شيكاغو تريبيون : على ترامب الاختيار بين روسيا و«الناتو»
ايفو دالدر * وجيمس أم ليندساي ،
واعتبر الحلفاء الأطلسيون بتقريعه لهم. وارتفعت حصتهم من انفاق الناتو الدفاعي، 87 بليون دولار عما كان عليه في 2014 حين تعهد قادة الناتو رفع نفقات الدفاع الى عتبة 2 في المئة من الناتج القومي في عقد من الزمن. وفي 2024، يتوقع أن يبلغ 18 حليفاً أطلسياً هذه العتبة. ويبذل الحلفاء الأموال على وجه أمثل، فأكثر من نصفهم صار ينفق 20 في المئة، على أقل تقدير، من موازنانتهم على العتاد والتجهيزات البارزة أو الضخمة. وعزز الناتو دفاعاته وقدرات الردع في أقرب الدول إلى روسيا. وترابط اليوم قوات أوروبية وأميركية في دول البلطيق الثلاث وفي بولندا. وفي القمة الأطلسية، يُرتقب أن يلتزم قادة الأطلسي نشر 30 فرقة، و30 سرباً جوياً، و30 سفينة حربية، في خلال ثلاثين يوماً. ومثل هذا الانتشار يسرع وتيرة الرد الأطلسي حين وقوع طارئ. وهذه كلها خطوات بارزة ترمي إلى تعزيز دفاعات الاطلسي وشد أواصر لحمته وعزمه. وفي وسع ترامب التبجح بهذه التحسينات ونسبتها إليه. فهي دليل على التزام الحلفاء حصتهم من الدفاع الجماعي. وقمة أطلسية ناجحة تعضد قبضة ترامب حين اللقاء المرتقب بعد أيام مع الرئيس الروسي، فلادمير بوتين، وتظهر أن الناتو سيدافع عن مصالحه، ويجبه المساعي الروسية إلى شق صفوفه.
ولكن يبدو أن ترامب لا يرغب في اغتنام الفرص الناجمة عن هذه النجاحات الأطلسية. ففي الشهر الماضي، أرسل رسائل لاذعة الى نظرائه «الأطلسيين» يحذرهم فيها من تعاظم إحباط أميركا من الناتو، قائلاً أن بلاده لن تتغاضى بعد اليوم عن تخاذل الحلفاء في تحمل حصتهم من التحديات الأمنية. وأهملت الرسائل الترامبية مساعي الأطلسيين الى تقاسم أعباء التحديات- من نشر قواتهم في افغانستان الى رفع مستوى المشاركة في الحرب على داعش وصولاً الى تعزيز الردع في البلطيق.
وأبلغ ترامب زملاءه في الحلف الأطلسي في قمة مجموعة الدول السبع، الشهر الماضي، أن «الناتو سيئ مقدار سوء النافتا (اتفاق التبادل التجاري الحر في شمال أميركا)». وزيادة الانفاق الدفاعي الاطلسي قد تجمل صورة الناتو في عين ترامب، فيجلو على صورة «صفقة جيدة». وأعلن الرئيس الاميركي أن مصلحة بلاده تقتضي سحب القوات الاميركية المرابطة في ألمانيا، وأن كلفة المرابطة هذه باهظة. وهو إلى اليوم لم يقل أن الناتو لا يقتصر على تقاسم الاعباء الدفاعية، وحري به أن يوضح موقفه. فنقاش حول تقاسم الاعباء سيفرق صفوف «الأطلسي». والحلفاء لا يستخفون بالناتو، ويريدون أن تتمسك أميركا به وبالدفاع المشترك. والتشكيك من جديد في التزام الدفاع المشترك، على نحو ما فعل الرئيس ترامب في القمة السابقة، سيقصم ظهر الناتو، ويذرر صفوفه. وقد لا يقيم ترامب وزناً لمثل هذه الانقسامات، مثلما لم يبال بتقسيم مجموعة السبع الشهر الماضي. وشاغله اليوم هو اللقاء الوشيك ببوتين. وترامب لطالما سعى إلى اثبات ان العلاقات الجيدة مع روسيا، ممكنة، وقد يرجح كفة مثل هذه العلاقات على كفة بقاء الناتو موحداً وقوياً. وليست هذه الخطوة في محلها. فلطالما سعت موسكو الى شق صفوف الناتو في الحرب الباردة وما بعدها. وانتهج بوتين استراتيجية ترمي الى تقسيم «الأطلسي» منذ أكثر من عقد.
ويسع ترامب أن يصل الى هلسنكي (العاصمة الفنلدنية التي تستضيف القمة الاميركية – الروسية) بصفته قائد «الاطلسي» الموحد والقوي فيواجه الرئيس الروسي من موقع قوة. ولكن إذا خلف وراءه حين مغادرة بروكسيل حلف الشمال الأطلسي مذرراً ومقسماً، فاوض بوتين من موقع ضعف.
* سفير أميركي سابق في حلف شمال الاطلسي، ونائب رئيس مجلس العلاقات الخارجية، صاحب «العرش الشاغر: تنازل أميركا عن القيادة الدولية»، عن «شيكاغو تريبيون» الاميركية، 9/7/2018،