أقلام وأراء

عبد الباري عطوان يكتب – كيف تذكرنا اسرار عملية اغتيال مشعل قبل 22 عاما بالأسلوب الأمثل والحازم للتعاطي مع الغطرسة الإسرائيلية؟

عبد الباري عطوان يكتب –  كيف تذكرنا اسرار عملية اغتيال مشعل قبل 22 عاما بالأسلوب الأمثل والحازم للتعاطي مع الغطرسة الإسرائيلية؟ ولماذا نطرح العديد من التساؤلات حول الثمن الذي قد يدفعه الفلسطينيون مقابل المستشفى الأمريكي والميناء الألماني العائم في قطاع غزة؟ هل بدأت صفقة التهدئة مقابل التهدئة؟

عبد الباري عطوان – 2/12/2019

الحلقة لاستقصائية التي بثتها يوم امس القناة 13 الإسرائيلية عن اغتيال السيد خالد مشغل، رئيس المكتب السياسي السابق لحركة “حماس” في أيلول (سبتمبر) عام 1997، وما كشفته من اسرار حول تفاصيل العملية وكيفية رد العاهل الأردني الراحل الملك حسين عليها، تقدم للزعماء والمسؤولين العرب درسا في كيفية التعاطي مع هذه الدولة المارقة، والمسؤولين فيها، خاصة بالنسبة الى المطبعين منهم الذين يثقون بهؤلاء، ويتوددون لهم، ويحلمون في احتمالية ان يكونوا حماة لهم.

عملية محاولة الاغتيال هذه للسيد مشعل في العاصمة الأردنية جاءت بأمر من بنيامين نتنياهو الذي أراد الثأر من سلسلة هجمات استشهادية لمقاتلي حركة “حماس” في قلب القدس وتل ابيب المحتلين التي زعزعت استقرار الدولة العبرية، وقزمت زعامة نتنياهو، وكسرت شوكة كبريائه، وادت الى مقتل واصابة اكثر من 200 شخص، ولكن عملية الاغتيال هذه أعطت نتائح عكسية تماما.

فريق الاغتيال تسلل الى الأردن بجوازات سفر كندية، ومعهم طبيب خاص حمل مصل السمّ الذي يقضي على الضحية في غضون اربع ساعات بعد حقنه به، ولكن الحرس الشخصي للسيد مشعل، وكانوا ابطالا نشامى، استطاعوا مطاردة القتلة واعتقال اثنين منهم جرى تسليمهما للشرطة الأردنية، بينما لجأ أربعة من الفريق “الموسادي” الى السفارة الإسرائيلية.

***

نأتي هنا الى دور العاهل الأردني الملك حسين الذي هدد بإلغاء معاهدة وادي عربة أولا، واعدام جميع المتورطين في عملية الاغتيال ثانيا، واغلاق السفارة الإسرائيلية في عمان ثالثا، وكان صارما في موقفه، الامر الذي دفع نتنياهو الى ارسال مخترع المصل السام ومعه المصل المضاد على ظهر طائرة خاصة، مما اى الى انقاذ حياة السيد مشعل في اللحظات الأخيرة، وبعد ذلك جرى اجبار نتنياهو على اطلاق سراح الشيخ الشهيد احمد ياسين مقابل عدم اعدام المعتقلين الاسرائيليين والافراج عنهم.

نسوق هذه الرواية، وفي زمن التطبيع العربي الذي يعيش ذروته هذه الايام، لنسلط الأضواء على حقيقة راسخة، وهي ان أسلوب الحزم،  والتعاطي بالندية، مع دولة الاحتلال الإسرائيلي هو الوحيد الذي يعطي النتائج المطلوبة، اما التذلل، والمسايرة، وحب الخشوم فيزيدها غطرسة وتجبرا، ولنا في الحالة المهينة التي تيعشها السلطة الفلسطينية حاليا، والتغول الاستيطاني، ابرز الأدلة.

كنا نتمنى لو ان السلطات الأردنية سارت على النهج نفسه، ورفضت تسليم حارس السفارة الإسرائيلية في عمان الذي قتل مواطنين أردنيين،  وحظي وهو المجرم القاتل باستقبال الابطال من نتنياهو الا بعد محاكمته، وعدم الافراج عنه الا بعد اطلاق مئات، وربما آلاف الاسرى العرب في سجون الاحتلال.

سحب السفير الاردني من تل ابيب وعدم عودته الا بعد الافراج عن الاسيرين الاردنيين هبة اللبدي وعبد الرحمن مرعي في سجون الاحتلال،  ورفض العاهل الأردني الملك عبد الله تمديد “ايجار” منطقتي الباقورة والغمر، وعقد أي لقاء مع نتنياهو ربما يأتي تعويضا عما سبق، ونهجا جديدا في التعاطي مع هذه الدولة المارقة، نأمل ان يستمر وبما يؤدي الى الغاء اتفاقية الغاز المهينة، فمن العار ان يطهو النشامى في الأردن طعامهم بغاز فلسطيني مسروق وبأسعار اعلى من نظيراتها في الأسواق العالمية، وان يظل موقعي هذه الصفقة طلقاء يتمتعون، او بعضهم، بعمولاتهم المسمومة.

***

الأردن يملك أسباب القوة، مثلما يملك شعبا ينضح وطنية، وتمسكا بالعقيدة، والحقوق العربية المشروعة، ويرفض التطبيع مع الإسرائيليين بأشكاله كافة، ويستطيع ان يستخدم كل خياراته المشروعة للحفاظ على مصالحه، وتنويع مصادر دخله، وابرزها الانفتاح على سورية وايران والعراق وتركيا، وتفعيل السياحة الدينية للاشقاء من أبناء المذهب الشيعي لزيارة الأماكن المقدسة في الكرك، وتقليص، بل الالغاء لاي واردات او صادرات اردنية عبر ميناء حيفا، كبديل عن الفتح الكامل لتجارة الترانزيت عبر الحدود الأردنية السورية.

لا ننسى في هذه العجالة ان نتساءل عن الثمن الذي سيدفعه الفلسطينيون مقابل ما يتردد بقوة هذه الأيام عن انشاء مستشفى امريكي قرب الحدود الشمالية لقطاع غزة، متخصص بالاورام السرطانية، وميناء الماني عائم قبالة مدينة غزة، فهل سيكون هذا مقابل وقف مسيرات العودة، وبدء تطبيق معادلة التهدئة مقابل التهدئة؟

نتمنى ان نسمع إجابة او توضيحا من أصحاب الشأن في القطاع لانهاء حالة الغموض والبلبلة السائدة حاليا داخل الأراضي المحتلة وخارجها، فمن حقنا كمواطنين فلسطينيين ان نعرف كل الحقائق، فهل من مجيب؟

1

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى