أقلام وأراء

صبري صيدم يكتب – أبو عمار وعريقات وثقافة الرحيل

صبري صيدم *- 11/11/2020

مع حلول الذكرى السادسة عشرة لرحيل القائد الشهيد أبو عمار، يترجل صائب عريقات الذي ملأ الدنيا وشغل الناس في عالم المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية في محطات عديدة شهدت منعطفات كبيرة، ومحطات مختلفة شابها ما شابها من تحديات وعثرات. ومع رحيل عريقات تكون فلسطين قد ودعت شخصية مناضلة لم تسلم من تهجم الاحتلال الإسرائيلي، ولا من نقد ولوم ذوي القربى. كيف لا وقد قبل أن يعمل في دائرة النار، التي يصعب على الكثير منّا قبول تحدياتها وآلامها وصعوباتها ومواجعها.

وعليه فإن عثرات السياسة في خضم التعامل اليومي مع احتلال غاشم، أمر يتصف بالحساسية والدقة لما يتطلبه من جرأة وإصرار عاليين، بحيث وجد صائب عريقات نفسه أمام معترك صعب وحساس، أبى معه إلا أن ينتصر لرسالة أبو عمار والتزامات م. ت. ف ورؤية القيادة الفلسطينية. صائب الراحل أمس، سيبقى في نظر الكثيرين أرشيفاً تفاوضياً وطنياً مهماً، لم تثنه إحباطات السياسة وعثراتها، عن الاستمرار في مهمته حتى الأيام الأخيرة من حياته، وحتى في أوج الإخفاقات التي يواجهها العمل السياسي.

الرحيل في ثقافة الفلسطيني أمر دائم الحضور، المهم بقاء الرسالة والهدف ثابتين مهما كانت صعوبة المهمة وتحدياتها “.

الرحيل في ثقافة الفلسطيني أمر دائم الحضور، المهم بقاء الرسالة والهدف ثابتين مهما كانت صعوبة المهمة وتحدياتها. فأبو عمار الرمز لم يتردد في التأكيد وفي كل محطة عاشها، على الرسالة ذاتها التي حملها مطلع سبيعينيات القرن الماضي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، حتى إن تغيرت مفاعيل العمل وتحدياته وتبدلت تطورات السياسة والميدان، بما يستوجب العمل بتكتيك وحكمة يتطلبان الانتقال من مربع إلى مربع. بقيت رسالة أبو عمار وستبقى وستستمر، طالما لم يحصل الشعب الفلسطيني على حقوقه، لا لأن الفلسطيني يعشق التعب، بل لأنه يؤمن بعبر التاريخ التي أكدت دائماً بأن الحقوق لا تسقط بالتقادم، ولا تموت بزلات الزمان وجور الأعداء وظلم ذوي القربى. الرحيل في خضم الجهد التحرري إنما يشكل منصة جديدة للإصرار والثبات في العمل المقاوم، القائم على الإيمان المطلق بحتمية النصر. فلن يضيع حق وراءه مطالب، ولن يدوم الظلم في مواجهة شعوب تقارعه. وعليه فإن التغيرات المكانية، أياً كان شكلها لن تستطيع أن تصمد في وجه التزايد الديمغرافي المتصاعد. لذلك وإن بدت إسرائيل متفوقة في معركة الجغرافيا، عبر النهب المتواصل للأرض، إلا أنها حتى تاريخه فشلت في معركة الديمغرافيا، رغم ضراوة وبشاعة حرب التهويد والتهجير والترحيل والإبعاد التي شنتها. وطالما أننا في خضم الحديث عن الديمغرافيا، فإن الإحصائيات تشير إلى تفوق سكاني فلسطيني بواقع ربع مليون نسمة، وهو ما ينذر بتمدد سكاني أوسع خلال السنوات الماضية.

وبهذا سيحسم الشعب الفلسطيني معركته عبر ثباته، وسيحسم التاريخ أمره بإنصاف هذا الشعب، وسيحسم النضال والصمود معركة الانتصار حتى يكون الهدف من الشهادة والرحيل قد تجسدا وحققا أهدافهمها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى