شموئيل روزنر يكتب – درس المسؤولية
معاريف – بقلم شموئيل روزنر – 18/10/2018
مشكلة غزة تتجاوز بكثير حدود اسرائيل ومصر. فمشكلة غزة تعكس تطورات دولية ليس لاسرائيل سوى تأثير محدود عليها، امزجة في عواصم العالم، تجربة متراكمة للاعبين في الساحة العالمية. لقد بدأت مشكلة غزة منذ زمن بعيد، ولكن جذور الصعوبة الحالية لمعالجتها يمكن أن نبحث عنها في العقد الماضي، في افغانستان وفي العراق. هذا هو العقد الذي حسم، لزمن ما على الاقل، الجدال على الضرر والمنفعة في ما درج على تسميته “نيشت بلدنغ” – بناء الامم.
غزة بحاجة الى اعمار. كي يكون أملا في ان تصبح – ذات مرة – جارا محتملا، عليها أن توفر شروط حياة معقولة لسكانها، تحتاج لحكم مستقر قادر على ان يوفر الامن والنظام. غزة غير قادرة على ان تخرج من داخل نفسها اجراءات الاعمار. فسكانها ضعفاء ويخضعون لحكم طغيان. للحكم نفسه – قيادة حماس – توجد مصلحة في الحفاظ على اجواء الاضطراب، ومصلحة قليلة في رفاه السكان. وجهتها الى مواضيع هامة اكثر في نظرها. ومرشحون محتملون في نظر أنفسهم ليحلوا محل حماس – مثل ابو مازن ورفاقه – غير مستعدين لان يدفعوا الثمن اللازم لحرب داخلية ضروس ومضرجة بالدماء، الانتصار فيها بعيد عن ان يكون مضمونا.
على أي حال، فان المرشحين الوحيدين لإنقاذ غزة من وضعها هم لاعبون خارجيون. غير ان اللاعبين الخارجيين تعلموا درسا هاما في العقد الماضي: بناء الأمم هو امر معقد. فهو باهظ الثمن، مضرج بالدماء، طويل الأمد، معقد، وفي أحيان قريبة – وربما بشكل عام – يفشل. العراق هدأ منذ أيام الحرب القاسية لمنتصف العقد الماضي، ولكنه لم يصبح جنة عدن غربية مثلما امل في مهندسو الحرب إياها. أفغانستان لا تزال ثقبا نائيا وغير قابل للسيطرة. المليارات سكبت في هذه الابار العميقة، وامتدت صفوف القبور، واشتعلت الجدالات العامة، ونبش الجيران، كل واحد في صالح نفسه. اما الأمم فلم تبنى. من اعتقد – وكان هناك من اعتقد – بانه يمكن ان يجرى في الشرق الأوسط ما اجري بعد الحرب العالمية الثانية في اليابان وفي المانيا – بلا شك اخطأ. لا يمكن.
لقد تعلمت إسرائيل هذا الدرس قبل ذلك حين حاولت هندسة لبنان ليتلاءم مع اغراضها في الثمانينيات، وعندما حاولت هندسة قيادة فلسطينية لاغراضها في التسعينيات. هي الأخرى فشلت. لبنان لم يصبح دولة مزدهرة وجارا مريحا في اعقاب حرب لبنان الأولى. السلطة الفلسطينية لم تجلب النجاة للنزاع الإسرائيلي – الفلسطيني في التسعينيات. يتبين أن هناك أمورا على الشعب ان تفعلها بنفسها. الى أن يفعل اللبنانيون ما يجب – وليس هناك أي مؤشر على ان هذا سيحصل، لا غد ولا بعد غد – فان دولتهم ستكون فسيفساء قبائل متخاصمة تعيش في مواجهة. والى أن يتخذ الفلسطينيون وينفذوا قرارا بتوجيه مقدراتهم الى هدف أخر ليس للحرب ضد إسرائيل، بل لبناء مؤسسات وحياة عادية للفلسطينيين – فان الأماكن التي سيعيشون فيها ستبقى تدور بين البؤس الكبير والبؤس المتوسط.
ليس هناك من يأخذ المسؤولية عن غزة، لان العالم تعلم درس المسؤولية. وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، كولين باول، عبر عن هذا جيدا عندما استخدم تعبير “كسرتَ – انتهى” في سياق العراق. من سيكسر حكم حماس سيتعين عليه أن يوفر جوابا على سؤال ما سيأتي محلها. من يعتقد ان من سيأتي محلها هي السلطة الفلسطينية، سيتعين عليه أن يشرح فيمَ ستكون مختلفة هذه المرة عن المرة السابقة التي حصلت فيها السلطة على الفرصة للحكم في غزة. من يعتقد ان على إسرائيل أن تأخذ المسؤولية عن اعمار غزة سيتعين عليه أن يشرح لماذا ستنجح إسرائيل حيثما فشلت هي نفسها في الماضي البعيد، وحيثما فشلت أمريكا العظيمة والقوية في الماضي القريب.
اعمار غزة هو فكرة جميلة، إنسانية جدا، باعثة على العطف جدا. سيكون خيرا لإسرائيل اذا ما عمرت غزة. سيكون خيرا للغزيين البائسين اذا عمرت غزة. يتبقى أن نستوضح امرا واحدا فقط: من مستعد لان يأخذ المسؤولية عن غزة؟ من مستعد لان يعود الى الاستراتيجية الفاشلة لبناء الأمم؟ أمريكا؟ لا أمل. مصر؟ حكيمة جدا. باقي العالم؟ بالتأكيد – هو سيأتي فورا بعد أن ينتهي من اعمار أفغانستان. وبالتالي قليلا من الصبر.