عاموس غلبوع – نغرق في الارقام

معاريف – مقال – 20/12/2018
بقلم: عاموس غلبوع
موضوع هذا المقال هو ما يسمى “انباء ملفقة”، المفهوم الذي نال انتشارا منذ صعود ترامب في الولايات المتحدة. لا يدور الحديث عن تشويه، تزوير أو حرف أو اخفاء معلومات أصبحت ظاهرة طبيعية في وسائل الاعلام. بل يدور الحديث عن اكاذيب فظة، لم تكن تنقص بالطبع في الماضي، ولكن في السنتين الاخيرتين نالت صعودا الى مقدمة المنصة كمفهوم دولي سائد.
هاكم نماذج: عندما يكتب مثلا بان فلاني العلاني ضرب جاره ولا يكون له جار على الاطلاق؛ عندما يكتب ان جنود الجيش الاسرائيلي قتلوا ثلاثة اطفال حين لا يكونوا الا اعتقلوهم.
في معظم الحالات يمكنني أن افهم سبب الاغراض الذي يقبع خلف النبأ الكاذب. عندما يكتب محلل محترم بان “الدولة تسوء، اليساريين يخافون على حياتهم، الصحافيين يطاردون”، فاني افترض بانه انجرف اكثر مما ينبغي دون نية مغرضة.
ولكن في هذه الايام رأيت نبأ كاذبا لا يمكنني أن افهم معناه. عندما نشبت قضية زعاترة وبلدية حيفا، قرأت في العديد من وسائل الاعلام بان عرب حيفا يشكلون 20 في المئة من سكان المدينة. لو كنت قرأت مثلا أن نسبة السود في بوسطون في تكساس هي 40، لكنت قبلت هذا المعطى دون أن أرفع حاجبا. ليس عندي أدنى فكرة ما هو العدد الصحيح وما كنت على الاطلاق سأتوجه الى الفحص. ولكن عندي اطلاعا ومعرفة بالنسبة للمدن المختلطة في اسرائيل. في اللد يوجد نحو 28 في المئة عرب؛ في الرملة نحو 22 في المئة؛ في عكا نحو 28 في المائة. وفي حيفا؟ بالفعل، في حيفا يوجد نحو 11 في المئة فقط، فيما ان 5.7 في المئة ينتمون الى الدين المسيحي. وبهذا تختلف حيفا عن باقي المدن المختلطة، التي يشكل فيها المسلمون اغلبية ساحقة من العرب، بينما المسيحيون هم أقلية صغيرة.
من أين جاءت الـ 20 في المئة، وكيف بمجرد نقرأ على مفاتيح الحاسوب تضاعف عدد عرب حيفا؟ انا لا افهم. ولكن انظروا ما يحصل للنبأ في مقال في صحيفة عن الانتخابات في حيفا. فقد كتب يقال: “كليش روتم اختارت رجا زعاترة من حداش كنائب لها وكممثل لنحو ربع سكان حيفا، بمن فيهم اليهود الذين صوتوا لحداش”.
في الشبكة الاجتماعية ظهر مقال لشخصية محترمة، اقدرها واحترمها. وقد بدأ على النحو التالي: “في الانتخابات البلدية في حيفا فازت قائمة الحزب الشيوعي “ماكي” (الا وهو حداش) في المكان الثاني ولا غرو ان رئيسة البلدية كليش روتم اختارت أن تضم منتخبي قائمة “ماكي” كاعضاء في الائتلاف البلدي بل وعينت رئيس القائمة كنائب لرئيسة البلدية”. هذا بالطبع نبأ كاذب، استمد على ما يبدو من النبأ الكاذب الاول الذي تحدث عن 20 في المئة. اما الحقيقة فهي ان حداش حظي بمندوبين فقط من اصل 31 مندوبا من مجلس البلدية.
يمكن لنا أن نفحص اليوم المعطيات في ثوان قليلة، ولكن كم منا يفعل ذلك؟ أنا مستعد لان اراهن بان هؤلاء قلة. الغالبية الساحقة تأكل المعطى الكاذب بل وبعد ذلك تتلقى التعزيز في الوجبة الاخيرة من مقالات التحليل. امامنا ظاهرة سائدة وليست موضعية وهي بالطبع تخلق مشكلة للمواطن وتدفع الكثيرين لان يفقدوا الثقة بوسائل الاعلام.