ترجمات أجنبية

شرخ في لبنان ينكشف باغتيال وسام الحسن

مركز الناطور للدراسات والابحاث

 شكلت المخاوف من امتداد الأزمة السورية إلى لبنان رادعاً دائماً لكلا الطرفين، وهذا من الأمور القليلة التي تتفق عليها الطبقة السياسية اللبنانية المنقسمة بامتياز.

علم وسام الحسن أنه مستهدف… فبينما كان يقدم تقريراً إلى قادة المعارضة اللبنانية الأسبوع الماضي عن القضية التي علّق مسيرته المهنية عليها، أخبرهم رئيس فرع المعلومات هذا أن الاغتيالات عادت لتطارد لبنان، لكن مضيفيه “المحاصرين” في منازلهم منذ مطلع الصيف ما كانوا بحاجة إلى هذا التحذير.

قدم الحسن أدلة تعزز التهم الموجهة إلى إحدى الشخصيات اللبنانية البارزة، وزير الإعلام السابق ميشال سماحة، الذي يُقال إنه تعاون مع مسؤولين سوريين في التخطيط لعمليات تفجير شبيهة بالعملية التي أودت بحياة هذا اللواء المتمرس يوم الجمعة الماضي.

لقي الحسن حتفه عندما مزقت قنبلة السيارة التي كان يعبر فيها زحمة سير في إحدى المناطق شرق بيروت، ما أدى أيضاً إلى مصرع ما لا يقل عن سبعة أشخاص وجرح العشرات.

نتيجة لذلك، بات احتمال امتداد العنف في سورية إلى لبنان الهش المنقسم طائفياً أكثر حتمية. فلا تكاد هذه المنطقة المتعددة الطوائف والفرق تحافظ على تماسكها، بينما تواصل سورية غليانها. ويبدو أن الطوائف اللبنانية المجزأة تنجذب تدريجياً نحو صراع يخشاه اللبنانيون، إلا أنهم لا يستطيعون منعه.

تُعتبر القضية التي شكّلها الحسن ضد سماحة غير مألوفة في لبنان، حيث يتمتع كبار المسؤولين بحصانة دائمة وقلما يُحاسبون. حتى إن مَن ينعمون بعلاقات قوية، مثل سماحة، لا يمكن المساس بهم.

لكن الحسن قال إن هذه القضية مختلفة. ولا يعود ذلك إلى ثقل الأدلة الموجهة ضد المتهم، الذي سجل أحد أعوانهم كلماته وهو يقر بأنه حصل على متفجرات من علي مملوك، رئيس مكتب الأمن القومي السوري.

أضف إلى ذلك اتصالات الوزير السابق التي تجرّمه، حسبما يُقال، فيبدو أن سماحة سجّل محادثاته المهمة وأنزلها بعد ذلك على جهاز الكمبيوتر الخاص به. وقلما تكون الأدلة التي تقدمها جهة الادعاء أقوى.

لم يحاول المسؤولون السوريون إخفاء مطالبتهم بتحرير سماحة وإسقاط الدعوة المقدَّمة ضده. لكن الحسن تحداهم، خطوة اعتبرها منتقدوه مجنونة، في حين بدت لداعميه عملاً يعزز أسس الأمة. فقد رأى مؤيدوه في تداعي السلطة في سورية فرصة طال انتظارها ليؤكد لبنان سيادته في وجه جارته التي لا تكفّ عن التدخل في شؤونه.

شجّع إصرار الحسن عدداً من المسؤولين الغربيين في بيروت، حتى إن بعض كبار الدبلوماسيين ظنوا أن من الممكن استصدار مذكرات توقيف دولية ضد أعضاء من قلب الطبقة الحاكمة في سورية، علماً أن هذه الخطوة غير مسبوقة.

علاوة على ذلك، شعر بعض الأسياد الإقطاعيين في لبنان بتغيّر توجهات القاعدة الشعبية، التي قلما دعمت مصالح الدولة، إن كانت هذه المصالح تتضارب مع رغبات أربابها في الخارج. ذكر أحد القادة اللبنانيين في بيروت أخيراً، متحدثاً عن الحسن: “قلت له إن عليه توخي الحذر، فأجابني بأن علي أنا توخي الحذر. ورحنا نضحك”.

قبل قضية سماحة، كان الحسن يُعتبر من أهم المسؤولين المعارضين للنظام السوري في لبنان، فبصفته رئيس فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي، كان واحداً من مسؤولَين استخبارتيَّين أساسيَّين في البلد.

أما اللاعب الأساسي الآخر، فهو جهاز استخبارات الجيش، الذي لطالما انحاز إلى سورية والنصف الآخر من القادة اللبنانيين، أي تحالف الثامن من آذار الذي ما زال يدعم دمشق خلال حربها الأهلية.

يُعتبر الحسن من أبرز داعمي تحالف 14 آذار، الذي يحمل هذا الاسم تيمناً بيوم انطلق ثورة الأرز، التي حررت لبنان من الهيمنة السورية عقب اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق، رفيق الحريري، في 14 شباط عام 2005. وما من اغتيال آخر منذ ذلك الحين هزّ لبنان إلى هذا الحد، إلا مقتل الحسن.

لطالما شكلت الاغتيالات جزءاً من عالم السياسة اللبناني، ومع تدهور الأوضاع في سورية طوال هذه السنة، تلقى كل مسؤول بارز في تحالف 14 آذار في مرحلة ما تهديداً بالقتل.

يعيش رئيس الوزراء اللبناني السابق، سعد الحريري، في المنفى، متنقلاً بين الرياض وجدة وباريس، منذ أن أطاحت به الكتلة الموالية لسورية في شهر يانير من السنة الماضية.

أما حليفه المسيحي الأبرز، سمير جعجع، فقلما غادر مقر إقامته في شمال لبنان منذ شهر مايو، فرغم ذلك، تعرّض لمحاولة اغتيال فاشلة. فبينما كان يتنقل في حديقة منزله في وقت سابق من هذه السنة، أطلق عليه قناصان من على بعد 700 متر رصاصتين أخطأتا هدفهما بنحو 30 سنتمتراً.

أما زعيم الدروز وليد جنبلاط، الذي لا يكف عن التأرجح بين التحالفين والذي تُبقي كتلته النيابية الحكومة متماسكة، فحاول تفادي بيروت في الآونة الأخيرة، مفضلاً البقاء في قلب منطقته في جبال الشوف اللبنانية.

شكلت المخاوف من امتداد الأزمة السورية إلى لبنان رادعاً دائماً لكلا الطرفين، وهذا من الأمور القليلة التي تتفق عليها الطبقة السياسية اللبنانية المنقسمة في الصميم.

كان من الممكن حتى اليوم احتواء التوتر في بعض جيوب لبنان، مثل طرابلس في الشمال، حيث تعيش أقلية علوية بين أكثرية سنّية، وفي بعض مناطق بيروت، التي تضم خليطاً من السنّة والشيعة. حتى إن اللبنانيين بدأوا يتحدثون عن جو جديد من المرونة لا تثق بعض الطوائف ببعض، إلا أنها لا تود العودة إلى الحرب الأهلية.

لكن اغتيال شخصية بارزة وداعمة للكتلة المعارضة للأسد، مثل الحسن، قد يقلب هذا الوضع رأساً على عقب. بحلول الليل، كان فريق 14 آذار قد بدأ بتوجيه أصابع الاتهام. فاشتعلت الإطارات في شوارع بيروت الرئيسة. وراحت الطلقات النارية تبدد سكون الليل في العاصمة بيروت ومدينة طرابلس.

أخبر الحسن داعميه الأسبوع الماضي أنه سيتمسك بمبادئه مهما كان الثمن، ولا شك أن لبنان سيصبح مكان أشد خطورة من دونه.


كتب
: Martin Chulov – The Guardian

قسم الترجمة – الجريدة – 23/10/2012

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى