أقلام وأراء

طلال عوكل يكتب – أميركا وإسرائيل : ظاهرتان متشابهتان

طلال عوكل – 24/12/2020

ثمة ما يمكن اعتباره أحد معالم ومؤشرات الديمقراطية المتوحشة، حين يقودها شعبويون متطرفون، يفتخرون بما ينجزون خارج سياق التطور الإنساني وارثه القانوني والأخلاقي. في الولايات المتحدة لا تتوقف التعليقات والمخاوف حول التقاليد الديمقراطية في البلاد التي تنصّب نفسها في موقع القوة الأعظم التي تدافع عن قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان.

الرئيس الفاشل دونالد ترامب لم يبق في محفظته تهمة حتى وألقاها على العملية الانتخابية، ربما لأنه يعتقد بأنه وعد الرب المكلف، بإعادة عجلة التاريخ إلى الوراء حيث تهيمن بلاده على النظام العالمي.

ترامب لم يسلم حتى اللحظة، بخسارته الانتخابية ولا يزال يبحث في كل زاوية، لتأكيد تزوير الانتخابات وفسادها، حتى أنه لم يقتنع من مستشاريه، وبعض رجالات حزبه، بأن عليه أن يسلم بالنتائج التي تعطي الفوز لغريمه جو بايدن، المحاكم وأجهزة القضاء في الولايات أغلقت أمامه الطرق، في الدعاوى التي تقدم بها، فلجأ إلى المحكمة العليا، التي نصب فيها ثلاثة من مريديه، ولكن هذه المحكمة أيضاً لم تصادق على ادعاءاته، ولا صادق عليها وزير العدل الجمهوري.

الآن، يناقش مع مستشاريه، فكرة إلغاء الانتخابات وربما إعلان الأحكام العرفية، لكنه لم يتمكن من إقناعهم، ولا حتى أفلح في إقناع دميته، وزير الخارجية مايك بومبيو، وزعيم الأغلبية في الكونغرس.

طريقة تفكير رئيس الدولة الأعظم حتى الآن، تتسم بالانقلابية والرغبة في الانتقام، والعنصرية تجاه مواطني البلاد والبلدان الأخرى، وما محاولاته الانقلابية على نتائج الانتخابات إلا تتويج لسياق حكم السنوات الأربع التي قضاها في البيت الأبيض، واتسمت بالمغامرة، والاستهتار بالتراث السياسي والقيمي لبلاده، والانقلاب على سياساتها ومواقفها التقليدية.

بيلوسي رئيسة الأغلبية الديمقراطية في الكونغرس، ردت على المحاولات الانقلابية لترامب بإطلاق تهديدات لا تليق برئيس أميركي لو كان الرئيس طبيعياً وسوياً.

قالت بيلوسي، إنها ستسحب ترامب من شعره، ومن يديه الصغيرتين، ومن قدميه، خارج البيت الأبيض. إزاء شخصية من هذا النوع المريض، الذي يحتاج لأن يعرض على أطباء نفسيين مختصين ولو كانوا على درجة بسيطة من الخبرة والكفاءة قد يلجأ فعلاً لارتكاب جريمة انقلابية، تهدد ما تبقى من النظام الديمقراطي الأميركي، وتهدد بتفسخ المجتمع المركب من جنسيات وألوان مختلفة، وبما يسمح بفوضى عارمة.

هكذا هي الامبراطوريات الكبرى في التاريخ، حين تبدأ نجومها بالأفول فإنها تشهد صراعات صعبة، وتفككا سريعا، وانهيارات كبرى، إذ تُبتلى بزعماء مجانين.

الأمر عند محبوبة ترامب الثانية بعد أميركا، ونقصد إسرائيل لا يختلف كثيراً عن الوضع عند المحبوبة الأولى للرئيس الفاشل.

هي ديمقراطيات خدمية، فإن أنتجت وضعاً لا يخدم مصالح الطبقة السياسية أو الزعيم الموعود من الرب، تصبح هذه الديمقراطية زائدة عن الحاجة وعقبة كبيرة في طريق السيادة.

تتبجح إسرائيل، ويساندها الإعلام الغربي الاستعماري، بأنها واحة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، وان ذلك يمنحها بعداً أخلاقياً مطلقاً وأفضلية على كل من حولها.

يؤدي مثل هذا الادعاء الكاذب، إلى تعاطف الرأسماليات الغربية الديمقراطية، ويستدر منها الدعم والحماية، وتبني على ذلك، استراتيجيات ومصالح وتحالفات تتجاهل القانون الدولي حين يكون في غير صالح تلك الاستراتيجيات.

إسرائيل هي الأخرى تشكلت من قوميات وأجناس وجنسيات متعددة، يجمعها الادعاء الديني.

إسرائيل تعرف نفسها رسميا وقانونيا بأنها دولة يهودية، وما إضافة صفة الديمقراطية، إلا من باب قدرتها على توظيف الدعم الرأسمالي الاستعماري.

إسرائيل، اليوم، تسرح وتمرح في عديد الدول العربية، التي أصاب زعماءها العمى، إزاء رؤية حقيقة وجوهر السياسة الاسرائيلية ومراميها. لا يريد هؤلاء أن يقرؤوا على ألسنة زعماء متدينين، وسياسيي إسرائيل، ما يؤكد البعد العنصري الذي لا يرى العرب إلا صراصير، وأن العربي الجيد هو العربي الميت، وبأن سكان الصحراء من البدو، لا يستحقون الثروة التي يجلسون عليها.

في زمن سابق، كان هنري كيسنجر وزير الخارجية السابق للولايات المتحدة، قد قال، إنه ليس من حق الذين تبرزوا في الصحراء، فتحول ذلك إلى نفط، بأن يتحكموا بمصادر الطاقة.

أما الخطاب الإسرائيلي فهو أشد قبحاً وجلافة واستعلاء. إسرائيل تسرح وتمرح في المنطقة، وتحتفل بإنجازات التطبيع التي يهديها لها مجنون البيت الأبيض، دون حروب، ودون تهديدات حقيقية، وإنما بأوهام زعماء عرب، وحسابات خاطئة لا ترى التفكك الذي تعاني منه المؤسسة الاسرائيلية، بما يعكس تفكك المجتمع التركيبي.

من السهل على هؤلاء أن يقولوا، إنهم لم يفعلوا ما فعلته مصر، حين وقّعت على «كامب ديفيد» والأردن حين وقّع على «وادي عربة»، لكنهم لا يرون الفارق النوعي، ذلك أن اتفاقياتهم تشكل انهياراً شاملاً أمام إسرائيل، بينما ظلت الاتفاقيات فوقية في مصر والأردن، أما المجتمع فقد ظل يقاوم بشدة التطبيع.

العرب المطبوعون، فتحوا كل الأبواب بما في ذلك الخلفية، وكل النوافذ أمام اجتياح إسرائيل، لكل زوايا الحياة والمجتمع في تلك البلدان من الأمن إلى السياسة والاقتصاد والسياحة والتجارة والفن، والتكنولوجيا، والدعاية وحتى الحب.

إسرائيل دخلت منذ صباح يوم أمس، دورة جديدة، بعد حل الكنيست لنفسه، ما يعني الذهاب إلى انتخابات للمرة الرابعة خلال أقل من سنتين. لن نبحر في تداعيات هذا الأمر، لكونه يحتاج إلى معالجة تفصيلية مستقلة، ولكن لماذا يصل ذلك؟ إياكم أن تدّعوا بأن هذا يعني أن ثمة مجتمعا حيويا متجددا، إذ إن هذه فوضى عارمة يتسبب بها وجود زعيم يشبه إلى حد كبير زعيم البيت الأبيض الفاشل، المسألة، تتصل برئيس الحكومة نتنياهو، الشعبوي، الذي يمكن أن يلجأ إلى أي سلوك ينقذه من المحاكمات التي تنتظره بسبب فساده، ولتأمين مستقبله السياسي، حتى لو كان على حساب الدولة وسكانها.

1

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى