شيماء منير 1-9-2024: أهداف إسرائيل من الهجوم على الضفة الغربية
على الرغم من أن العملية العسكرية الواسعة التي أعلنت إسرائيل عن شنها فجر الأربعاء 28 أغسطس 2024- والتي تُعد الأوسع منذ عملية “السور الواقي” في عام 2002- تحت مسمى “مخيمات الصيف”، كانت تتمركز في ثلاث مناطق بشمال الضفة الغربية، وهي: محيط مخيم جنين، ومخيم نور شمس في طولكرم، ومخيم الفارعة في محافظة طوباس، إلا أنه يبدو أنها بدأت تتسع جغرافيًا لتشمل جنوب الضفة الغربية، إثر العملية المزدوجة التي وقعت صباح يوم السبت 31 أغسطس الفائت، والتي شملت تفجير سيارتين مفخختين وإطلاق نار قرب تجمع غوش عتصيون ومستوطنة كرمي تسور شمالي الخليل، ثم عملية إطلاق نار قرب حاجز ترقوميا العسكري غرب الخليل صباح الأحد 1 سبتمبر الجاري، لتمثل مؤشرات على طول الفترة الزمنية لتلك العملية مع تطور تكتيكات المقاومة في الضفة وقدرتها على توسيع نطاق عملياتها وتمددها جغرافيًا من الشمال إلى الجنوب رغم القبضة الأمنية المحكمة.
وتحمل تلك العمليات الفدائية دلالات مهمة فيما يخص معادلة الأمن القومي الإسرائيلي. فعلى الرغم من أن إسرائيل كانت تستهدف من “مخيمات الصيف” ترميم الردع المتآكل بعد “طوفان الأقصى” في ساحة الضفة الغربية من خلال التدمير الممنهج لمخيمات الشمال، وتحقيق انتصار سريع استنادًا للحشد العسكري الكبير من أجل التفرغ للجبهة الشمالية بشكل رئيسي بعد أن استنفدت عملياتها الكبرى في غزة دون تحقيق أي من أهدافها العسكرية، إلا أن تكرار تلك العمليات الفدائية في الضفة يضع إسرائيل أمام مأزق أمني يُعقِّد من أزمة الردع الإسرائيلي على صعيد جبهة الضفة الغربية التي تقع تحت القبضة الأمنية الإسرائيلية.
في ضوء ما سبق، يمكن التساؤل حول الأهداف المختلفة لعملية “مخيمات الصيف”، وعلاقتها بمخطط حسم الصراع بما يشمله من تهجير وضم وتهويد، لما تحظى به الضفة من أهمية سياسية ودينية لليمين القومي الإسرائيلي، وهل يمكن أن تصبح تلك العملية مستنقعًا تقع فيه إسرائيل ليزيد من مأزقها الأمني، ومقدمة لاشتعال انتفاضة ثالثة، حرصت إسرائيل بكل قوة لمنعها منذ ما يقرب من 11 شهر من طوفان الأقصى؟.
جز العُشب وتفكيك البنية العسكرية للمقاومة
تعتبر إسرائيل الضفة الغربية نقطة ضعفها وأخطر الجبهات، كونها مرتبطة جغرافيًا بالعمق الإسرائيلي. لذلك ترى إسرائيل إشعال الضفة بانتفاضة شاملة مسلحة أو تكرار سيناريو “طوفان الأقصى” انطلاقًا من الضفة من خلال شن الكتائب الفلسطينية في الضفة الغربية هجومًا مماثلًا على المستوطنات، لتتحول الضفة إلى جبهة قتال رئيسية وليس مجرد إسناد لغزة، خطرًا استراتيجيًا على أمنها القومي، من شأنه أن يُعقِّد من مأزق الردع الإسرائيلي. ومن ثم سعت إسرائيل منذ “طوفان الأقصى” لمنع حدوث انفجار أمني شامل في الضفة الغربية والقدس يكون بمثابة انتفاضة ثالثة؛ ردًا على الحرب في غزة، بفعل الردع بالقوة المفرطة وجز العشب المتواصل للكتائب المسلحة، خشية من تطور الكتائب المسلحة من حيث قوّتها، وانتشارها الجغرافي، على النحو الذي يشكل تهديدًا على أمن إسرائيل. وقد اتبعت إسرائيل تكتيكات عسكرية جديدة، فبعد أن كانت تعتمد على العمليات الاستخباراتية، بالتركيز على المراقبة السرية، والتنصت على المكالمات الهاتفية بأنواعها المختلفة، والوصول للمسلحين والبنى التحتية والاجتياح البري للمناطق، وملاحقة عناصر المقاومة عبر قوات خاصة، تم الاستناد إلى وسائل وعمليات أكثر فتكًا، تمثلت في استخدام سلاح الجو في تنفيذ غارات جوية من خلال استخدام المسيرات والطائرات الحربية من أجل استهداف المقاومين داخل المخيمات.
ومع ذلك، شكّلت عملية التفجير في “تل أبيب”، في 18 أغسطس الفائت والتي أعلنت حركتا حماس والجهاد الإسلامي عن تبنّيها، نقطة تحدٍ لإسرائيل وأثارت تساؤلات حول حدود فعالية ردع المقاومة في الضفة الغربية، وتصاعدت التحذيرات الأمنية من مخاطر تنامي قدرات المقاومة المسلحة خاصة في مخيمات شمال الضفة. كما حذرت شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي “أمان”، من حدوث تصعيد محتمل في الضفة الغربية، واندلاع انتفاضة، والقيام بعمليات في عمق إسرائيل. هذا وسط تأكيدات بيانات الأجهزة الأمنية الإسرائيلية منذ بداية الحرب، بأن “الشاباك” والجيش الإسرائيلي تعامل مع أكثر من 1100 هجوم كبير في الضفة الغربية. وقد تنوعت تلك العمليات ما بين إطلاق نار، وعمليات طعن أو محاولة طعن، وعمليات دهس، أدّت إلى قتلى وجرحى إسرائيليين.
إلا أن ما بات يثير قلق إسرائيل في حال اتساع استخدامه جغرافيًا هو تطوير العبوات المحلية القادرة على تحقيق إصابات مؤكدة مثل عبوات “التامر” شديدة الانفجار، مع استخدام تقنية التفجير عن بُعد، والتي تستخدمها في استهداف الآليات والمدرعات، عند اقتحامها المخيمات، والتي تمنح المقاومين أفضلية التخفي عند استخدامها في المناطق المفتوحة، وتحقق من خلالها إصابات مباشرة. فضلًا عن تطور عمليات الرصد والتتبع، والذي يُعد تحولًا نوعيًا في أداة المقاومة وما يزيد من فعاليته وحدة العمل المقاوم والتنسيق والاندماج بين مقاتلي جميع الفصائل، وفي مقدمتها القسام وسرايا القدس وشهداء الأقصى. والأهم اتساع النطاق الجغرافي لعمليات المقاومة؛ فبعد أن كانت في السابق مقتصرة على جنين ومخيمها ومناطق محصورة شمالي الضفة، باتت المواجهات والاشتباكات المسلحة في مختلف المناطق والمخيمات، ثم وصلت إلى جنوب الضفة، وكان آخرها عملية إطلاق النار التي وقعت في غرب الخليل صباح يوم الأحد الموافق 1 سبتمبر الجاري، والتي أسفرت عن وقوع قتلى من الشرطة الإسرائيلية وانسحاب المنفذين.
لذلك جاء الهدف الرئيسي المعلن من عملية “مخيمات الصيف”، وهو اقتلاع جذور المقاومة الفلسطينية من المخيمات، من خلال شن حملات اعتقال ومداهمات واسعة، واستمرار تكتيك اغتيال قادة الكتائب؛ على غرار قائد كتيبة طولكرم في سرايا القدس، محمد جابر “أبو شجاع”، بعد اشتباكات مع القوات الإسرائيلية في مخيم نور شمس. وجاء الرد سريعًا على اغتياله بإيقاع قوة مشاة في كمين مركب من خلال تفجير عبوة ناسفة معدة مسبقاً في القوة، واستهداف نقاط تمركز القنّاصة المتحصنين داخل أحد المنازل في مخيم نور شمس. ومن ثم، فإن قدرة إسرائيل على تحقيق هدف تدمير بنية المقاومة العسكرية، أو وقف العمليات الفدائية باتت أمرًا مشكوكًا فيه، خاصة وقد سبق واتبعت إسرائيل أساليب العنف والقوة المفرطة نفسها، خاصة في جنين، ثم عادت الفصائل المسلحة وقامت بتنظيم صفوفها، والأهم أن هناك عمليات فدائية تتم في الضفة وداخل إسرائيل لا تنطلق بأوامر تنظيمية من الفصائل سيكون من الصعب على إسرائيل الحد منها، لأنها من شباب لا ينتمي لأي تنظيم ويحركه دافع الانتقام من الجرائم الإسرائيلية.
كي الوعي.. الردع بالفظائع
على الصعيد الشعبي، ومنذ “طوفان الأقصى”، سعت إسرائيل لفك الارتباط بين المقاومين والحاضنة الشعبة لهم؛ حيث شهدت مدن وقرى ومخيمات الضفة الغربية هجمات عسكرية غير مسبوقة (تحديدًا في مناطق شمال الضفة الغربية) وتواصلت عمليات الاجتياح شبه اليومية للضفة الغربية ومدنها وقراها؛ مع تجريف الشوارع والأرصفة، بهدف تسهيل عمليات الاقتحامات اليومية، وتعمد التدمير الشامل لأحياء ومرافق مدنية ومرافق الرعاية الصحية والعاملين فيها واستخدام الجيش الإسرائيلي القوة الجوية في الضفة الغربية، في قصف المنازل والمساجد. فضلاً عن حصار المستشفيات والاستهداف المباشر للكوادر الطبية وفرق الإسعاف والإعدامات الميدانية، التي طالت المواطنين وليس المقاومون، منهم الأطباء وطلاب المدارس، من أجل فرض قوة ردعٍ مانعةٍ من الانزلاق نحو انتفاضة ثالثة، لذلك قامت بضربات استباقية متواصلة لمنع “طوفان الضفة”، وشرعت في تنفيذ مخططات دموية في الضفة من خلال تهجير السكان وإعدام المدنيين العزل.
وقد شهدت جنين أكبر معدل للاقتحامات لما تمثله من صمود مماثل لغزة، وأعلنت قوات الجيش الإسرائيلي مخيم جنين منطقة عسكرية مغلقة، وذلك بعد اقتحام المخيم فجر يوم الخميس 13 يونيو 2024، ومحاصرة مناطق في محيطه. ورغم ذلك، بقيت منطقة شمال الضفة خاصة جنين تشكل حالة ارتباك حية ضد إسرائيل تزامنًا مع حرب غزة، مع وجود حاضنة شعبية للمقاومة، لتثبت فشل إعادة هندسة المجتمع الفلسطيني في الضفة الغربية ضمن المفهوم الإسرائيلي في ظل حالة التغريب التي تعرضت لها الضفة على مدار سنوات.
ومع ذلك، فإن إسرائيل رأت أن مستوى القوة لم يكن كافيًا، فقررت من خلال عملية “مخيمات الصيف” تعزيز الردع بالفظائع من أجل إرهاب أهالي المخيمات و”كي وعي” الحاضنة الشعبية عبر تكتيك يعتمد على توجيه ضربات ساحقة إلى المقاومة الفلسطينية المسلحة، وإلى السكان المدنيين على حد سواء، لجعلهما يدركان أن “إسرائيل لا يمكن هزيمتها”، وأن “المقاومة عبث وعواقبها وخيمة عليهما”، والتحريض ضد المقاومة، من خلال توظيف جميع أدوات الحرب من سلاح الجو ومسيرات ووحدات خاصة ومشاركة جهاز الأمن الداخلي “الشاباك”. فضلًا عن الترهيب بنقل نموذج الحرب في غزة إلى الضفة؛ حيث قال وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس: “إن التعامل مع التهديد في الضفة يجب أن يكون بنفس الطريقة الجارية في غزة”، حيث تم فرض حصار مشدد ونشر القناصة فوق أسطح البنايات المرتفعة، وتفجير بعضها وشن حملات اعتقال ومداهمات واسعة وفرض حصار على مداخل المدن والأحياء واقتحام وحصار المؤسسات الصحية والمستشفيات وعرقلة عمل الإسعاف والطواقم الطبية، كما تم قطع الإنترنت، وتدمير البنية التحتية وتجريف الشوارع، وقطع الكهرباء وتدمير خطوط المياه الرئيسية والصرف الصحي.
حسم الصراع.. التهجير والضم
استنادًا للردع بالفظائع والقوة المفرطة، والقضاء على كل مقومات الحياة على النحو الذي يجعل الوضع مأساويًا وتستحيل معه الحياة، يتضح هدف آخر من عملية “مخيمات الصيف”، صرح به وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس الذي قال إن “ما يجري في الضفة الغربية حرب بكل معنى الكلمة، وعلينا الانتصار فيها، وعلينا التعامل مع الضفة الغربية كما نتعامل مع غزة، بما في ذلك الإخلاء المؤقت للسكان”؛ أي أن العملية تشمل هدف تهجير السكان، وتبين ذلك عندما أخطرت القوات الإسرائيلية سكان مخيم نور شمس في طولكرم بمغادرته خلال أربع ساعات مثلما كان يحدث في غزة؛ حيث اضطر فعليًا عدد من الأهالي للنزوح عبر الجبال بعد اتخاذ إسرائيل منازلهم ثكنات عسكرية في الحي الشرقي بمدينة جنين.
والغاية من ذلك تصفية القضية الفلسطينية والرمزية السياسية للمخيمات التي تعد الشاهد على قضية اللاجئين وحق العودة. ومن ثم، يمكن اعتبار تلك الحملة بمثابة مناورة لعملية قادمة في المستقبل القريب تشمل تهجيرًا كاملًا لمخيمات الضفة، وهذا ما سبق وأعلن عنه قائد المنطقة العسكرية الوسطى بالجيش الإسرائيلي آفي بلوت -قبل أسابيع- عندما طالب بإجراء مناورة عملياتية شمالي الضفة مثل ما حدث بغزة. ويأتي ذلك في ظل هدف أشمل يتضمن حسم هوية الدولة والصراع على حساب الفلسطينيين وضم الضفة الغربية وتنفيذ مخطط التهجير لإقامة دولة يهودية نقية عرقيًا في ظل معتقدات هذه الحكومة بالأهمية التي تحظى بها فلسطين خاصة الضفة الغربية باعتبارها “أرضًا يهودية توراتية لا يجوز التنازل أو الانفصال عنها”، طبقًا لخطة الحسم التي تم التوافق عليها عام 2022 بين حزبي الليكود (بنيامين نتنياهو) والصهيونية الدينية (بتسلئيل سموتريتش)، أثناء تشكيل الحكومة اليمينية الائتلافية الحالية، والتي تضمنت أن “الاستيطان في يهودا والسامرة حق للشعب اليهودي وغير قابل للتصرف”.
لذلك، شرعت تلك الحكومة في عملية الضم المتدرج لفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة، عبر إخلاء وتهجير تدرجي للفلسطينيين. وقد استندت إسرائيل في عملياتها على إرهاب المستوطنين مدعومين بقرار وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير بتسليحهم، وإدخال تعديلات على قوانين اقتناء السلاح الشخصي لتوسيع قاعدة من يمكنهم حيازته وتسهيل إجراءات الحصول على رخص السلاح وتخفيف شروط حيازته. ولم ينحصر تسليح المستوطنين على الجيش الإسرائيلي أو وزارة الأمن القومي، وإنما تشارك في ذلك مؤسسات وجهات تابعة للمستوطنين. ومن مؤشرات تعاظم دور المستوطنين إقامة ما يسمى “فرق الطوارئ” أو “وحدات التأهب”، التي انتشرت على نطاق واسع بعد أن استدعى الجيش الإسرائيلي الاحتياطي للخدمة والالتحاق بالحرب على قطاع غزة. وقد استغل المستوطنون هذا الأمر في ممارسة أعمال عنيفة ضد الفلسطينيين وإجبارهم على ترك أراضيهم، حيث شهدت الضفة أكبر عملية استيلاء إسرائيلية (على أراضي الضفة الغربية) تحت مسمى أراضي الدولة. كما جاء قرار وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت في 22 مايو 2024، بإلغاء “قانون فك الارتباط” بالكامل مع شمال الضفة- والذي