أقلام وأراء
شجاع الصفدي: لقد قررت حماس ان تحارب “7”: الخلل في معايير النصر والهزيمة
شجاع الصفدي 31-3-2024: لقد قررت حماس ان تحارب “7”: الخلل في معايير النصر والهزيمة
قبل بدء أي معركة يحسب الأطراف المتحاربين حسابات دقيقة لقدراتهم العسكرية واللوجستية والمدة الممكنة لصمود الجبهة الداخلية، وكافة العوامل المحيطة سياسيا وجغرافيًا ، وهكذا تحدّد معايير النصر والهزيمة ، ويبنى عليها السلوك العسكري والدبلوماسي لكل طرف خلال المعركة حسب تطورات الموقف ومسارات القتال.
وفي إسقاط تلك المعطيات والعوامل على الحرب الجارية في غزة ، تبدو كل المعايير المتعارف عليها للنصر أو الهزيمة غير منطقية ، ولا تخضع للحسابات المسبقة.
وإذا عدنا لفترة الهدوء المتأرجح ما قبل السابع من أكتوبر ،كانت تتصاعد النبرة والتصريحات حول ضرورة القضاء على حكم حماس في غزة، وتتوالى التهديدات عبر الإعلام، ولكن على أرض الواقع كان شراء الهدوء من خلال الوسيط القطري سيد الموقف، لكن الطرفين كانا يعلمان أن المواجهة آتية لا محالة، وكانت تصدر تصريحات من حين لآخر أن تلك المواجهة تقترب .
اللافت أن التصريحات من جهة حما.س كانت سابقا من قيادات ليست صاحبة قرارات كبرى، وتكاد تقتصر على خطابات جماهيرية حول معركة التحرير ،ولم يكن أحد يأخذ تلك التصريحات على محمل الجد، بل إن بعض الشخصيات كانت تصريحاتهم مثارا للسخرية عند المتابعين للوضع السياسي.
التصريح الأبرز والأخطر والذي شكل فرقا حول جدية ما يجري في الكواليس ما بين بيروت وطهران وغزة، كان تصريح العا.روري من بيروت خلال مؤتمر في ١٣ فبراير ٢٠٢٣ والذي قال فيه : ” نحن على أعتاب معركة مقدسة، يسمح بها الظرف الإقليمي والدولي والمحلي “.
المستغرب أن قادة الاحتلال آنذاك لم يتلقفوا تلك التصريحات واضحة المعنى حول اقتراب الحرب، مما يثير تساؤلا ، هل خدعتهم حماس حقا، أو أنهم أدركوا ما يجري وانتظروا وتجهزوا لردة الفعل؟.
كان هنالك تنسيقا محوريا بين عدة أطراف لبدء معركة ، ورغم ذلك استمر العمل من الوسيط القطري على احتواء الوضع ماليا لضمان الهدوء ما أمكن، وصولا لنقطة الصفر والتي تجاوزت كافة التوقعات وكافة التحليلات بنتائجها الصادمة.
بدأت الحرب فجأة، فيما أبدت حماس استعدادا عسكريا كبيرا ، وتجهز مقاتلوها لتنفيذ مهمة كبرى، لكن أحدا أمام نشوة المفاجأة لم يسأل نفسه: هل جميع الوحدات وفِرق الجيش في غيبوبة؟، هل حقا وقعوا تحت تأثير الصدمة مما شلّهم عن القتال؟
بضعة أيام ، وانتهى القتال خلف السياج، وتبدلت الأدوار، والذي بدا مدافعا أصبح في موقع هجوم متقدم يدعمه العالم بأكمله، وتكشفت حقيقة الخطأ الذي تحدث عنه القيادي العاروري حول الظرف الاقليمي والدولي والمحلي، واتضح أن حجم الوعود من المحور المزعوم ما هي إلا إرهاصات وهمية، والمساندة تكاد تكون معنوية أكثر منها عسكرية، وهذا لم تحسبه حماس للأسف، والتي توقعت أو ظنت أن الجميع مستعد للقتال، بينما الحقيقة أن غزة كانت القربان .
على الصعيد العسكري كان دخول غزة أمر شبه أسطوري، والحديث يدور طوال سنوات عن خسائر لا يمكن تحملها، وأن الجبهة الداخلية الفلسطينية ” متماسكة”، بينما لن تصمد الجبهة الداخلية الإسرائيلية أمام حرب طويلة!، كان هذا هو الظن السائد ، بينما الواقع على الأرض أثبت العكس، لم تكن هنالك موانع عملاقة أمام دخول غزة ، استبسل المقاتلون قدر الإمكان، لكن التقدم لم يكن عسيرا ولا مكلفا للحد الذي لا يتحمله الاحتلال، كما أن المعركة دارت دفاعيا فقط،لم يكن هنالك خطر حقيقي يشكل عائقا أمام استمرار الحياة الطببعية في “إسرائيل”، ولذلك لم يتشكل الضغط الكافي لتقليص أمد المعركة بما يخدم الخطط النظرية التي افترضتها حماس.
ومن الجانب العسكري لم تكن هنالك إطلاقات تذكر، وتلاشت التصريحات الكبيرة عن دفاعات جوية، ومسيّرات ،ولم يبرز الكورنيت ،ولم تتوقف مطارات أو أي نشاطات مدنية معتادة ، مما يخلق احتمالين، إما أن ذلك استراتيجية لتحافظ حماس على ما تبقى ، أو أن الضربات أدت فعلا لتعطيل القدرة على ذلك ، وأيضا اكتشاف وتدمير عدد كبير من الأنفاق والمقدرات القتالية، مما جعل غزة مستباحة فعليا ،ولا عوائق سوى صمود بعض جيوب المقاومة التي لا خيارات لديها سوى الدفاع لآخر رمق.
وبينما يتشرد مليونا مواطن في غزة،ينتظرون المجهول، أبصارهم تتجه نحو الدوحة ، وينتظرون أن تأتي أي بشائر تتعلق بالهدنة والعودة إلى ركام بيوتهم، وطبيعة أي اتفاق لا تشكل أي فرق ، لأن الكل أدرك الخلل الفادح في معايير النصر والهزيمة، ولن يهتم لأي تفاصيل ، طالما الاتفاق يحمل وقفا لسلسلة الموت ، والعودة للعيش بين الأطلال .