أقلام وأراء

عاطف الغمري: الضفة البديل الوهمي للفشل في غزة

عاطف الغمري 22-9-2024: الضفة البديل الوهمي للفشل في غزة

لم تتردد دريت ستروك، وزيرة المستوطنات في حكومة بنيامين نتنياهو، في تقديم وصف موجز لتصور حكومتها لحقيقة الهجوم الإسرائيلي الذي امتد من غزة إلى الضفة الغربية، بأن قالت صراحة: «علينا إعلان حالة حرب في الضفة الغربية، ونحن لسنا مقتنعين بوجود شيء اسمه شعب فلسطيني».

وتوالت تعبيرات وصف ما يجري بأن إسرائيل تتعامل الآن مع الضفة الغربية، ليس باعتبارها جهة حرب جديدة، بل باعتبارها جبهة قتال مكملة لحربها في غزة، وأضافت إلى ذلك صحيفة «ها آرتس» الإسرائيلية قولها، إنه على الرغم من أن الضفة لم يكن لها أي دور في هجوم 7 أكتوبر، فإن إسرائيل التي تتربص بالضفة الغربية بصورة خاصة، قد كثفت من عملياتها العسكرية فيها، وأن المستوطنين راحوا يطلقون موجة جديدة من العنف المدمّر ضد الفلسطينيين.

العديد من المراكز السياسية المتخصصة في أمريكا وإسرائيل تؤكد أنه لم يكن هناك في التفكير الإسرائيلي فصل بين غزة والضفة، فالأخيرة مستهدفة حتى من قبل حرب غزة، ويقول خبير الشؤون السياسية دانييل فالكون، عضو المنظمة الأمريكية الإخبارية «Truthout» المختصة بقضايا العدالة ومقرها كاليفورنيا، إن ما تفعله إسرائيل الآن في الضفة هو استكمال لنفس ما فعلته في غزة، من حملة الإبادة.

ولأن الضفة تمثل التحدي الأكبر لحركة الاستيطان الهادفة لإقامة ما تتخيله إسرائيل عن «إسرائيل الكبرى»، لهذا توسّعت في ارتكاب جرائم القتل بمعدلات عالية وغير مسبوقة في الضفة الغربية المحتلة.

من ناحية يذكرنا ريتشارد فولك، خبير العلاقات الدولية بالأهداف الحقيقية لإسرائيل في غزة والضفة الغربية معاً، والتي تزيد من ممارسة أعمال التجويع، وانتهاكات حقوق الإنسان، وجعل الحياة غير محتملة، في ثلاث مناطق مجتمعة، وهي: غزة، الضفة، والقدس الشرقية، وهو سلوك ليس جديداً عليها، لكنه راسخ في العقل الإسرائيلي ومستمر منذ 75 عاماً، والهدف جعل السكان لا يشعرون بالأمان في أراضيهم، وتضييق المساحات المعيشية أمامهم، وهو ما دعمته مؤخراً بالتوسع في إصدار تصاريح البناء للمستوطنين.

يشرح مركز المعلومات عن حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، كيف أن تصعيد عنف المستوطنين في الضفة الغربية، يُدخل الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية في مرحلة متفجرة، صنعتها إسرائيل على أربعة محاور، هي: هدف ترسيخ احتلال الأراضي الفلسطينية، وتصعيد عملياتها العسكرية، والتوسع العدواني للمستوطنين، ثم مساندة الحكومة لحركة الاستيطان غير الشرعية.

من ناحيته يكمل دانييل فالكون، الأستاذ بجامعة نيويورك، وجامعة سان جونز، قوله إن الأمم المتحدة تعتبر رسمياً الغزو الإسرائيلي للضفة، استمراراً لنفس نموذج العمليات العسكرية لحرب الإبادة، وحيث تتكرر في الضفة نفس أساليب القتل الجماعي، وهدم البيوت على سكانها بنفس أسلوب حرب الإبادة، واستهداف النساء والأطفال، ومنع وصول الإسعافات الطبية للمصابين منهم، وأن ذلك قد ضاعف من الرفض الدولي لسلوك إسرائيل في الضفة، بينما لم تبرأ إسرائيل بعد من جرائمها في غزة.

ويضيف إلى ذلك عدد من الخبراء الدوليين قولهم إن غياب أي رؤية مستقبلية لدى نتنياهو لليوم الثاني لانتهاء حرب غزة، كان دافعاً له لتمديد خطته بالهجوم على الضفة الغربية، ضماناً لاستمرار حربه في الأراضي الفلسطينية، وإطالة أمد بقائه في الحكم، خشية محاكمته ومساءلته عن التقصير في يوم 7 أكتوبر، وأيضاً إقامة سدود أمام تصميم الفلسطينيين على إقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وتنفيذ خطة الهيمنة لتحويل مدن الضفة إلى خراب لا تحتمل فيها الحياة، وحتى مع احتمالات فشله في فرض سيطرته على غزة، فهو يتخيل أن الضفة الغربية يمكن أن تكون بديلاً لوعد يقدمه للإسرائيليين، بضم الضفة بكاملها لإسرائيل.

وتتفق المؤسسات السياسية الدولية، خاصة الأمريكية، على أن إسرائيل التي تغوص الآن في مستنقع غزة قد فتحت على نفسها جبهة ثانية في الضفة الغربية.

من قصور النظر الذي انتاب رؤيتهم وتفكيرهم، محاولة تصويرهم للجبهة الثانية بأنها اشتعلت وكأنها منفصلة عن غزة، بينما كان استهداف الضفة مخططاً قديماً زمنياً، من قبل 7 أكتوبر، وإشعال إسرائيل حربها في غزة.

وإذا كان الكثيرون من الخبراء في أمريكا وإسرائيل يتفقون على فشل الحرب في غزة، إلا أن تفكير نتنياهو، المضطرب سياسياً ونفسياً، حسب تعبيرهم، قد جعله يتصور أن بإمكانه إقناع الإسرائيليين بأنه يقدم لهم الضفة بديلاً عن غزة.

إن إسرائيل اعتادت غلق عقلها على تصورات وهمية بأنها الدولة الأقوى في الشرق الأوسط، والتي تملك الجيش الذي لا يقهر، ثم جاءت هزيمتها في حرب 73، باعتراف معلن بهزيمتها في مؤتمر عام في واشنطن من وزير الدفاع الأمريكي جيمس شيلزنجر، والآن فلا يزال العمى يصيب عينيها عن التحولات في نظرة الشعوب التي كانت مؤيدة لها في أمريكا وأوروبا، وإن كانت حكومات هذه الشعوب لم يلحق بها هذا التحول بشكل كامل، بل إن إسرائيل لا تزال تتعاطى خداع نفسها، بتصورات جنونية كان آخرها ما أعلنته وزيرة المستوطنات في حكومة نتنياهو بقولها: لا يوجد شيء اسمه شعب فلسطين!! لأنها لا ترى ولا تسمع ولا تشعر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى