أقلام وأراء

شجاع الصفدي: لقد قررت حماس ان تحارب (20): حرب الوعي وصورة النصر في اغتيال السنوار

شجاع الصفدي 21-10-2024: لقد قررت حماس ان تحارب (20): حرب الوعي وصورة النصر في اغتيال السنوار

حرب الوعي، مسمى قسم خاص ذو إمكانات هائلة لدى دولة الاحتلال، يعكف على تصدير المشهد الذي يخدم المصلحة الأمنية والسياسية للدولة، كما يعكف على صناعة الأحداث والموضوعات التي تتصدر الرأي العام سواء محليا بما يتعلق بالصراع ، أو دوليا بما يخدم الرواية ” الإسرائيلية” .

هذا القسم موجود في معظم الدول مع اختلاف مسمياته و المهام المناطة به، وارتباطه بوسائل الإعلام وثيق جدا، كونها الطريقة الأسرع انتشارا .

أحداث كثيرة ومتغيرات كبيرة مرت بها المنطقة العربية خلال العقدين الأخيرين ، وترسخت مشاهد في أذهان الناس ، بعضها كان تمجيدا وبعضها كان تعمد الصورة الذليلة واضحا، وكأنه يقدم للآخرين النموذج، أو يبرز الفاعل بصورة المنقذ المخلّص من الظلم .

أحيانا تكون الفوضى المحبطة بالحدث هي أيضا متعلقة بالوعي، أن يترك الأمر على سجيته للفوضى ، مثلما حدث مع الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي الذي ترك للميليشيات المسلحة التي تصرفت بطريقة بشعة ومذلة. في حالات أخرى مثل الرئيس العراقي الراحل صدام حسين ، كان واضحا اصطناع المشهد وأن الرجل لم يقبض عليه في ذات المكان، بل سُجن وجُوّع وأهمِل لفترة ، ثم تمت صناعة الحدث بالقبض عليه بالطريقة التي رأيناها عبر قنوات التلفزة .

لاحقا ظهر صدام في جلسات المحكمة أسدا هصورا يناور ويناقش ويحاجج، وكان من الممكن ألا يتم تصوير ذلك مطلقا، لكن المشرف الأمريكي على حرب الوعي أراد أن يظهر أن أمريكا صانعة الديمقراطية، منقذة الشعوب، والعراق تحاكم رئيسها بالقانون وتعطيه فرصة الدفاع عن نفسه!!.

في مشهد الختام ظهر صدام متماسكا، رابط الجأش، أعدِم مُوحدا تاركا أثرا نفسيا أدخل الكثيرين في حيرة ، حتى من خصومه، اختلطت المشاعر بطريقة عجيبة، لو لم تكن مقصودة، كان يكفي كتم الصوت من المشهد ليصبح الأمر مشهد إعدام تقليدي سرعان ما يتلاشى من الأذهان.

فلسطينيا، ما زال عالقا في الأذهان مشهد الرئيس ياسر عرفات والشعب يودعه قبل سفره إلى فرنسا للعلاج، كان عرفات في حالة صعبة ، والوعي ليس سليما، ظهر على قناة الجزيرة وهو يقبل يد الطبيب المرافق بطريقة محزنة ، ترسخت في الوعي الفلسطيني لأجيال.

بعد مرور عام كامل على الحرب المدمرة على غزة، أعلن الاحتلال تمكنه من قتل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس يحيى السنوار، وفق رواية الاحتلال كان ذلك محض مصادفة، تمكنت قوة من جيش الاحتلال من رصد مسلحين وخوض اشتباك أدى لاستشهاد المقاومين، لتكتشف أن الهدف هو قائد حماس .

كان واضحا مرور بعض الوقت على الجثمان بعد الاستشهاد ، وتم نشر الصور وتعميم رواية خاصة بالاحتلال، أيا كانت الرواية لكنها خرجت بطريقة أفقدت نتنياهو صورة النصر المرتقبة، فما السبب؟

هل تسرعت الوحدة المسؤولة وتفاخرًا قامت بنشر الصور مما جعل الرواية متسرعة وليس كما يشتهي قادة الاحتلال؟

غالبا ذلك لا يحدث، لأن الرقابة لدى جيش الاحتلال صارمة ونادرا ما تحدث تسرييات غير حيوية .

يقول أمس مسؤول قسم حرب الوعي في دولة الاحتلال أنهم لا يستطيعون قراءة كيف تفكر حماس، وأنهم نشروا الصور ظنا أن هذه نهاية مذلة لكنها تحول لانتصار رمزي !.

تصريح هزلي يتلاعب بالمشاعر، فمن نشر الصور يدرك أنها صورة لرجل قضي مقاتلا حتى النهاية ، ويدرك أن ذلك سيحفر في الأذهان طويلا صورة القائد المقاتل في صورة مغايرة لما كان ينشر عن السنوار، فهل يمكن أن يفوت ذلك على مسؤولي الأمن والمختصين ؟

ولأنه لا شيء يحدث اعتباطا في السياسة، فلا يجب أن نأخذ الرواية الإسرائيلية ونسلم بها، حتى لو كانت تتوافق مع رغباتنا ومصالحنا، بل واجب التمحيص والتدقيق في أسباب ودوافع ذلك، وما وراء الخبر .

من المحتمل أن نشر صور السنوار مقاتلا، دون السعي لتغييرها، أو نقله لنفق أو تغيير هيئته، أو حتى إظهار الأمر كأنه اغتيال مقصود مبني على معلومات استخبارية، يعود للصراع السياسي الداخلي بين نتنياهو والأقطاب المركزية مثل غالانت وهاليفي، وهم الجهة المركزية الآمرة لوحدات القتال، الذين سارعوا لإعلان القضاء على السنوار أثناء القتال، بما نزع صورة الانتصار التي كان يطمح نتنياهو للتتويج بها بطريقته.

الآن بات استحقاق إعادة الأسرى أكثر بروزا، ومهما تمسك نتنياهو بالعناد والمكابرة فالاستحقاق قادم لا محالة، عامل الوقت متغير من مرحلة لأخرى، وما كان يصب في صالح نتنياهو أمس، تغير اليوم، ولن يكون كذلك غدا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى