أقلام وأراء

صبري صيدم يكتب – جحا والمصالحة الفلسطينية

صبري صيدم *- 30/9/2020

في كل مرة يجري الحديث عن المصالحة الفلسطينية، يرتفع منسوب الأمل بين أبناء الشعب الواحد، احتفالاً بقرب انتهاء نكبتهم الثانية التي سببها الانقسام، ورغبة منهم في طي صفحة الماضي والتركيز على معركة التحرر من الاحتلال الصهيوني الغاشم، لكن منسوب الأمل أياً كان مصدره يتآكل في كل مرة تنطلق جولة جديدة من جولات الحوار، نظراً لتكرار الانتكاسات التي أطاحت بجولات المصالحة السابقة على اختلافها.

ومع انطلاق عجلة الحوار، الذي أعقب اللقاء التاريخي للأمناء العامين للفصائل الفلسطينية، مطلع الشهر الحالي، عاد الأمل للانبعاث من جديد، لكنه ليس بالصورة التي توقعها البعض، نظراً لرغبة الكثيرين في رؤية نتائج عملية ليقتنعوا بجدية المصالحة ومصداقيتها هذه المرة. وعليه فإن غياب الحماسة لا يعني غياب الاهتمام، وإنما يعني تريث الكثيرين حتى تظهر جدية الأمور وصوابيتها.

ومع انتهاء الجولة الأخيرة من حوارات إسطنبول والدوحة مروراً بالقاهرة وعمان، فإن الالتزام بتحقيق المصالحة يكتسب زخماً جديداً في خضم صفقة القرن، ومشروع الضم، ومسلسلات التطبيع العربية المتلاحقة، ومع دوران عجلة المصالحة، وبدء التحضير لجولة ثانية من اجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية، فإن المتوقع من الجميع أن يدعم جهود المصالحة عبر توفير المناخات التصالحية ودعمها، قولاً وعملاً، لتستطيع شمعة المصالحة أن تتوهج أكثر فأكثر، خاصة أنها تقع في عين العاصفة، وما يحيط بعالمنا السياسي من أنواء وتحديات. لكن البعض وللأسف يختار التشكيك والتوجس مساراً ونهجاً في محاكمة المشهد الناشئ، الذي ما يزال في مراحل التكوين والنبوغ، وهو ما يعيد التذكير بقصة شهيرة لجحا وابنه.

المصالحة اليوم على وشك الخروج من حيز المراوحة إلى حيز التسارع، وهي بحاجة حتماً لدعم الصادقين الغيارى “.

وتقول تفاصيل القصة بأن جحا قد قرر السفر مع ابنه وحماره تحت لهيب الشمس الحارقة، فركب هو على الحمار، بينما مشى ابنه إلى جانبه فانتقد الناس تصرف جحا متهمين إياه بخرق حقوق الطفل وإهماله لابنه، فما كان منه إلا أن ترجل عن حماره وأركب ابنه مكانه، بينما قرر هو المشي. هنا عادت الناس وانتقدت ما سمته بقلة احترام الابن لأبيه، وإصرار الابن على ركوب الحمار، وترك ابيه تحت أشعة الشمس النارية. عندها قرر جحا ووالده ركوب الحمار معا، ودونما إبطاء، فما كان من الناس إلا أن سارعوا لاتهام الأب وابنه بالوحشية، جراء ما اعتبروه عدم اهتمامها بالرفق بالحيوان. عندها ما كان من جحا إلا أن قرر بعد ذلك أن يحمل وابنه الحمار استرضاءً للناس! فما كان من الناس إلا وأن انفجرت من الضحك معتبرة جحا وابنه قد أصيبا بالجنون! لذلك فإنه ومع الاحترام والتقدير لكل الآراء والمقترحات والانتقادات، التي تقود جهود المصالحة الآن فإن المطلوب هو توفير شبكة الدعم الشعبي الفلسطيني، وإسناد النخب الوطنية للحوار بما فيها مؤسسات المجتمع المدني، ومكونات الأسرة الفلسطينية على اختلافها في الوطن والمهجر، بجهد يصل أبناء وبنات فلسطين جميعاً، وذلك لما تمثله المصالحة من حالة وعي ونضوج مهمة تنفض غبار الخلاف وتلتزم بتماسك البيت الفلسطيني مشّكلة رداً طبيعاً على مغامرات ترامب وحلفائه الصهاينة وجمهور المطبعين المنزلقين.

إن الإصرار على التشكيك والمراهنة على فشل الحوار لن يكون في صالح المصالحة، كما أن الإفراط في الشروط والمعيقات والشكاوى والأنين لن يخدم إلا طموحات الراغبين باستمرار الانقسام، لأسباب باتت مكشوفة، وأسباب أخرى لا يعلم بها إلا الخالق وأصحابها. لقد دارت عجلة المصالحة بإيجابية عالية وبروح مسؤولة ناضجة تبحث عن الخروج من دائرة الانهيار، على أمل أن لا نتسبب نحن في انهيارها وفنائها. فلا يعقل أن ننتقد غياب الديمقراطية لنعود وننتقد قرارنا بالاحتكام لصندوق الاقتراع، وهو ما يتقاطع والمثل الإنكليزي القائل: مدان أن فعلت ومدانٌ إن لم تفعل. إن المصالحة اليوم على وشك الخروج من حيز المراوحة إلى حيز التسارع، وهي بحاجة حتماً لدعم الصادقين الغيارى لأن في فشلها لن ننال سوى البؤس والحسرة ليعود جحا ويتندر هو علينا بأننا وقعنا وإياه في الفخ ذاته!

* كاتب فلسطيني .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى