرت عن استشهاد 23 شخصا بينهم 16 أجانب في ايحاء انهم إيرانيون.
من الواضح، ومن خلال هذه الضربات الإسرائيلية، ان سورية ما زالت تشكل “رأس حربة” ومصدر الخطر الرئيس على الكيان العبري بدعم مفتوح ليس من قبل ايران فقط، وانما الاذرع العسكرية الرئيسية الحليفة الضاربة مثل “حزب الله” في جنوب لبنان، وحركة “الجهاد الإسلامي” في فلسطين المحتلة، و”انصار الله” في اليمن، و”الحشد الشعبي” في العراق، ولهذا يأتي استهدافها إسرائيليا بين الحين والآخر.
***
في الماضي القريب كانت الاعتداءات الإسرائيلية على اهداف في العمق السوري تأتي لضرب اهداف إيرانية، او لتدمير مخازن وقوافل أسلحة وصواريخ متقدمة في طريقها الى “حزب الله” في لبنان، ولكن في هذه المرة اختلف الوضع، وجاءت الضربات الإسرائيلية الأخيرة ردا على صواريخ انطلقت من الجبهة الجنوبية نحو هضبة الجولان، مما قد يعني ان هناك بوادر او مقدمات، او استعدادات لفتح هذه الجبهة في المرحلة المقبلة، بحيث تكون إسرائيل محاصرة بثلاث جبهات في الشرق والشمال اللبناني والجنوب الفلسطيني في حال تطور التوترات الحالية الى حرب.
ما يدفعنا الى طرح هذه الاحتمالية التصريح اللافت الذي ورد على لسان إسرائيل كاتس، وزير الخارجية الإسرائيلي يوم امس وحذر فيه ايران “بأن إسرائيل ليست السعودية ولن تنجر الى حرب استنزاف”، وسيكون ردها مختلفا.
لا نستبعد ان يكون هذا التصريح الفريد من نوعه، الذي تجاهلته الصحافة الإسرائيلية تحليلا من قبل معلقيها العسكريين بسبب الرقابة جاء بناء على معلومات مؤكدة حول وجود استراتيجية سورية إيرانية جرى اعتمادها في هذا المضمار.
ايران وحلفاؤها شنوا حرب استنزاف مكثفة ومكلفة ضد التحالف العربي الذي تقوده السعودية في حرب اليمن، بدأ بإطلاق صواريخ باليستية على المدن السعودية الكبرى في الرياض وجدة والطائف وخميس مشيط وابها، وتطور الى ارسال طائرات مسيرة وصواريخ كروز على منشآت نفط شركة أرامكو في ابقيق وخريس وحقل الشيبة، وتخفيض الإنتاج السعودي الى النصف، الامر الذي دفع أمريكا الى ارسال ثلاثة آلاف جندي مع معدات متقدمة لحمايتها، والانخراط في الوقت نفسه في مفاوضات سرية مع حركة “انصار الله” الحوثية لوقف الحرب وإعلان الهدنة كمقدمة لفترة من التهدئة.
لا يمكن ان يكون حديث كاتس، وزير الخارجية الإسرائيلي، عن حرب استنزاف إيرانية سورية مجرد “زلة لسان”، خاصة اذا عدنا الى الوراء قليلا، وتوقفنا عند اطلاق حركة “الجهاد الإسلامي”، الحليف الإيراني الاوثق في قطاع غزة، اكثر من 200 صاروخ وقذيفة من قطاع غزة على المستوطنات والمدن في اسدود وعسقلان وسدروت وتل ابيب المحتلة على مدى يومين انتقاما لاستشهاد قائدها العسكري بهاء ابو العطا، وهي الصواريخ التي شلت الحياة الاقتصادية الإسرائيلية، وارسلت حوالي نصف السكان الى الملاجئ، وكلفت الخزينة الإسرائيلية اكثر من مليار دولار، ولهذا حرص نتنياهو على الوساطة المصرية لإنهائها.
اذا قرر محور المقاومة اشعال فتيل حرب الاستنزاف فهذا يعني دخول جميع الاذرع العسكرية الموالية له الى ساحة المعارك، وعلى رأسها “حزب الله” الذي يملك 150 الف صاروخا في ترسانته، نسبة كبيرة منها من النوع الدقيق، ومن غير المستبعد ان تنضم حركة “انصار الله” الحوثية، الى المعركة أيضا، وتنسحب من المفاوضات السرية، وتتخلى حركة “حماس” عن سياسة ضبط النفس، خاصة بعد القرار الأمريكي بتشريع الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية.
ربما يجادل البعض بأن ايران ليست بوارد اللجوء الى التصعيد خاصة في هذه المرحلة التي تتصاعد فيها والدول الحليفة لها، وتيرة الاحتجاجات الشعبية، والحديث هنا عن لبنان والعراق، وهذا صحيح، ولكن لماذا لا نرى في هذا التصعيد الإيراني العسكري بأنه احد الردود على هذه الاحتجاجات، ومحاولة لإجهاضها، وحرف الأنظار عنها، الم يقل السيد علي خامنئي، المرشد الأعلى للثورة الإيرانية ان أمريكا وإسرائيل والسعودية هي التي تقف خلفها لإسقاط النظام الإيراني بتقويضه من الداخل؟
***
الإعلان الرسمي الأمريكي عن عبور حاملة الطائرات الامريكية ابراهام لينكولن مضيق هرمز للتموضع في مياه الخليج، وهي التي هربت الى بحر عمان على بعد 800 كم حتى لو تكون في خارج مرمى الصواريخ البحرية الإيرانية، واحتجاز حركة “انصار الله” سفينتين كوريتين جنوبيتين في البحر الاحمر لمدة يومين، والتهديدات المفاجئة التي وردت على لسان العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز اليوم بعد صمت طويل، واكد فيها ان سياسة المملكة تستهدف استقرار أسعار النفط، وان أسلحة إيرانية استخدمت في الهجوم على منشآت أرامكو، وان المملكة تعرضت لـ 286 صاروخا باليستيا، و289 طائرة مسيرة، وعلى ايران ان تدرك انها امام خيارات جدية وستتحمل نتائجها، ثلاثة مؤشرات على تصاعد منسوب التوتر، واحتمالات المواجهة الضيقة او الموسعة في المنطقة؟
صمود سورية الدولة، واستعادة جيشها العربي معظم الأراضي التي كانت خارج سيطرتها، وانهيار مشروع التفتيت الأمريكي اربك دولة الاحتلال الإسرائيلي، وافشل كل رهاناتها، خاصة ان اكثر من 230 غارة إسرائيلية في العمق السوري على مدى سبع سنوات، لم تنه الوجود الإيراني، ولم تمنع وصول الصواريخ الدقيقة الى “حزب الله” وزيادة قوته عدة اضعاف، ولهذا فان قواعد الاشتباك مرشحة للتغيير، ان لم يكن بدأ، ولن يكون لمصلحة أمريكا وحليفها الإسرائيلي.. والأيام بيننا.