ترجمات عبرية

عاموس هرئيل : تبادل اللكمات في غزة أمر استثنائي – لكن ما زال يمكن منع الحرب

هآرتس – بقلم  عاموس هرئيل  – 30/5/2018

بعد اسابيع منضبطة نسبيا فتح رد الجهاد الاسلامي هذا الصباح نافذة صغيرة للتصعيد الشديد: قنابل القاذفات وصواريخ الكاتيوشا من غزة من جهة والقصف الواسع للجيش الاسرائيلي من الجهة الاخرى. ولكن في هذا الوقت اسرائيل ما زالت غير معنية بحرب، ولا بالثمن الذي يجب عليها دفعه.

خلال الاشهر الاخيرة تبلورت في حدود قطاع غزة قواعد لعب واضحة لم تشذ عنها اسرائيل وحماس تقريبا. في كل يوم جمعة واحيانا ايضا في منتصف الاسبوع ارسلت حماس الجمهور للتظاهر على طول جدار الحدود مع اسرائيل. رغم أكثر من 100 قتيل وآلاف الجرحى الفلسطينيين من اطلاق نار جيش الدفاع الاسرائيلي، فضلت حماس بقاء المواجهة في منطقة الجدار.

ليس فقط أن حماس امتنعت عن اطلاق الصواريخ على المنطقة الاسرائيلية، إلا أنها منعت ايضا الفصائل الفلسطينية الاخرى في القطاع من تنفيذ عمليات انتقامية. حماس اعتادت ايضا لاعتبارات واضحة: عدم المس بتسويق رواية النضال الشعبي الفلسطيني أمام القناصة الاسرائيليين، رغم أنه تحت رعاية المظاهرات تم وضع عبوات ناسفة ورجال الذراع العسكري لحماس قاموا خلال المظاهرات بمحاولات اختراق جماهيري للجدار.

في نظرة الى الخلف يبدو أن حماس بدأت في تغيير مقاربتها بعد احداث يوم النكبة في وسط أيار، التي قتل فيها 60 فلسطيني. عدد القتلى الكبير اثار اهتمام دولي كبير، ولكن حماس لم تخترق الحدود الاسرائيلية، كما أنها لم تخترق الحصار المفروض على القطاع (باستثناء تسهيلات مؤقتة سمحت بها مصر بفتح معبر رفح). في الاسبوعين الاخيرين سجلت احداث اكثر على طول الحدود. خلايا ارسلت الى الحدود وقامت بتخريب معدات الجيش الاسرائيلي والمواقع على طول الجدار التي تنشئها وزارة الدفاع ضد الانفاق، وقامت بوضع العبوات. في جزء من الاحداث كان هؤلاء نشطاء مرتبطون بحماس. وفي حالات اخرى كانوا رجال تنظيمات اخرى. الجيش الاسرائيلي قال إن كل هذه الخطوات تمت بموافقة حماس واحيانا بمبادرة منها.

إن ازدياد هذه الاحداث على طول الجدار أدى الى حدة الرد الاسرائيلي، في يوم الاحد الماضي بعد حادث وضعت فيه عبوة ناسفة على الجدار اطلقت دبابة اسرائيلية النار وقتل ثلاثة نشطاء من الجهاد الاسلامي كانوا في موقع مراقبة قريب. أمس في حادث آخر قتل أحد نشطاء الذراع العسكري لحماس. في السابق اعتاد الجهاد الاسلامي على التمسك بالرد عندما كانت اسرائيل تمس برجاله. وهكذا هدد بالعمل ايضا هذه المرة. في هذا الصباح نفذ هذا التهديد.

في الساعة السابعة صباحا تقريبا اطلق الجهاد من حدود القطاع عشرات القذائف التي تم اعتراض الكثير منها بواسطة القبة الحديدية. هذه شهادة اخرى على تطوير مدى الرد للنظام، التي في الاصل لم يتم تطويرها مطلقا من اجل مواجهة تهديدات من بعد كيلومترات معدودة، بل فقط للتعامل مع صواريخ مثل القسام والكاتيوشا وغراد.

في اطلاق النار في هذا الصباح لم يكن مصابين. لكن احدى القذائف سقطت في ساحة روضة اطفال. ليس من الصعب تخمين ماذا كان يمكن أن يحدث وكيف كانت اسرائيل سترد لو أن القذيفة سقطت هناك بعد ساعة من ذلك، الساعة التي يكون فيها الأهالي قد احضروا اولادهم الى الروضة.

اسرائيل ردت في الظهيرة بعملية اشد من المعتاد في السنوات الاخيرة، لكنها ما زالت محدودة. سلاح الجو قصف حوالي 30 موقع لحماس والجهاد الاسلامي، داخل 7 مواقع عسكرية، في الجيش اكدوا على عدد الاهداف المرتفع وعلى حقيقة أنها قصفت خلال النهار. ولكن حقيقة أن أحد لم يصب في القطاع من القصف تدل على أن الجيش الاسرائيلي ما زال حذرا ويرغب في الامتناع عن القتل الذي يمكن أن يؤدي الى تصعيد آخر. خلال القصف دمر الجيش الاسرائيلي نفق آخر هو العاشر  في الانفاق التي تم تدميرها خلال نصف ساعة. هذه المرة كان نفق حفرته حماس نحو الاراضي المصرية في جنوب رفح، ومن هناك يتجه نحو الاراضي الاسرائيلية. عمق الاختراق في الاراضي الاسرائيلية غير مسبوق، كما يبدو حوالي 900 متر خلف الحدود.

هذه المعطيات كما يبدو اشغلت بصورة قليلة التنظيمات الفلسطينية. في ساعات بعد الظهر اطلقت صلية اخرى من القذائف والصواريخ بقطر 107 ملم بمدى قصير. هذه المرة كانت اصابات في الجانب الاسرائيلي – اربعة جرحى بجروح طفيفة ومتوسطة بسبب الشظايا، منهم ثلاثة جنود. هذه هي اكثر الاصابات التي سجلت في غلاف غزة منذ انتهاء عملية الجرف الصامد في آب 2014، وبالطريقة التي تجري فيها الامور بين اسرائيل والقطاع يمكن التقدير بأنه فيما بعد سيأتي رد اسرائيلي على الرد الفلسطيني.

الذراع الايراني

خلال السنوات الاربعة الاخيرة التي سجل فيها عدد من فترات التصعيد، قالت الاستخبارات الاسرائيلية إنه لا توجد لحماس سيطرة كاملة على ما يجري في القطاع، وأنه في الحالات التي تم فيها اطلاق القذائف صعب على حماس تطبيق سيطرتها على الفصائل الفلسطينية الاصغر منها. الآن الظروف مختلفة، حماس اثبتت سيطرتها بقبضة قوية في الاشهر الاخيرة ووجهت كما تريد المظاهرات التي بدأت كمبادرة مستقلة لنشطاء من القطاع. ارتفاع اللهب تغير وفقا لاملاءات من أعلى، حيث أنه بعد يوم من المواجهات المصحوبة بعشرات القتلى، جاءت ايام لم يكن فيها تقريبا أي عنف. لأن الجيش الاسرائيلي توقع مسبقا رد من الجهاد وحذر منه أول أمس، من المعقول ايضا أنهم في حماس فهموا ذلك – من هنا فان قيادة المنظمة سمحت على الاقل بغض النظر عن اطلاق القذائف.

ازاء تبادل اللكمات في اليوم الاخير فان قواعد اللعب التي فرضتها حماس خلال شهري المظاهرات تختل – والمنظمة ستجد صعوبة في عرض النضال الفلسطيني على أنه نضال شعبي فقط. في الوقت الذي يكون فيه الجهاد الاسلامي في الصورة، ليس من الغريب أنه اطلقت قذائف وصواريخ – حيث أن هذه المنظمة ممولة من ايران التي لها مصلحة خاصة في الحفاظ على التصعيد في الجنوب بعد أن اضطرت للانضباط في خطواتها امام اسرائيل في المواجهة في سوريا.

المصادمات العسكرية ستؤثر ايضا على ما يجري في المظاهرات نفسها التي يتوقع أن تحدث في نهاية الاسبوع. لقد سبق لحماس واعلنت أن في نيتها تركيز جهودها على الجدار في 5 حزيران، وهو الذكرى السنوية لحرب الايام الستة. “رحلة العودة” التي نظمتها حماس اليوم كاعلان عن معارضتها للحصار البحري المفروض على القطاع، انتهت في الوقت الحالي باستجابة ضعيفة.

تبادل اطلاق النار اليوم وضع في الظل الجهود للتوصل الى اتفاق من شأنه وقف النار المطول (الهدنة)، مقابل التسهيلات المدنية والاقتصادية للقطاع. الآن سيركز الوسطاء وعلى رأسهم مصر في محاولة لوقف الهجمات المتبادلة قبل أن ينزلق الطرفين الى حرب. صور اليوم لسكان غلاف غزة، وهي تختلف تماما عن السنوات السابقة، لكن يبدو أنه لم يتم حدوث حتى الآن عملية نهايتها بالتأكيد حرب.

السبب الرئيسي لذلك هو أن القيادة الاسرائيلية لا ترى في الحرب في القطاع هدف قابل للتحقق، مع الأخذ في الحسبان الثمن الذي عليها أن تدفعه. باستثناء عضو الكنيست بتسلئيل سموتريتش من البيت اليهودي، يبدو أن أحدا غير متحمس حقا من اعادة احتلال القطاع واعادة احياء المستوطنات في غوش قطيف. رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ما زال قلق من الازمة في الشمال في حين أن الجيش كان يفضل استكمال بناء الجدار ضد الانفاق الذي يتواصل حتى الآن، قبل الدخول في مواجهة عسكرية.

الحكومة لا تعترف علنا، لكن حماس خلال معظم فترات التوتر، هي خصم سهل جدا من ناحيتها. البديل الاساسي، فوضى تعيد المليونين من سكان قطاع غزة ثانية الى مسؤولية اسرائيل، يبدو حتى اكثر خطورة. وبخصوص الافكار حول حكم جديد في القطاع فقد بقي هذا حاليا على الورق فقط.
رئيس السلطة محمود عباس ربما يستطيع، لكنه لا يريد. وخصمه محمد دحلان، ربما يريد لكنه لا يستطيع. الامور ما زالت حتى الآن يمكنها الخروج تماما عن السيطرة والانزلاق الى حرب غير مرغوب فيها وغير مخطط لها، بالضبط مثلما حدث في 2014، لكن حتى بعد احداث اليوم يبدو أنه ما زال هناك للطرفين طرق خروج ممكنة قبل الصعود على مسار التصادم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى