أقلام وأراء

طلال سلمان يكتب – عن “استيلاد” الدول العربية ودور النفط والغاز في دوام الهيمنة الاجنبية

طلال سلمان – 23/5/2020

ضربت الشيخوخة جامعة الدول العربية، التي استولدت قيصريا لتكون رابطاً شكلياً، تحت الرعاية البريطانية التي كانت تهيمن على معظم الدول العربية، آنذاك: مصر، لبنان، سوريا والعراق والمملكة العربية السعودية ويمن الامام احمد حميد الدين الخ..

ـ كانت ليبيا تحت احتلال ثلاثي: ايطاليا في طرابلس والغرب، وبريطانيا في الشرق، وفرنسا في الجنوب والملك ادريس السنوسي يحتجزه البريطانيون قرب منطقة العلمين في مصر..

ـ وكان السودان، بعد، تحت “احتلالات” عدة: بريطانيا في الشمال وقد غطت وجودها باشراك مصر الملكية في هذا الاحتلال كواجهة ستعمق، في ما بعد الخلافات بين البلدين الشقيقين.

ـ اما “دول” شمال افريقيا العربية فكانت مغيبة: تونس يحكمها “الباي” تحت اشراف فرنسا، وتأثيرات الحقبة العثمانية ما تزال واضحة فيها وعلى بنيتها السياسية..

ـ واما الجزائر فكانت ـ بعد ـ تحت الاستعمار الاستيطاني الفرنسي، لا يقربها عرب ذلك الزمان ولا هي تقربهم، ولا هم يجرأون على مواجهة فرنسا..

ـ واما المغرب فكان بعيداً، بعيداً، يتقاسم النفوذ فيه وعليه الفرنسيون والاميركان الذين اقاموا قاعدة عسكرية قريبة من باب المندب، بذريعة حماية هذا المضيق لأسباب استراتيجية..

ـ اما دول المشرق فكان لبنان بعد تحت الانتداب الفرنسي، ومع الحرب العالمية الثانية واحتلال هتلر فرنسا، فقد جاء البريطانيون ليشاركوا مع القوات الفرنسية التي انحازت ـ بقوة الامر الواقع ـ إلى الجنرال ديغول “المستكبر”..

ـ .. وكانت سوريا قد استقلت “رسميا” لكن النفوذ الفرنسي كان مؤثرا بعد، وعلى هذا الاساس واسترضاء لتركيا ـ اتاتورك تم “تقديم” قضاءي كيليكيا واسكندرون “هدية مجانية” على حساب سوريا..

ـ ولقد ابتدع كيان سياسي في الاردن للشريف عبدالله ابن الشريف حسين سرعان ما حولته النكبة في فلسطين إلى مملكة.

ـ ..وكان العراق تحت الحماية البريطانية يحكمه الهاشميون (فيصل الاول ابن الشريف حسين ثم ابنه الملك غازي الذي قتل اثناء قيادته سيارته بسرعة جنونية ليخلفه ابنه (القاصر) فيصل الثاني تحت رعاية خاله الامير عبد الاله قبل أن يتفجر بالثورة في 14 تموز 1958، وبعد اربعة شهور من قيام دولة الوحدة (الجمهورية العربية المتحدة) من اندماج مصر وسوريا تحت قيادة جمال عبد الناصر.

حتى ذلك الوقت لم تكن قد استنبتت دول الخليج العربي، في ما عدا الكويت التي اقتطعت من العراق (ولاية البصرة) واعلنت دولة ـ امارة تحت حكم آل الصباح، وهو مستمر حتى اليوم..

ـ أما ما نعرفه اليوم بـ”دولة الامارات العربية المتحدة”، فكانت مجموعة مشيخات فقيرة ومقتتله تحت النفوذ الايراني ـ البريطاني، وان تميزت “دبي” بشيخها النشيط وبعيد النظر الذي جعل ميناء مشيخته مرفأ بسبع ارصفة لاستقبال البواخر التي كانت باشرت تقصد الخليج بعدما ظهرت مؤشرات لاحتواء ارضه كميات خرافية من النفط والغاز (قطر). ثم كان أن صدر القرار البريطاني الاميركي في تجميع هذه المشيخات في دولة ستعرف باسم “دولة الامارات العربية المتحدة” تحت رئاسة الشيخ شخبوط آل نهيان الذي سرعان ما خلعه البريطانيون ليولوا مكانه شقيقه الشيخ زايد.

ـ وكانت مشيخة قطر تحت حكم بريطانيا ومشايخها، من آل ثاني، ثم اعلنت دولة قوامها الغاز الذي اكتشف عند شواطئها المشتركة مع ايران لتغدو في ما بعد “دولة عظمى” خلافتها لآل ثاني وحمايتها متروكة للأميركيين الذين اقاموا قاعدة لجيشهم في “العيديد”، ثم اصرت تركيا على ارسال بعض جنودها اليها… في حين اكد اهل الحكم في قطر “استقلالهم” عبر الاعتراف بدولة العدو الاسرائيلي واقامة سفارة له في الدوحة (تحت حراسة مشددة).

ـ خارج هذا الاطار ظلت “سلطنة عُمان” مستقلة دائماً وإن حرصت على علاقات متوازنة مع السعودية كما مع ايران، ومع دول الغرب عموما، بريطانيا اساساً ثم الولايات المتحدة الاميركية.. من غير أن ينسى سلاطينها أن بلادهم كانت إمبراطورية وصل نفوذها إلى شواطئ الهند وباكستان وسائر اقطار المحيط الهندي…

وهكذا فقد ورث السلطان قابوس والده، ولكنه لم يتزوج وليس له اولاد بطبيعة الحال، وهكذا ورث السلطان سعيد أحد ابناء الاقرب اليه من اهله، هذه السلطنة التي ما زال حاكمها يتعامل معها على انها “امبراطورية”.

ـ تبقى المملكة العربية السعودية التي أورث الوهابيون انفسهم شبه الجزيرة العربية المنداحة على امتداد البحر الاحمر، بدعم من الغرب الاميركي الذي كانت قيادته قد شمت رائحة النفط داخلها وعند سواحلها، وتفاءلت بوجود النفط في الربع الخالي، حتى اكتشفه الاميركيون بعد اقامة المملكة في العام 1920، بعد نفي الشريف حسين إلى قبرص حيث مات، بعدما تولى اكبر ابنائه “ولاية” شرق الاردن، والثاني الملك فيصل سوريا، فلما عزله طرده الفرنسيون منها اخذه البريطانيون لينصبوه ملكاً على العراق.

وعندما تولى الملك فيصل آل سعود الحكم في اوائل الستينات اراد أن يؤمم النفط فتم تدبير مؤامرة لاغتياله على يدي واحد من ابناء اخوته العديدين… ثم تم نقل الحكم إلى الملك خالد برعاية الامير فهد، الذي فتح ابواب المملكة لبعض الهواء المنعش، قبل ان يمرض فينتقل الحكم إلى ولي العهد الامير عبدالله الذي صار بعد ذلك ملكاً.. قبل أن يحين زمن الملك سلمان الذي عين ابن اخيه الامير محمد ابن نايف، لكن نجله الامير محمد بن سلمان خلعه راكعا على قدميه وصادر منه ولاية العهد.. قبل أن يبدع، بالشراكة مع بيوت الخبرة الاميركية، مشروع المملكة ـ 30، ثم يأمر بسجن “الطامعين” من اولاد العمومة وهم اكثر من أن يعدوا، واعتقل كذلك رئيس حكومة لبنان، آنذاك، سعد الحريري.. قبل أن ينجح الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في اطلاق سراحه (بعد التعهد بضبط تحركاته) تمهيداً لإعادته إلى لبنان الذي غلب القلق على كرامة السيادة من اجل انقاذ .. هذا الاسير.

وللبحث صلة في زمن آت، بعون الله!

*كاتب ورئيس تحرير صحيفة السفير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى