الصراع الفلسطيني الاسرائيلي

طاولة بحث مستديرة : “إدارة الصراع” مع الفلسطينيين تفاقِم الأخطار على المدى البعيد!

سليم سلامة – 21/9/2020

اعتماد إسرائيل الكليّ على الحلول العسكرية والتكنولوجية في مواجهة التحديات الماثلة أمامها يعمي أبصارها ويحول دون بلورة سياسة أمن قومي شاملة وإطلاق مبادرة سياسية، وخصوصاً في مسألة الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني”

ـ هذا هو أحد التبصرات المركزية التي خلص إليها المشاركون في “طاولة مستديرة” نظمها “مركز مولاد لتجديد الديمقراطية في إسرائيل” مؤخراً لتلخيص العقد المنصرم والتبصّر في التحديات الماثلة أمام إسرائيل على مدى العقد الجديد. وكان عدد من كبار المسؤولين السابقين في الأجهزة الأمنية الإسرائيلية ومن الخبراء في مسائل الأمن القومي بين المشاركين في هذه الطاولة المستديرة التي أعدّت لتكون حلقة نقاش تعليميّة ترمي إلى البحث ـ في خضم الواقع الاستراتيجي الراهن الذي تعيشه إسرائيل ومعطياته المختلفة وبالبناء على نظرة تلخيصية متمعنة إلى العقد الماضي وتجاربه ونتائجها ـ عن “النقاط السوداء” والتحديات الغائبة عن أبصار القيادتين السياسية والعسكرية الرسميتين في إسرائيل وعن جدول أعمالهما.

في مناقشة دور الأجهزة الأمنية ومهامها، توصل المشاركون إلى الاستنتاج بأن هذا الدور “محدود، بطبيعته” ومحصور في النظر إلى النصف الفارغ من الكأس، أي إلى المخاطر والتهديدات. وعلى هذا، يبرز غياب الاستراتيجية السياسية في إسرائيل التي اعتادت، بسبب تفوقها العسكري، على البحث عن حل/ رد تكنولوجي لأي تهديد؛ وهي طريقة غير ناجعة ومرشحة للفشل على المدى البعيد. وفي هذا السياق، يضرب المشاركون تعامل إسرائيل مع قطاع غزة مثلاً، إذ بلغت الحلول العسكرية والتكنولوجية حدها الأقصى واستنفدت بالكامل، من دون توفر أي بدائل تتمثل في حلول سياسية.

توزعت أبحاث “الطاولة المستديرة” ومداولاتها ـ كما يظهر في كتيب تلخيصها ـ على ثلاثة محاور أساسية، حسب المواضيع المطروحة للبحث، جرى من خلالها البحث في جوانب مختلفة ومكملة: في المحور الأول، جرى بحث نقديّ للتحديات التي تواجه الأمن القومي الإسرائيلي، بمفهومها الأوسع؛ في المحور الثاني، انتقل التركيز إلى الساحة الفلسطينية، بمميزاتها الفريدة، باعتبارها حجر أساس في كل ما يتعلق بمستقبل دولة إسرائيل؛ وفي المحور الثالث، جرت بلورة نظرة شمولية واسعة نحو العقد القادم والقضايا المركزية التي يتعين على دولة إسرائيل التركيز عليها.

قائمة التحديات ودوائرها

رأى المشاركون في الطاولة المستديرة، التي عقدت تحت عنوان “تلخيص عقد وتحديات العقد المقبل على الصعيد السياسي والأمني”، أن إسرائيل تواجه، خلال العقد الجديد، جملة من التحديات الأمنية المختلفة، في أنواعها وفي مصادرها وأبعادها، وبالإمكان تصنيفها في أربع دوائر مختلفة:

– الدائرة الأولى: التهديد غير التقليدي، أي المشروع النووي الإيراني، إلى جانب الأسلحة الكيماوية السورية التي ثمة ميل واضح في إسرائيل نحو التقليل من أهميته وخطورته، قد يعود ليشكل موضوعاً / تهديداً مركزياً في المستقبل المنظور، أو المتوسط في كل الأحوال.

– الدائرة الثانية: التهديدات التقليدية، التي يمكن القول إنها تشكل الامتحان المركزي للجيش الإسرائيلي خلال السنوات القريبة القادمة، رغم حقيقة كون الجيش الأساس الذي قد يقف مقابل الجيش الإسرائيلي (أي الجيش السوري) في وضع سيء للغاية، إلى درجة أنه “يكاد يكون غير قائم”، حسبما أشار بعض المسؤولين والخبراء المشاركين في الطاولة المستديرة.

– الدائرة الثالثة: التهديد شبه التقليدي، الذي تمثله بصورة أساسية قوى محددة في المنطقة، مثل: حزب الله، “فيلق القدس” في الحرس الثوري الإيراني، حركة “حماس” ومنظمات فلسطينية أخرى في قطاع غزة.

– الدائرة الرابعة: التهديدات السيبرانية.

التهديد الذي وُضع على رأس قائمة التحديات والتهديدات التي تواجه إسرائيل، منذ ما يزيد عن عقد من الزمن وحتى اليوم، هو المشروع النووي الإيراني، ما يرافقه وما يحركه من رغبة وتطلعات إيرانية نحو بسط الهيمنة (الإيرانية) على المنطقة. وإضافة إلى المسألة الإيرانية المركزية هذه، ثمة عدد من الظواهر والوجهات التي قد يكون لها تأثير محتمل كبير جداً على مجمل هذه التحديات والتهديدات. فقد خلّف زلزال “الربيع العربي”، الذي اجتاح عدداً من الدول العربية الأساسية، مستويات مذهلة ومقلقة من الدمار الاجتماعي، الاقتصادي والثقافي، طوابير لا نهائية من اللاجئين وعدداً من الانقلابات السلطوية التي من المتوقع أن تزداد وتتفاقم، وأن تتسع ربما، ما يعني أنها ستستمر في التأثير على دولة إسرائيل ومحيطها القريب.

في الجانب الآخر، أدى تضعضع الأوضاع وتردّيها في عدد من الدول العربية، سياسياً وأمنياً واجتماعياً واقتصادياً، إلى تعاظم قوة ومكانة ودور الدولتين العظميين إقليمياً، إيران وتركيا، واحتلالهما موقعاً متقدماً في الصدارة الإقليمية، بما ينطوي عليه هذا من إسقاطات مستقبلية خطيرة لمستقبل الإقليم والاصطفافات السياسية والعسكرية فيه. ويضاف إلى هذا في السياق نفسه أيضاً، تعاظم دور القوتين العظميين دولياً، الولايات المتحدة وروسيا، وتدخلهما في منطقة الشرق الأوسط، وخصوصاً حيال سياسة التراجع والانسحاب التي انتقلت إليها الولايات المتحدة، أو التي أبدت جنوحها إليها على الأقل، في مقابل تكثيف روسيا دورها وتدخلاتها في المنطقة، حتى أصبحت تبدو هي القوة العظمى المهيمنة في الشرق الأوسط، بينما تبدو في الخلفية بوضوح كبير المساعي الصينية المتواصلة، دون توقف أو تراجع، لاحتلال موقع متقدم ومؤثر جداً في منطقة الشرق الأوسط، ولو على الصعيد الاقتصادي وحده في المرحلة الحالية، على الأقل.

مرت ست سنوات على المواجهة العسكرية الأخيرة التي خاضتها إسرائيل (عدوان “الجرف الصامد” الإسرائيلي على قطاع غزة في صيف 2014)، الأمر الذي أتاح نضوج واكتمال الفهم بأنه في غياب الرغبة في خوض الحروب الكبيرة، في ظل الواقع الإقليمي الخطير والمتفاقم، ثمة طريقة أخرى ناجعة تتمثل في “المعركة ما بين حربين”، والتي ترمي بصورة أساسية إلى إبعاد جولات الحرب، وتأجيلها، في موازاة خلق حاجز يفصل ما بين استخدام القوة العسكرية وبين الاقتصاد والمجتمع، بحيث لا يتأثر الأخيران من الأول.

في خلفية هذا كله، وجهات أخرى مختلفة تشكل، مجتمعة، سلة التحديات الماثلة أمام سياسة الأمن القومي الإسرائيلية، وبضمنها:

1. التراجع الكبير والهبوط الحاد، خلال النصف الثاني من العقد الماضي تحديداً، في القدرة على معاينة الواقع واستيضاح حقيقته، ثم التمييز والفصل ما بين الكذب والحقيقة، وسط تراجع ووهن “المتحدّثين بالحقيقة”؛

2. دخول تكنولوجيا الـ G5، الآليات المسيَّرة عن بُعد وبدون بشر، إضافة إلى ابتكارات وتحديثات أخرى عديدة والحرب التكنولوجية ـ الرقمية المستعرة بين الولايات المتحدة والصين؛

3. الأزمة المناخية؛

4. الصراعات البحرية، بما في ذلك على الطاقة ومصادرها وقنوات نقلها، والتي تغذيها مصالح اقتصادية، سياسية وأمنية. تشكل الحلبة البحرية العمق الاستراتيجي لدولة إسرائيل وتشكل، بالتالي، مركّباً أساسياً هاماً في الأمن القومي الإسرائيلي؛ بل يمكن القول إن أهميتها ازدادت كثيراً في ضوء اكتشاف آبار الغاز الضخمة جداً خلال العقد الأخير؛

5. الأزمة التي تعصف باليهود في الولايات المتحدة وبالعلاقات بينهم وبين دولة إسرائيل، والتي من شأنها إضعاف مكانة إسرائيل بين يهود الولايات المتحدة خصوصاً، وبين يهود العالم عموماً، ثم ما يمكن أن يحمله هذا من تأثير على هجرة اليهود ـ من أنحاء مختلفة من العالم ـ إلى دولة إسرائيل.

الفرص المُهدَرة وغياب الرؤية السياسية!

عبّر المشاركون في مداولات “الطاولة المستديرة” ـ كما يظهر من الفصل في تلخيصها المخصص للنزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني ـ عن قناعة تتجسد في تقييم أساسي يرى أن “الساحة الفلسطينية تبقى الأكثر قابلية واحتمالاً للانفجار، بصورة شاملة، على الرغم من الفصل الحاصل في الواقع بين الضفة الغربية وقطاع غزة”. أما “ظاهرة داعش”، كما سماها المشاركون في الطاولة المستديرة، ورغم خفوتها وانحسارها الكبيرين، فلا تزال تمثل تهديداً جدياً وحقيقياً على دولة إسرائيل وعلى أهداف إسرائيلية ويهودية في مختلف أرجاء المعمورة، وذلك على خلفية تعاظم قوة الجماعات الجهادية ـ السلفية على طول الحدود بين إسرائيل ومصر (في سيناء، تحديداً)، بين إسرائيل والأردن، كما بين إسرائيل وكل من قطاع غزة والضفة الغربية.

يعتقد قطاع لا بأس به من الجمهور الإسرائيلي بأن العقد المنصرم كان، على صعيد النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني، ممتازاً جداً من وجهة النظر الإسرائيلية، ويتمنى هؤلاء أن يتكرر هذا العقد، بهذه المواصفات والنتائج، مرة أخرى، وربما أكثر أيضاً. لكن الحقيقة التي شدد عليها المسؤولون الأمنيون الكبار والباحثون في مداولات الطاولة المستديرة هي أن العقد المنصرم كان مليئاً بالفرص المهدَرة، وهذا مكمن خطر مستقبليّ حقيقيّ وجسيم. ذلك أن التهديد والخطر المركزيين اللذين يواجهان دولة إسرائيل، لا يتمثلان في إيران ومشروعها النووي، وإنما في “حقيقة أن ثمة اليوم بين النهر (الأردن) والبحر (الأحمر) 14 مليون إنسان. هذا الواقع الذي قد يؤدي، في ظل غياب الرؤية السياسية وبسببها، إلى نهاية المشروع الصهيوني”. و”لن يكون من الخطأ تماماً القول إن إسرائيل تدفع، بنفسها، نحو خطة المراحل المعتمدة لدى منظمة التحرير الفلسطينية”، وفق ما يسجله المشاركون حول الطاولة المستديرة.

يعتقد متناظرو الطاولة المستديرة بأن التمعن والتدقيق جيداً يقودان إلى الانتباه بسهولة إلى حقيقة أن إسرائيل “لم تمتلك يوماً، ولا تمتلك اليوم، أية استراتيجية خاصة بالمسألة الفلسطينية”، بل إنها “منذ العام 1967 حتى اليوم، ليس من الواضح، إطلاقاً، ما الذي تريده وتريد الوصول إليه حقاً”.

السياق الراهن، على خلفية نشر خطة “صفقة القرن” (المسماة “مشروع ترامب للسلام”!) حتى لو تبين لاحقاً أنها عديمة الأهمية والجدوى، في امتحان الزمن ـ يوفر إطاراً جديداً للنقاش ويحتّم التعامل مع دلالاته. فالخطة المذكورة هي تصديق قانوني للتوجه الأحادي الجانب الذي تعتمده إسرائيل في تعاملها مع القضية الفلسطينية خلال العقود الماضية، وخاصة العقد الأخير بالتحديد، ولذا فهي (الخطة) تعزّز الوهم الإسرائيلي بأن عدم الإتيان بأي فعل يفضي إلى نتائج إيجابية في نهاية المطاف. مردّ هذا الوهم، ثم الاستنتاج الخاص به في سياق المناقشات، هو واقع التفوق الإسرائيلي من الناحية العسكرية، بناء على الفرضية القائلة بأن في الإمكان حل المشكلة عبر هذا الطريق ومن خلال النهج المعتمد فيه. وهذا، تحديداً، ما يعتبره المشاركون في الطاولة المستديرة “توجهاً كارثياً” يلامس ويوازي العجز عن استغلال واستنفاد القدرات الأداتية العامة في المسائل الأمنية.

إلى جانب ذلك، يرى المشاركون أن هذه الخطة “تشجع على التطرف وتزيده في المجتمع الفلسطيني” وتشكل “رافعة وملاذاً لحركة حماس التي تتخبط في أزمة حقيقية وجدية من ناحية الشرعية الجماهيرية، إذ أن أي توجه يتنكر للتبادلية بين الطرفين، من شأنه أن يقوي حركة حماس على حساب السلطة الفلسطينية”. وبالبناء على هذه الرؤية، يقول المشاركون في الطاولة المستديرة، وفق التلخيص الذي صدر عنها، إن “تعاوناً متعارِضاً قد نشأ بين دولة إسرائيل وحركة حماس، اللتين عثرتا على نقطة الالتقاء، كما قد يبدو ظاهرياً”.

السؤال المركزي والأهم في الحديث عن “صفقة القرن”، وفق ما يراه الباحثون المشاركون، هو: ما هي الخطوات التي بالإمكان اتخاذها في إطار هذه الخطة لتجنب أي خطر على اتفاقية السلام مع الأردن ولتفادي الإضرار بالتنسيق الأمني بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية؟

من الواضح أن مشاركة دول المنطقة هي عنصر حيوي في أي مسار سياسي، كما يقول الباحثون، بل ثمة من يعتبر هذه المشاركة “العامل الأهم الذي سيدفع عملية السلام إلى الأمام والقادر على جرّ الفلسطينيين إليها”، بالرغم من “فقدان الاهتمام بالقضية الفلسطينية في العالم العربي”. ويرى الباحثون أن “مبادرة السلام العربية” من العام 2002 هي التي لا تزال تشكل ـ ويجب أن تشكل ـ القاعدة الأساسية لأية مفاوضات سياسية مستقبلية، “وإن كانت بحاجة إلى تعديلات وملاءمات تتجاوب مع مصالح دولة إسرائيل”!

لا علاقة للمستوطنات بالأمن!

إحدى المعضلات الأساسية والحاسمة في سياق الحديث عن مفاوضات سلام إسرائيلية ـ فلسطينية هي، بالطبع، المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية. وفي هذا الشأن، يقول الباحثون بصورة لا لبس فيها إن ثمة “تمييزاً وفصلاً واضحين بين المستوطنات وبين الأمن… وهذا ما ينبغي ترسيخه في عقل الجمهور الواسع”؛ ذلك أن “الجيش الإسرائيلي يتعامل مع المستوطنات بهذا المنظار، منذ سنوات عديدة، لا سيما وأنه لم يدّع في يوم من الأيام ولا في أية وثيقة رسمية صادرة عنه بأن المستوطنات هي ذخر أمنيّ”. ومن شأن مثل هذا الفهم الإسرائيلي أن يسهّل طريق المفاوضات المستقبلية بين الطرفين.

من الخطأ، في رأي الباحثين، البحث في وضع قطاع غزة بمعزل عن الوضع العام. فقطاع غزة ـ كما يؤكدون ـ هو “جزء من القضية الفلسطينية برمّتها ومن غير الممكن فصل الرابطة ما بينه وبين الضفة الغربية”، مع تشديدهم على ضرورة التوقف ملياً عند “ازدياد واتساع التأييد في الشارع الفلسطيني لحل الدولة الواحدة، عوضاً عن حل الدولتين”، رغم أنه “من الصعب تحديد هذه الظاهرة بمعطيات رقمية، إذ تشير استطلاعات الرأي العام إلى تفوق التأييد لحل الدولتين، حتى الآن، إلا أنه لا يجوز التغاضي عن هذا المنحى، الذي يتسع بين الجمهور الإسرائيلي أيضاً، كمرآة عاكسة”.

في التحصيل الأخير، يرى الباحثون أن غياب أية استراتيجية إسرائيلية مقابل الفلسطينيين هو خطر جدي جسيم على الأمن القومي الإسرائيلي، ولذا فإن على الدولة أن تحسم أمرها وتتخذ القرار: إلى أين تريد الوصول؟ فمنذ 1967، لا يزال هذا السؤال ملفوفاً بقدر كبير جداً من الاضطراب والحرج الإسرائيليين. وفي هذا السياق، يلفت الباحثون إلى “توجهين في هذا الشأن”، الأول يقوده ويمثله بنيامين نتنياهو وعنوانه: سنعيش على حرابنا إلى الأبد. أما الثاني، فهو توجه يدعو إلى التوصل إلى تسوية سياسية، رغم أنه من الواضح اليوم ضرورة تحقيقها في إطار إقليمي طويل الأمد. لكن إسرائيل لا تزال تُقاد وتتحرك ـ كما ينوه الباحثون ـ بقوة عقدة الهولوكوست، أي: رغم امتلاك إسرائيل الجيش الأقوى في الشرق الأوسط، إلا أن صناع القرارات فيها لا يزالون يفكرون بمصطلحات التهديد الوجودي وخطر الإبادة. والنتيجة هي فقدان القدرة السياسية على رؤية وتحديد الفرص والتمسك بالوضع القائم المعروف، رغم أنه سيؤدي ـ كما هو واضح، تماماً ـ إلى مفاقمة الأخطار ومضاعفة التهديدات.

في ظل هذه المعطيات، تتردد مقولة “إدارة الصراع” التي تعني، في الواقع الإسرائيلي، مفاقمة الخطر على المدى الطويل، سوية مع تدهور الأوضاع الداخلية في دولة إسرائيل. ولئن كان الجمهور الإسرائيلي منقسماً على ذاته بشأن العلاقة مع الشعب الفلسطيني ومستقبل الصراع بين الطرفين، إلا أنه في حال عدم تحريك عجلة المفاوضات (سواء بواسطة رئيس أميركي آخر أو بواسطة حرب كبيرة)، بغية التوصل إلى تسوية سلمية، فلن يغيّر الجمهور رأيه وموقفه تلقائياً. والأسوأ من هذا، أن المواطن العادي، سواء كان إسرائيلياً أم فلسطينياً، وحتى لو كان مؤمناً بصحة حل الدولتين، لم يعد يؤمن باحتمال تطبيق هذا الحل.

وفي كل الأحوال، يستند الباحثون إلى تجارب الماضي وإلى معطيات الواقع الميداني كما هي كي يشيروا إلى “حقيقة بسيطة”، كما يصفونها، وهي: صحيح أنه من غير الممكن التوصل إلى حل الدولتين بين عشية وضحاها، لكن من غير الممكن عدم التوصل إليه في نهاية المطاف، ذلك أنه الحل الوحيد القادر على “ضمان استمرارية المشروع الصهيوني”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى