#شؤون اقليمية

صراعات متفاقمة .. المواجهة بين التيارات السياسية في إيران قبيل الاستحقاقات البرلمانية

مرﭬت زكريا  * – 16/2/2020

تشهد طهران حاليًا حالة من المواجهة المحتدمة بين الفصائل السياسية المختلفة، على خلفية التصعيد الحالي مع الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة وقرب موعد بعض الاستحقاقات الانتخابية الهامة داخل إيران والتي تتمثل في الانتخابات البرلمانية في 21 فبراير الجاري 2020 والانتخابات الرئاسية في 2021. وتصاعدت حدة المواجهة بين التيارات السياسية على خلفية حالة الانقسام التي يشهدها تيار الإصلاحيين، وعدم توافقهم حول مرشح سياسي بعينه بعد عدم صلاحية روحاني للترشح مرة أخرى، في السياق ذاته استغل التيار الأصولي المحسوب على المرشد الأعلى “علي خامنئي” حالة الضعف التي تعانى منها طهران بعد الخروج الأمريكي من الاتفاق النووي للتعويل على فشل حكومة روحاني في إدارة الأزمات التي تمر بها البلاد.

يتوازى ذلك، مع موجات كبيرة من الاضطرابات الداخلية التي تمر بها إيران على الصعيد الداخلي؛ الأمر الذي يتمثل في تصاعد حدة الاحتجاجات منذ ديسمبر لعام 2017 و المتواصلة حتى الآن، والتي كان أخرها التظاهرات التي اندلعت على خلفية إسقاط الوحدة الصاروخية التابعة للحرس الثوري لطائرة ركاب أوكرانية راح ضحيتها عدد كبير من الطلبة الإيرانيين. الأمر الذي تزامن مع الاعتراض على سياسات طهران الإقليمية لاسيما بعد اغتيال قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري “قاسم سليماني”.  

أولاً- التيارات السياسية في إيران

بدأ ظهور أول تكوين للتيارات السياسية في إيران بعد الثورة الإسلامية لعام 1979 و انتهاء الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988)، وتدهور الوضع الاقتصادي، مما أدى لظهور أول معركة سياسية بين فئتين سياسيتين مختلفتين(الإصلاحيين و المحافظين) يحملون توجهات متباينة حول كيفية إدارة الاقتصاد والسيطرة عليه. ولكن بعد وفاة أية الله الخميني و نهاية الحرب العراقية الإيرانية انقسمت هاتين الفئتين إلى ثلاثة جماعات رئيسية؛ حيث تحول إسلاميو اليسار المتطرف إلى إصلاحيين، بينما انقسم الإسلاميون اليمينيون إلى قسمين رئيسيين ” المحافظين والتكنوقراط المعتدلين”(1).

يتوازى ذلك، مع تغير خريطة التيارات السياسية داخل إيران بعد فوز الرئيس الإيرانى المتشدد “أحمدي نجاد”؛ حيث تم تصنيف الجماعة التابعة له بالمحافظون الجدد، بينما أُطلق على المحافظون التقليديون اسم المتشددون أو المتشددون المحافظون. وتم تفسير عملية التغير المرحلي لطبيعة التيارات السياسية الموجودة داخل الدولة الإيرانية، بطبيعة الأيديولوجية الثورية لنظام ولاية الفقيه في إيران وترحيبه بوجود عدد كبير من الفصائل السياسية المتنافسة بشكل صوري نسبيًا لأن القرار السياسي في النهاية يتم اتخاذه من قبل بعض المؤسسات الهامة الخاضعة لسلطات و نفوذ المرشد الأعلى “علي خامنئي”(2).

ثانيًا- دوافع المواجهة بين الفصائل السياسية

من الواضح أن هناك حالة غير مسبوقة من الشد و الجذب بين التيارات السياسية الرئيسية في طهران، على خلفية اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية المقرر عقدها في 21 فبراير 2020، وهو الأمر الذي من المقرر أن تستمر تبعاته حتى موعد الاستحقاقات الرئاسية في 2021، و سنعرض فيما يلى لأبرز دوافع هذه المواجهة:

1- التصعيد مع الولايات المتحدة الأمريكية

بدء التصعيد الإيرانى مع الولايات المتحدة الأمريكية بعد الخروج الأمريكي من الاتفاق النووي في عام 2018، على خلفية اعتراض واشنطن على ما يعرف ببنود الغروب والتي تتضمن مدة الاتفاق النووي (خطة العمل المشتركة الشاملة) التي وقعتها حكومة روحاني مع الرئيس الأمريكي الأسبق “باراك أوباما”، فضلاً عن اعتراض واشنطن على الدور الإقليمى لطهران في المنطقة وتغلغل النفوذ الإيرانى الشيعي في عدد لا بأس به من العواصم العربية ولاسيما الخليجية والأمر الذي يضر بمصالح واشنطن في الشرق الأوسط. وشرعت الولايات المتحدة الأمريكية فيما بعد في فرض موجات من العقوبات الاقتصادية، الأمر الذي كان له تأثير سلبي بالغ الأثر على الاقتصاد الإيرانى، مما أدى إلى تدهور وضعه، تزايد نسبة التضخم، فضلاً عن ارتفاع معدل البطالة.

وعليه، أدى ما سبق إلي انقسام حاد بين التيارات السياسية الموجودة داخل الجمهورية الإسلامية وهجوم حاد على حكومة روحاني باعتبار سياستها و سعيها لعقد الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة الأمريكية غير الموثوق فيها على حد اعتقاد التيار الأصولي المحافظ، هى المتسبب الرئيسي في كل الأزمات التي باتت تعانى منها الدولة الإيرانية بالداخل. واصبحت الاحتجاجات التي اندلعت بعد الخروج الأمريكي من الاتفاق النووي، مؤشرا جيداً على هشاشة الوضع الاقتصادي الإيراني، وترجمة لصراع بين تيارات النظام ومساعي اضعاف روحاني ومشروع الاقتصادي والسياسي بما يعني وحدة القرار داخل التيار المحافظ المسيطر على مفاصل النظام داخل إيران على كافة الأصعدة(3).  

2- انقسام تيار الإصلاحيين

كان التيار الإصلاحي من أكثر  المعولين على الاستثمارات الأجنبية وجنى العوائد الاقتصادية للاتفاق النووي الإيرانى بعد توقيعه، لكن جاءت الرياح بما لا تشتهى السفن وخرجت معظم أن لم يكن كل الشركات الأجنبية متعددة الجنسية بمجرد إعلان الخروج الأمريكي من الاتفاق النووي في عام 2018 وإعادة فرض العقوبات الأمريكية على إيران والشركات الأجنبية العاملة بداخلها. كما يدرك أنصار التيار الإصلاحي جيداً أنه لا فائدة من تحدى القوى الدولية والدخول في مرحلة جديدة من التهديدات المتصاعدة مع الولايات المتحدة الأمريكية. من ناحية أخرى، يحاول الإصلاحيون الاندماج بكل الطرق الممكنة في النظام العالمي، بما يحسن وضع مواطني الجمهورية الإسلامية في كثير من الملفات المتعلقة بحقوق الإنسان والحريات الشخصية، ومن ثم الانفتاح على العالم سياسياً واقتصادياً.

لذا، أدى كل ما سبق إلى انقسامات حادة داخل تيار الإصلاحيين، ولاسيما بعد الخروج الأمريكي من الاتفاق النووي و فشل الدول الأوروبية بالتعاون مع حكومة روحاني في الحفاظ عليه، وهو الأمر الذي اتضح في عدم قدرتهم على توفير مرشح بديل للرئيس الحالي “حسن روحاني” بعد عدم صلاحيته للترشح مرة أخري بعد أن قضى فترتيه الرئاسيتين، و التي ستنتهى أخرها في 2021(4).    

3-عدم الاستقرار الداخلي

بات عدم الاستقرار أحد السمات الهامة التي تميز الداخل الإيرانى، الأمر الذي اتضح منذ اندلاع احتجاجات  أواخر ديسمبر لعام 2017 على خلفية اعتراض المواطن على توجيه الحكومة الإيرانية الكثير من أموال التي من المفترض أن يتم توجيهها لحل مشكلات الداخل للإنفاق على المشروع الإيرانى في المنطقة  وتمويل الجماعات الشيعية التابعة لطهران في الشرق الأوسط بما يتضمن “الحشد الشعبي” في العراق وجماعة “حزب الله” في لبنان  و”الحوثيين” في اليمن. وتكرر الأمر فيما بعد على خلفية تأثير العقوبات على المستوى المعيشي للمواطن الإيرانى، الأمر الذي تمثل في نقص بعض المواد الغذائية، بل واختفاءها من الأسواق، فضلاً عن ارتفاع أسعارها.

واندلعت الاحتجاجات مرة أخرى في نوفمبر لعام 2019 على خلفية قرار مجلس التنسيق الاقتصادي بين السلطات الثلاث برفع أسعار الوقود، وهو ما أدى لخروج الناس إلى الشوارع للتعبير عن رفضهم لسياسات الحكومة في هذا السياق، منددين بسلوك الدولة الإيرانية الإقليمى على حساب العوز الداخلي. أما في 2020 فتكررت الاحتجاجات في يناير على خلفية اسقاط الوحدة الصاروخية التابعة للحرس الثوري لطائرة ركاب أوكرانية راح ضحيتها عدد كبير من طلبة الجامعات الإيرانية، الأمر الذى تزامن مع اغتيال الولايات المتحدة الأمريكية لقائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري “قاسم سليماني” على خلفية قيام الميليشيات التابعة له بتهديد المصالح الأمريكية في العراق(5).  

ثالثًا- التيار المحافظ و الفوز المرتقب

من المتوقع أن يحرز تيار المحافظين فوزاً كبيراً في الانتخابات البرلمانية القادمة والمرتقب حدوثها في 21 فبراير 2020 على خلفية استغلالهم للتصعيد الحالي بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران لاسيما بعد اغتيال قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري “قاسم سليماني”، والتعويل على الخسائر التي منيت بها حكومة روحاني جراء تعاونها مع الولايات المتحدة الأمريكية فيما يتعلق بالاتفاق النووي الإيرانى، وهو الأمر الذى أثار حفيظة التيار الإصلاحي وعلى رأسه الرئيس الإيرانى “حسن روحاني” وخاصًة بعد رفض مجلس صيانة الدستور لعدد كبير من أهلية المرشحين من تيار الإصلاحيين والمعتدلين.

يتوازى ذلك، مع تعويل التيار الأصولي المحافظ على موقف الشارع الإيرانى والتشكيك في مقدار الثقة التي يمكن منحها للتيار الإصلاحي بعد فشل حكومة روحاني في جنى عوائد الاتفاق النووي، بل والحفاظ عليه من الأساس. على أن يتمثل الأمر الأكثر أهمية في تراجع نسب المشاركة السياسية داخل الجمهورية الإسلامية، على خلفية نبرة المعارضة السياسية والاقتصادية العامة والتي تمثلت في تصاعد الظاهرة الاحتجاجية والتي تمثلت أخر موجاتها في تظاهرات يناير 2020  بسبب اسقاط الوحدة الصاروخية التابعة للحرس الثوري لطائرة ركاب أوكرانية راح ضحيتها عدد لابأس به من طلاب الجامعات الإيرانية، مما يفتح الباب على مصراعيه للتزوير والتضليل الانتخابي فيما يتعلق بعدد الأصوات ونسب المشاركة الفعلية لحفظ ماء الوجه أمام المجتمع الدولي(6).

* المركز العربي للبحوث والدراسات

الهوامش

1. Adlina Ab. Halim, Political Party in Islamic Republic of Iran: A Review, University Putra Malaysia, 2011, pp. 1-7.

2. Saeid Golkar, The Eternal Revolution: Hardliners and Conservatives in Iran, Review of Middle East Studies, vol. 9, no. 1, 2018, pp. 66–69.

3.  مصطفى فحص، إيران… عام صراعات السلطة والمصالح، 30/12/2020، إندبندنت عربية، متاح على الرابط التالي  https://cutt.ly/grJIgHs

4. انعكاسات الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي(ملف خاص)، 13/5/2018، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، متاح على الرابط التالي  https://cutt.ly/mrJOfJD .

5. ميرفت زكريا، ضغوط متزايدة … تأثير تجدد الظاهرة الاحتجاجية على مستقبل النظام الإيرانى، 19/1/2020، المركز العربي للبحوث والدراسات، متاح على الرابط التالي  https://cutt.ly/1rJSQMa

6. انعكاسات مباشرة… تأثير التصعيد على التوازنات السياسية الداخلية في إيران، 2/2/2020، مركز المستقبل للأبحاث و الدراسات المتقدمة، متاح على الرابط التالي متاح على الرابط التالي https://cutt.ly/3rLlUcT

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى