ترجمات عبرية

عاموس هرئيل يكتب – بدون تقرير

بقلم  عاموس هرئيل، هآرتس 12/8/2018

في مساء يوم الخميس الماضي قبل منتصف الليل، في الساعة التي كانت فيها الصحف تستعد لاغلاق عدد نهاية الاسبوع اوردت قناة “الجزيرة” استنادا لمصادر مصرية أنباء عن وقف لاطلاق النار تم التوصل اليه بين اسرائيل وحماس في قطاع غزة. بعد بضع دقائق انضم لهذه الاقوال دبلوماسي اجنبي كان مطلعا على ما يجري من الاتصالات. الطرفان، قال، وافقا على وقف اطلاق النار، التفاهمات ستدخل الى حيز التنفيذ في منتصف الليل. من سارع الى نفي هذه الاقوال كان مصدر اسرائيلي. في بيان خطي ارسل الى المراسلين قال “التقرير عن وقف اطلاق النار غير صحيح”.

في صباح اليوم التالي، يصعب وصف ذلك كأمر مفاجيء، تبين مرة اخرى أن الرواية الفلسطينية والمصرية لما حدث من خلف الكواليس أصدق بكثير من الرواية الاسرائيلية. خلال تلك الليلة لم يسجل أبدا أي تبادل للنار على حدود القطاع. لم يتم اطلاق أي صاروخ، رغم التوجيهات المهددة التي تلقتها قنوات التلفاز من وزراء في الكابنت، ايضا طائرات سلاح الجو بقيت في قواعدها. قيادة الجبهة الداخلية الغت يوم الجمعة توجيهات الحماية الخاصة لسكان الجنوب.

حتى لو كانت اسرائيل تختفي خلف مقولة “الهدوء سيقابل بهدوء” وتعلن أنها لا تجري مفاوضات مع حماس، فعليا هذا وقف لاطلاق النار. ليس وقف كامل بالطبع: حماس مرة اخرى حشدت متظاهرين امام الجدار بعد ظهر يوم الجمعة وثلاثة منهم قتلوا بنار الجيش الاسرائيلي. والبالونات الحارقة اطلقت من القطاع نحو اسرائيل طوال يوم نهاية الاسبوع. ولكن في هذا الوقت لا يوجد صواريخ تطلق نحو النقب وليس هناك هجمات جوية كثيفة على اهداف حماس في القطاع. كل ذلك حتى المرة القادمة التي سيقتل فيها الجيش الاسرائيلي رجال حماس، وترد فيها حماس باطلاق الصواريخ، وسلاح الجو يعود للقصف وهكذا.

احداث الايام الاخيرة هي تكرار تام للطريقة التي انتهت فيها جولة من جولات التصعيد السابقة في القطاع في نهاية أيار الماضي. ايضا في حينه صدر تصريح عن وقف لاطلاق النار من القاهرة ومن قطاع غزة في وقت متأخر من الليل. وايضا في حينه نشر نفي اسرائيلي شديد، مثلما هو الامر دائما بدعم من “مصادر رفيعة المستوى”، التي تبين في اليوم التالي أنها غير صحيحة. الفرق الوحيد هو أنه من مرة الى اخرى تقل الصحف التي تقع في الشرك. من نجح في فحص الامر مع ضباط في الجيش الاسرائيلي كان على الاغلب اكثر حذرا من توقعاته.

ولكن في هذه الحالة يبدو أن الاتهام الاساسي ليس في وسائل الاعلام. قبل ربع ساعة من نشرة اخبار المساء، وربع ساعة قبل اغلاق عدد الصحيفة – تلك هي ذروة المناورات الصحفية. في الوقت الذي يكون فيه المراسلون والمحللون مضطرون الى احضار معلومات كي يتم نشرها بسرعة في ذروة ازمة امنية، فان وسائل التمويه تبدأ بالعمل.

كالعادة، لم يفكر أحد في الحكومة في نهاية الاسبوع بأن عليه أن يقدم تقرير للجمهور. القرارات بشأن السياسة في غزة تتعلق بصورة مباشرة بمئات آلاف الاسرائيليين: سكان بلدات غلاف غزة، سكان جنوب البلاد، آباء مقاتلي الجيش الاسرائيلي الذين يسمعون في نشرات الاخبار أنه يتم فحص عملية برية في القطاع. ومع ذلك، رئيس الحكومة ووزير الدفاع واغلب الوزراء يمتنعون عن تفسير اعتباراتهم للجمهور. شعور غريب باليتم ساد في ستوديوهات التلفاز في ليلة الجمعة، بدون أي وزير يقدم العلاج. حتى حساباتهم النشيطة جدا في  تويتر كانت صامتة تقريبا منذ بدء التصعيد الاخير. في حينه قلنا وأكدنا ووعدنا وكذبنا. الآن يبدأ اسبوع جديد. قريبا ستنسون.

من ناحية موضوعية يمكن أن تجد منطق في سياسة الكابنت. رئيس الحكومة نتنياهو يعمل في الاسابيع الاخيرة امور لا بأس بها من اجل الامتناع عن حرب مكلفة وزائدة. ليس هناك معنى للاسراع الى داخل قطاع غزة طالما لم يتم استنفاد القنوات البديلة. كما أنه ليس واضحا ما الذي تريد اسرائيل تحقيقه.

الحذر يستحق الثناء، لكن الصمت الذي يصم الآذان مقابل الهذر في الايام العادية وبالاساس على خلفية النفي المضلل من ليلة يوم الخميس هو أمر يصم الآذان. هو يقلل الثقة بخطوات المستوى السياسي ويثير الشك في قراراته، حتى لو اتخذ في النهاية قرار حاسم لتصعيد الخطوات ضد حماس. إن نشر ضباب تكتيكي حول خطط الجيش الاسرائيلي هو عملية مشروعة بوضع شبيه بالحرب. هكذا اعتادت اسرائيل ايضا عشية عملية “الرصاص المصبوب” في 2008. ولكن الحالة الحالية تبدو مثل عملية تضليل والتي الاعتبار الرئيسي لها هو الدفاع امام انتقاد سياسي داخلي.

ايضا الادعاء بأن “حماس تلقت ضربة شديدة” يخفي علامات استفهام كثيرة، بالتأكيد امام استخدام متكرر جدا لها في العقد الاخير. صحيح أن هجمات سلاح الجو تسلب من حماس ذخائر عسكرية معينة، لكن التفكير أنه بهذا يتم سلب روح القتال لدى حماس، يبدو مدحوضا.

الاستخبارات الاسرائيلية اخطأت مرة تلو الاخرى في قراءة اتخاذ القرارات في حماس اثناء عملية الجرف الصامد. هل النظام والسكان الذين ينجحون بشكل ما في ادارة امورهم باربع ساعات كهرباء في اليوم في الصيف سيرفعون الراية البيضاء فقط لأن اسرائيل دمرت أمس مبنى من خمسة طوابق في قصف جوي على مخيم الشاطيء للاجئين؟ (بعد ان اهتمت خلال ساعتين للتأكد من أنه تم اخلاء كل السكان). وقف اطلاق النار الحالي يظهر هش ومؤقت. اسرائيل يمكنها أن تضرب بقوة في القطاع ردا على الخرق القادم للتهدئة من جانب حماس. من اجل تهدية الوضع قليلا يجب على الوسطاء المصريين ورجال الامم المتحدة أن يحققوا بسرعة “التسوية الصغيرة” – الالتزام بوقف المظاهرات العنيفة بشكل كامل ووقف اطلاق الطائرات الورقية الحارقة، تقديم تسهيلات في الصيف والغاء القيود الشديدة على دخول البضائع في معبر كرم ابو سالم.

“تسوية كبيرة”، حل مشكلة الاسرى والمفقودين الاسرائيليين، مصالحة بين حماس والسلطة الفلسطينية والبدء في اعمار البنى التحتية في القطاع، تبدو الآن امور صعبة جدا على التحقق. في هذه الاثناء الانطباع هو أن جولة قتال اخرى من شأنها أن تكون قريبة وأن الاحداث الاخيرة عززت الثقة الذاتية لحماس ولم تضعفها. جهود الوساطة ستستمر اليوم ولكن الجو العام في القدس متشائم. الافتراض السائد هو أن هذه الخطوات ستفشل ولذلك يتوقع تصعيد اشد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى