عاموس هرئيل : تتزايد الاشارات التي تدلل على أن خطة ترامب – لا تفي بشروط الفلسطينيين للبدء في المفاوضات
هآرتس – بقلم عاموس هرئيل – 22/6/2018
مبعوثا الرئيس الامريكي ترامب، جيسون غرينبلاط وغارد كوشنر، قاما في هذا الاسبوع بجولة مكثفة في عواصم المنطقة. التاريخ المحدد لعرض خطة سلام الرئيس غير واضح، لكن بالتدريج بدأت تتراكم تفاصيل تبدو موثوقة جدا عما يتوقع أن تتضمنه.
الامريكيون صحيح أنهم سيقترحون على الفلسطينيين أبوديس كعاصمة وليس شرقي القدس مقابل انسحاب اسرائيل من 3 – 5 قرى واحياء عربية في شرقي وشمالي المدينة. البلدة القديمة تبقى في أيدي اسرائيل، واضافة الى ذلك يبدو أن ترامب لن يشمل في اقتراحه اخلاء مستوطنات معزولة وبالتأكيد ليس هناك تنازل بشأن الكتل الاستيطانية، غور الاردن سيبقى تحت السيطرة الاسرائيلية الكاملة. والدولة الفلسطينية ستبقى بدون جيش وبدون سلاح ثقيل.
اذا كان هذا هو حقا الاقتراح النهائي فانها ستعتبر كـ “دولة منقوصة” وبعيدة جدا عن المطالب الفلسطينية، لذلك من المعقول أنهم في رام الله لن يوافقوا على هذه الخطة كخطة يمكن منها البدء في المفاوضات.
في بداية الاسبوع اعلنت اسرائيل والاردن بصورة استثنائية عن لقاء جرى في عمان بين رئيس الحكومة نتنياهو والملك عبد الله. اللقاء الذي جرى رغم الازمات بين السياسات والرأي العام في الاردن، يثبت أن ما هو موضوع على الاجندة ببساطة هام جدا. لاسرائيل والاردن لا توجد فقط مصحلة مشتركة في ابعاد الايرانيين من جنوب سوريا، ولكن ايضا في الاستعدادات لتداعيات مبادرة السلام الامريكية.
الاردنيون قلقون من احتمالية تضمين بند آخر للخطة: اعطاء موطيء قدم للسعودية ودول الخليج في الحرم، مثلا ادارة الدخول الى الحرم.
في الوقت الذي كان فيه غرينبلاط وكوشنر يبحثان في تمويل مشاريع لتحسين البنى التحتية في غزة، على حدود القطاع كانت اسرائيل وحماس تتبادلان اللكمات وتنزلقان بصورة متواصلة نحو مواجهة عسكرية اخرى.
ما يجري الآن في الشرق الاوسط، اذا اخطأنا للحظة في الوصف المأخوذ من بث المونديال فهو ضغط على كل الملعب. بعد توقيع الاتفاق النووي في فيينا في تموز 2015 زادت ايران جهودها لتوسيع نفوذها الاقليمي، من خلال استغلال التحسن الاقتصادي الذي اثمره لها رفع العقوبات الدولية. الآن وللمرة الاولى يبدو أنه قد بدأت جهود مضادة منسقة هدفها وقف المسيرة الايرانية، المتمثلة باعادة بسط السجادة الايرانية كما يصفونها في جهاز الامن.
يمكن الافتراض أن الخطوط الهيكلية للسياسة الجديدة قد رسمت في اللقاءات بين شخصيات كبيرة اسرائيلية ورجال ادارة ترامب بدء من الصيف الماضي. في بداية ايار الماضي وفي خطاب منظم ومبرر بصورة فريدة اعلن الرئيس الامريكي عن قراره الانسحاب من الاتفاق النووي. بعد اسبوعين من ذلك عرض وزير الخارجية الامريكي الجديد مايك بامبيو قائمة من 12 طلب قاطع من ايران منها وقف دعمها لحزب الله وتهديد اسرائيل. كما هدد ايضا بأن العقوبات الجديدة التي ستفرضها الولايات المتحدة ستسبب انهيار الاقتصاد الايراني.
في الاسابيع الاخيرة يبدو أن وثيقة بامبيو بدأت في التحقق. ذلك ليس فقط هو طوفان الشركات الامريكية وبدرجة اقل الاوروبية التي بدأت بالغاء الصفقات المخطط لها مع طهران. الايرانيون بدأوا يشعرون بالضغط في نقاط اخرى على طول الهلال الشيعي – نفس الجبهة التي زادوا فيها في السنوات الاخيرة نفوذهم من لبنان وسوريا في الشمال وحتى البحرين في الشرق واليمن في الجنوب. ينضم الى الانشوطة الاقتصادية ايضا خطوات عسكرية.
في بداية الاسبوع جاءت تقارير في وسائل الاعلام الدولية عن هجوم استثنائي نسب لاسرائيل على بعد حوالي 500 كم من حدودها. عشرات رجال المليشيات الشيعية من العراق العاملين بتوجيه من ايران قتلوا في القصف في شرق سوريا، قرب حدودها مع العراق. نظام الاسد اتهم في البداية الامريكيين الذين سارعوا للتنصل من المسؤولية وبعد ذلك سربوا لـ سي.ان.ان أن القصف تم من قبل سلاح الجو الاسرائيلي. ولكن مشكوك فيه اذا كان هجوم كهذا – ليس بعيدا عن مناطق اهتمام التحالف الدولي برئاسة امريكا ضد داعش، وعن خطوط طيران الطائرات الامريكي من حاملات طائرات الاسطول الخامس في الخليج – يمكن أن ينفذ بدون درجة معينة من التنسيق المسبق مع الولايات المتحدة.
في نفس الوقت يجري هجوم ثقيل للسعودية ودولة الامارات بدعم امريكي وبريطاني وفرنسي على ميناء الحديدة في اليمين الموجود تحت سيطرة الحوثيين. وهو المنطقة التي منها يطلق المتمردون بتوجيه من ايران صواريخ سكاد على السعودية ودول خليجية اخرى. في جنوب شرق سوريا الولايات المتحدة تمتنع عن تفكيك قاعدة تنف التي تهدد الممر البري الذي تريد ايران تعزيزه باتجاه دمشق وبيروت.
الامريكيون ايضا اعلنوا عن انشاء قاعدة جديدة قرب تنف، في الجانب العراقي من الحدود. ومؤخرا بدأت القوات الخاصة التي تساعد المحاربين الاكراد في سوريا بالتحرك حيث الاعلام الامريكية مرفوعة على السيارات بدل اعلام كردستان. دونالد ترامب خلافا لفطرته الاساسية وقراره المعلن في السابق يحافظ حتى الآن على الوجود العسكري الامريكي في سوريا، بهذا لم تنته الصعوبات الايرانية: الاردن اعاد مؤخرا سفيره من طهران احتجاجا على التآمر الايراني في المنطقة. والمغرب قطعت علاقتها الدبلوماسية مع ايران بعد أن اتهم حزب الله بدعمه للحزب السري البوليساريو الذي يحارب من اجل تحقيق استقلال الصحراء الغربية.
هذه الخطوات التي ليست جميعها منسقة تتجمع معا لتشكل صورة محزنة للايرانيين الذين تكبدوا في الاشهر الاخيرة سلسلة هجات جوية اسرائيلية على جهازهم العسكري الذي يحاولون اقامته في سوريا. مركز اهتمام اسرائيل الى جانب الغاء الاتفاق النووي (الذي سعى اليه نتنياهو خلافا لرأي الكثيرين من رجال الاستخبارات في اسرائيل) هو بما يجري في سوريا. إن الامل بأن تفرض سوريا نظام وتبعد الايرانيين والمليشيات الشيعية من كل الاراضي السورية كما قال رئيس الحكومة أو على الاقل حتى 70 كم عن الحدود، لم يتحقق بالوتيرة التي توقعوها في القدس. والآن حسب التحليل الاسرائيلي، ما زالت ايران في نظر الروس لم تستنفد كل الفائدة المرجوة منها والتي يمكن أن تقدمها في سوريا. وكانوا يفضلون تقليص وجودهم هناك. الهدف الاهم لروسيا هو استقرار نظام الاسد، يبدو أن الاحتكاك المتزايد بين اسرائيل وايران في سوريا يمكن أن يعرض للخطر تحقيق هذا الهدف.
في السنوات الثمانية الاخيرة استثمرت ايران حسب تقديرات جهاز الامن الاسرائيلي حوالي 25 مليار دولار في مساعدة عسكرية واقتصادية ضخوها لنظام الاسد وحزب الله والحوثيين في اليمن ومنظمات فلسطينية – الجهاد الاسلامي ومؤخرا حماس مرة اخرى. قسم من الاموال يتم ضخها عبر قوة القدس التابعة للحرس الثوري الايراني وهي الذراع الطويلة لايران في الخارج. إن انضمام ضغط عسكري وسياسي واقتصادي من شأنه حسب ما يرى الامريكيون أن يقتضي اعادة تفكير في طهران.
الرئيس حسن روحاني ورجال المعسكر الاكثر براغماتية يشككون اصلا في مدى الفائدة التي جنتها ايران من هذه الخطوات الاقليمية مع الأخذ في الحسبان تكلفتها. في مظاهرات الاحتجاج ضد النظام التي تواصل الفوران في ارجاء ايران يتم ذكر النفقات الضخمة تلك كمصدر اساسي للاحباط. هذا الاسبوع نشر في الصحيفة الاقتصادية الايرانية “جهات صنعت” بأنه خلال صلوات عيد الفطر في طهران حدث خلاف حاد بين روحاني وقائد قوة القدس الجنرال قاسم سليماني حول مسالة ميزانية القوة للسنة القادمة. في اسرائيل يقدرون ان الازمة في قيادة النظام بدأت عندما تبين للقيادة في طهران أن سليماني ضللها بخصوص حجم عملية التمركز العسكري في سوريا وحجم الضرر الذي سببه القصف الاسرائيلي.
دولة منقوصة
في بداية الاسبوع اعلنت اسرائيل والاردن بصورة استثنائية عن لقاء جرى في عمان بين نتنياهو والملك عبد الله. فقط قبل عام حدثت بين الدولتين ازمة كبيرة وعلنية في قضية البوابات الالكترونية في الحرم وحادثة اطلاق النار التي قتل فيها رجل أمن اسرائيلي اردنيان في عمان. لقد تمت تسوية الامور وتواصل التنسيق الامني طوال الوقت، ولكن قرار الملك استضافة نتنياهو ليس أمرا يستخف به مع الاخذ في الحسبان الاجواء المناوئة لاسرائيل في المملكة، وموجة المظاهرات الواسعة ضد النظام. ما هو موضوع للاختبار هو ببساطة هام جدا: لاسرائيل والاردن يوجد مصلحة مشتركة في ابعاد الايرانيين من جنوب سوريا والاستعداد بصورة منسقة لتداعيات ازمة السلام المتوقع أن يطرحها ترامب.
مبعوثا الرئيس الامريكي، غرينبلاط وكوشنر قاما بجولة مكثفة في عواصم المنطقة. الموعد النهائي لاطلاق المبادرة غير واضح وكل التقديرات المسبقة بهذا الشأن تبددت، ولكن بالتدريج بدأت بالتراكم تفاصيل التي تبدو موثوقة حول ما يتوقع أن تشمله المبادرة.
الامريكيون سيطرحون أبوديس على الفلسطينيين وليس شرقي القدس كعاصمة لدولتهم مقابل انسحاب اسرائيل من 3 – 5 قرى واحياء عربية في شرق وشمال المدينة. البلدة القديمة ستبقى في أيدي اسرائيل، اضافة الى ذلك يبدو أن ترامب لم يشمل في اقتراحه اخلاء مستوطنات اسرائيلية معزولة وبالتأكيد لن يكون هناك تنازلات في الكتل الاستيطانية. غور الاردن سيبقى تحت سيطرة اسرائيلية كاملة والدولة الفلسطينية ستبقى بدون جيش ومنزوعة السلاح الثقيل.
اذا كان هذا هو الاقتراح النهائي حقا فانها تعتبر كـ “دولة منقوصة” بعيدة جدا عن مطالب الفلسطينيين، لهذا يتوقع أن يتم عدم قبولها في رام الله كنقطة انطلاق للمفاوضات. الطعم الذي عرضته الادارة الامريكية على الفلسطينيين سيكون في الاساس اقتصادي – رزمة محفزات ضخمة، بالتأكيد بتمويل جزئي من السعودية ودول خليجية اخرى. الاردنيون قلقون من احتمال تضمين بند آخر في الخطة – اعطاء موطيء قدم للسعودية ودول الخليج في الحرم، على سبيل المثال ادارة الدخول اليه. ذلك سيكون مس بمكانة الملك كحامي الاماكن المقدسة في القدس. وهي احد حجارة الاساس لشرعية سيطرته في الدولة الواقعة تحت اضطرابات مستمرة (الاردن بعيد عن ان يكون نموذج للديمقراطية في المنطقة كلها خلافا لما ظهر في احد المقالات التي نشرت مؤخرا في هآرتس).
غرينبلاط وكوشنر بحثا في الخليج ايضا في تمويل مشاريع لتحسين البنى التحتية في قطاع غزة. ولكن المصادقة على المشاريع – الحاجة الاكثر الحاحا بالنسبة للغزيين هي تحسين قطاع الطاقة – تجري حتى الآن بشكل بطيء في الوقت الذي تتبادل فيه اسرائيل وحماس اللكمات وتنزلقان باستمرار نحو مواجهة عسكرية اخرى.
حماس، هكذا يبدو، مخطئة في تحليل مجمل الاعتبارات الاسرائيلية. نتنياهو وبخلاف تام لادعاءات ضده في اليسار، اثبت في الاشهر الاخيرة حذر لا بأس به وامتنع عن اشعال الحرب. ايضا الآن وازاء ما يراه رئيس الحكومة سلم افضليات وطنية هو يفضل عدم التصعيد في القطاع من اجل عدم التشويش على تقدم الخطوات ضد ايران خاصة في سوريا. ولكن الاحتكاك الذي لا يتوقف على الحدود – مظاهرات كثيرة القتلى الفلسطينيين، الطائرات الورقية الحارقة ومؤخرا صليات ثقيلة من الصواريخ والقذائف – يقلص مدى مناورته السياسية. وزراء في الكابنت مثل جلعاد اردان اصبحوا يتحدثون علنا عن احتمالية القيام بعملية عسكرية واسعة في القطاع قريبا.
عندما يشتعل غلاف غزة سيكون ايضا نهاية صبر نتنياهو الذي يؤيده وزير الدفاع وقيادة الجيش الاسرائيلي. إن ما يعزز هذا الشعور هو المعلومات عن أن اطلاق الطائرات الورقية تحول من مشروع بدائي للشباب في غزة الى عملية منظمة من قبل الذراع العسكري لحماس. يبدو أن نشطاء في الوية وكتائب المنظمة اقاموا جهاز انتاج وتوزيع للطائرات الحارقة وبالونات الهيليوم المفخخة التي تنصل بصورة منظمة الى الاشخاص الذين يطلقونها.
يوجد في ايدي يحيى السنوات، قائد حماس في القطاع، اوراق مساومة لا بأس بها. حسب رأيه، المواطنين الاسرائيليين وجثث الجنديين. بدل تحريك مفاوضات تستغل هذه الافضلية للتوصل الى صفقة تخفف من الضائقة الانسانية في القطاع، هو يصر على اللعب بالنار التي من شأنها أن تؤدي الى كارثة اخرى في القطاع.
ليست تفاهات
المحكمة السرية بشأن قبول الافادات في قضية قتل ابناء عائلة دوابشة في قرية دوما انتهت هذا الاسبوع بنوع من التعادل. المحكمة اللوائية في الوسط رفضت المصادقة على صلاحية اعترافين من اعترافات المتهم الرئيس عميرام بن اوليال وقررت انها أخذت تحت التعذيب. كذلك اعتراف آخر للقاصر المتهم بمساعدة في القتل رفض، لكن المصادقة على الاعتراف الثالث الذي اخذ من بن اوليال بعد ذلك ويؤثر ايضا على القاصر، الى جانب أدلة هامة اخرى تبقي النيابة وجهات التحقيق متفائلين بالنسبة للنتائج المتوقعة للمحاكمة.
بعد العملية وضع نتنياهو للشباك حل اللغز كمهمة اولى. رئيس الشباك في حينه يورام كوهين وبدعم من وزير الدفاع موشيه يعلون امر باتباع اساليب استثنائية جدا في التحقيق في هذه العملية الارهابية اليهودية – من التحقيق العنيف مع المتهمين وحتى اتباع اساليب تحقيق واسعة منها مشهد تضليلي كامل داخل السجن الذي كشف عنه في هآرتس حاييم لفنسون قبل نحو سنتين. في نفس الوقت صودق للمرة الاولى على سلسلة اوامر ابعاد واعتقال اداري التي اوقفت زخم العمليات ضد الفلسطينيين.
قرار المحكمة هذا الاسبوع بعيد عن أن يكون محل تقدير للشباك. مشكوك في اذا كان سيتخذ في المستقبل اساليب استثنائية أو تمارين تحقيق بهذا القدر من التوسع ضد متهمين يهود، حتى لو كانت الاعمال متشابهة. في هذه الاثناء حدث رجال اليمين المتطرف دليل لمن يتم التحقيق معهم وضمنوه بتوجيهات مفصلة للتعامل مع العروض المسرحية في السجن التي اعدت لجعلهم يعترفون ويدانون. رغم العداوة الشديدة بين هذين المعسكرين فان نتائج المحاكمة ستؤثر ايضا على التحقيق مع ارهابيين فلسطينيين. الضوء الذي تم تسليطه في المحكمة المصغرة على التعذيب والخداع في التحقيق في القطاع اليهودي سيضيء من الآن فصاعدا بدرجة ما على التحقيقات مع غير اليهود.