يعني إعادة المستوطنات التي تم تفكيكها في عام 2005 “شانور، وكيديم، وجنيم” بالإضافة إلى مستوطنة “حوميش”- ليعكس استراتيجية تلك الحكومة وإصرارها على زيادة التوسع الاستيطاني في الضفة، لتطبيق برنامج التهويد والضم وبرنامج الوصاية على الفلسطينيين، ومن ثم تحوّل خطوة الاعتراف بالدولة الفلسطينية مجرد إجراء رمزي يصعب تطبيقه في ظل فرض سياسة الأمر الواقع التي تنتهجها إسرائيل. فضلاً عن استكمال مخططات إقامة “القدس الكبرى”؛ حيث روجت الحكومة لمخططات توسيع وإنشاء مستوطنات في القدس الشرقية من خلال بناء قرابة 7 آلاف وحدة سكنية، منها 2500 وحدة جديدة في كل من مستوطنة “جفعات شاكيد” و”القناة السفلية” و”كدمات تسيون”، في وقت ارتفعت فيه معدلات هدم المنازل والمنشآت المملوكة للفلسطينيين. فضلًا عن مساعي التهويد الكلي للأقصى؛ حيث طالب وزير الأمن الإسرائيلي إيتمار بن غفير في 26 أغسطس الفائت بضرورة البدء ببناء معبد يهودي (كنيس) في المسجد الأقصى، كما أعلن وزير التراث اليهودي عميحاي إلياهو بأن وزارته ستعمل على تمويل جولات تلمودية وتوراتية في الأقصى لعشرات الألآف من اليهود والسياح الأجانب بما يعني نفي كون الأقصى مكانًا إسلاميًا مقدسًا، ونفي الوجود العربي في القدس.
ختامًا، إن بقاء عمليات المقاومة مشتعلة في الضفة الغربية، مع تنوعها واتساع جغرافيتها رغم سقوط مئات الشهداء، وآلاف الجرحى والمعتقلين لا يعني أن المنع الاستراتيجي لانتفاضة ثالثة يُعد مؤشرًا على تحقيق الأمن الإسرائيلي. كما أن تعدد وتنوع العمليات الفدائية يشير إلى قدرة المقاومة على تثبيت قواعد الاشتباك التي أقرتها “سيف القدس 2021” من خلال الربط بين غزة والضفة. وبالتالي، فإن سياسات الحسم التي تنتهجها الحكومة الراهنة، بالاستيطان والضم، والردع بالعنف المفرط تعد جميعها مسببات كافية ودافعة لانفجار مرتقب في الضفة، خاصة في حال تنفيذ مخططات تهجير الفلسطينيين في المخيمات وحصارهم في مدن ومناطق ضيقة في الضفة، من أجل الشروع في إعلان ضم الضفة. كما أن نقل نموذج غزة إلى الضفة ربما لا يساهم في ردع أهالي الضفة، بل على العكس فإن تصاعد خطر التهجير والإبادة سيكون عاملاً لاستنهاض المقاومة الشاملة للحفاظ على بقاءهم ووجودهم، مع عدم التعويل على أي دور دولي رادع لمخططات إسرائيل، خاصة بعد مرور ما يقرب من 11 شهر من الإبادة في غزة دون موقف دولي جاد لوقفها. وسيكون كذلك دافعًا للرد على إسرائيل مع وجود روابط عائلية بين أهالي الضفة الغربية وغزة. كذلك ستبقى كافة السيناريوهات مفتوحة، خاصة مع افتراض اتساع التمرد داخل أجهزة أمن السلطة الفلسطينية رفضًا لعقيدة التنسيق الأمني مع إسرائيل. ومن ثم، فإن مؤشرات التصعيد الإسرائيلي في الضفة الغربية تكشف أن فتح جبهة الضفة سيدخل إسرائيل في مرحلة من الاستنزاف الداخلي دون أن يعود الأمن الذي يواجه اختبارًا صعبًا مع انهيار الردع الإسرائيلي في “طوفان الأقصى”، خاصة وأنها تخوض اشتباكات على جبهات عدة دون أن تحقق نصرًا حاسمًا فيها، بل إن سياسات الاغتيالات التي تبنتها سوف تفرض عليها أن تكون على درجة عالية من الجهوزية والتأهب لحماية جبهتها الداخلية حتى مع وجود مظلة الردع الأمريكية.