طلال عوكل: الدور الفلسطيني إزاء صفقة القرن
بقلم : طلا عوكل، الغد ١٨-٣-٢٠١٨م
على سطح المشهد السياسي الفلسطيني، تبدو واضحة معالم الادراك النظري، لما يجري ترتيبه وتدبيره للقضية الفلسطينية، غير أن السلوك العملي للقوى الفاعلة، يشير إلى غياب خارطة الطريق الوطنية، التي تُمكِّن الفلسطينيين من خوض معركة التحدي لإفشال ما يقولون إنها مخططات لتصفية قضيتهم.
يدرك الفلسطينيون نظريا أن التحالف الأمريكي الإسرائيلي، قد دخل عمليا مرحلة التنفيذ الفعلي لما يعرف بصفقة القرن، التي بدأت أولى خطواتها بمصادرة ملف القدس لصالح إسرائيل، وبعد ذلك المحاولات المكشوفة لشطب ملف حق اللاجئين في العودة، من خلال إنهاء دور ووجود الأونروا، ثم محاولة شطب رؤية الدولتين لصالح إقامة دولة غزة.
المؤتمر الذي نظمته الخارجية الأمريكية في واشنطن، الثلاثاء الثالث عشر من الجاري، تحت عنوان معالجة الوضع الإنساني في قطاع غزة، إنما يستهدف إقامة البنية التحتية لدولة غزة، بعيدا عن حماس، وبمعزل عن السلطة الفلسطينية التي رفضت حضور ذلك المؤتمر. لا ينتظر التحالف الأمريكي الإسرائيلي ومن يشايعه موافقة أي طرف فلسطيني، فمخطط التصفية يتخذ طابع وآليات الإملاء والفرض، والخطوات أحادية الجانب.
ماذا فعل الفلسطينيون إزاء القرار بشأن القدس، سوى الإعلان عن رفضه واستصدار بيانات وتصريحات عربية وإسلامية، وقرارات من الجمعية العامة للأمم المتحدة، تؤكد الحق الفلسطيني في المدينة المحتلة؟. وماذا فعل ويفعل الفلسطينيون ومعهم عدد كبير من الدول الأوروبية وغير الأوروبية، إزاء سعي واشنطن لشطب الأونروا؟ تسعون دولة اجتمعت في روما في الخامس عشر من الجاري، تقرر دعم ميزانية الأونروا بمئة مليون دولار فقط، لا توفر شبكة أمان حقيقية لحماية الوكالة الدولية وضمان مواصلة دورها، خاصة إذا قررت الولايات المتحدة التوقف عن تقديم كل حصتها للأونروا. لا يمكن لأحد أن يقلل من أهمية ثبات الموقف الفلسطيني على الحقوق، ورفض كل محاولة من أي طرف كانت تستهدف الانتقاص من تلك الحقوق، ولا يمكن لأحد أن يقلل من أهمية الكفاح السياسي والدبلوماسي والشعبي، لمواجهة مخططات تصفية حقوقهم، وعدم تقديم غطاء فلسطيني لتلك المخططات، ولكن هل يكفي ذلك لمنع أو تأخير تنفيذ تلك المخططات؟ من المؤكد أن ما يعمل التحالف الأمريكي الإسرائيلي على تنفيذه، لا يمكن أن يحقق السلام والأمن في هذه المنطقة، ولا يؤدي إلى إنهاء الصراع الفلسطيني والعربي الإسرائيلي المزمن.
الفلسطينيون من فتح إلى حماس، وما بينهما الكل يرفض القبول بمخطط دولة غزة، ويرددون أن لا دولة في غزة ولا دولة بدون غزة، لكن السلوك العملي لا يردع مثل هذا المخطط. في ظل الواقع القائم نتساءل: كيف يمكن للفلسطينيين بكل أطيافهم السياسية منع واشنطن وحلفائها من ضخ الأموال والاستثمارات لإقامة البنية التحتية لدولة غزة، حتى لو كانت الأموال ستصل بعيدا عن السلطة وحماس وبالاعتماد على وكالات دولية أو القطاع الخاص؟ هل سيرفض الفلسطينيون مشاريع تحلية مياه البحر، أو معالجة أزمة الطاقة؟ هل سيرفض الفلسطينيون إقامة ميناء أو مطار، أو انعاش الوضع الاقتصادي؟ لقد قررت قطر أن تقدم مساعدات ومشاريع للقطاع بمقدار ثمانمائة مليون دولار، مشفوعة بحرص على ألا تقدم قطر أي دعم لحركة حماس، استنادا لتحذيرات واشنطن، فهل سترفض حماس أو السلطة الدور القطري في القطاع، الفلسطينيون عاجزون عن الإدراك العملي وليس النظري لمدى خطورة استمرار الانقسام، الذي يسهل على التحالف الأمريكي الإسرائيلي تنفيذ مخططاته.
المصالحة تبدو على أنها استعصاء لا قبل للفلسطينيين على تحقيقها فلقد مضى وقت طويل على آخر المحاولات التي تقوم بها مصر، لرأب الصدع ولكن كل تلك المحاولات تصطدم بتناقض الحسابات بين فتح وحماس، وبالوقائع على الأرض التي جرى ترسيخها خلال أحد عشر عاما من الانقسام. حماس ليست مستعدة لتسليم كل الملفات التي تشكل عنوان تمكين الحكومة، بدون ضمانات حقيقية وقوية، وتدعي بأنها قدمت كل ما عليها، وفتح تدعي ان حماس لم تقدم ما عليها لتمكين الحكومة من ممارسة صلاحياتها.
وبينما يحاول الوفد المصري معالجة هذه الادعاءات، توفر المحاولة الإجرامية الفاشلة التي استهدفت موكب رئيس الحكومة سببا إضافيا لتأجيج الاشتباك، وتعميق أزمة الثقة، والعودة إلى مربع المناكفات. يحصل ذلك على الرغم من أن الكل الفلسطيني يعترف بأن إسرائيل هي صاحبة المصلحة الحقيقية في بقاء وتعميق الانقسام. وتتسع دائرة الخلافات بين الطرفين، فتح وحماس بدون تجاهل القوى الأخرى، حول مسألة انعقاد المجلس الوطني بصيغته القديمة في رام الله، في الثلاثين من أبريل القادم، ذلك أن حماس والجهاد ترفضان الالتحاق الرمزي بالمجلس الذي سيترتب عليه إقرار استراتيجية جديدة وانتخاب هيئات قيادية جديدة، فيما ترفض فتح التحاق الحركتين بالمنظمة قبل إنهاء الانقسام.
من غير المتوقع أن تخضع حركة حماس للضغط الذي تمارسه حركة فتح، من خلال المحاولة الفاشلة لاستهداف موكب رئيس الحكومة، وتحديد موعد قريب لانعقاد المجلس الوطني، فيما لا تنتظر فتح ترتيب أوضاع المنظمة في انتظار تحقيق المصالحة، مما يعني تحرير كل طرف لاتخاذ خطوات أحادية وفق رؤيته، بدون حساب للخطر المحدق بالقضية الفلسطينية. هكذا يساهم الفلسطينيون كل على طريقته في رسم مشهد مستقبلهم القريب فيكون وعيهم النظري في واد، وسلوكهم العملي في واد آخر تماما.