أقلام وأراء

شاكر رفايعة يكتب – القضية الفلسطينية مصيرية للأردن ونشاط دبلوماسي لتركيا

شاكر رفايعة  *- 19/2/2021

الأردن يحتاج إلى كل من يسانده في مسألة قيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية وتجنب سيناريو “الوطن البديل” ومخاطره على النسيج الاجتماعي في المملكة التي يتحدّر حوالي نصف سكانها من أصول فلسطينية.

مع ظهور بوادر تسوية للأزمتين الخليجية والليبية وآمال إحياء عملية السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل واستقرار الأمر الواقع في سوريا، تبدو العلاقات الأردنية التركية مرشحة نظريا لفترة من الهدوء والتحسن في غمرة سنوات المد والجزر خلال العقدين الأخيرين.

تتلاقى مواقف أنقرة وعمّان بوضوح حين يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية. كلا البلدين يطالبان بإقامة دولة فلسطينية ويرفضان ما تسمّى “صفقة القرن” وخطة إسرائيل لضم الأراضي في الضفة الغربية، وكذلك الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.

وفي حين قد يكسب الأردن داعما جديدا لمسألة يعتبرها مصيرية وذات تأثير مباشر على استقراره السياسي والاجتماعي، سيكون بوسع أنقرة تعزيز اتصالاتها السياسية وحضورها الدبلوماسي في المنطقة.

على مدار الأزمة الخليجية التي نشبت في 2017 وانفرجت في اتفاق العلا في السعودية أوائل العام الحالي، استطاع الأردن الحفاظ على علاقاته ولو بالحد الأدنى أحيانا مع دول الخليج، بما فيها قطر حليفة تركيا.

لا يخفي الأردن معارضته للتدخلات العسكرية التركية في سوريا بسبب تأثيراتها الأمنية والاقتصادية المباشرة على المملكة. وسبق للأردن أن وصف الوجود التركي على أراضي جارته الشمالية بالاحتلال.

قبل حوالي سنة، انتقد العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني أنشطة تركيا في ليبيا واعتبرها عاملا مزعزعا للاستقرار في هذا البلد الذي تدفقت عليه الأسلحة التركية والمرتزقة لدعم حلفاء أنقرة من الإخوان والجماعات المسلحة المتحالفة معهم.

أنقرة تدعم الدور الأردني في الإشراف على المقدسات، الذي تمارسه عمّان منذ العشرات من السنين لكنها الآن تخشى من تهديد هذا الدور ضمن صفقات سياسية مع إسرائيل أو تسويات قد تشمل الإقليم بأكمله

لكن ليبيا اليوم تشهد هدوءا وعملية سياسية بضغوط دولية وبرعاية الأمم المتحدة مع توقعات بتشكيل حكومة ليبية موحّدة خلال الأيام القليلة القادمة. ومن جهة ثانية، يسير الخليج نحو المصالحة أو التفاهم التدريجي وتجاوز أسباب الخلاف.

تركيا والأردن يحاولان الآن الاستفادة سويا من المعطيات الإقليمية الجديدة والتحولات المرجح أن تطرأ على العلاقات الدولية وتشابكاتها بقضايا الشرق الأوسط مع إدارة جو بايدن التي تنادي بعودة عملية السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل لكن من غير المتوقع أن تبدأ بعلاقات جيدة مع أنقرة.

الأردن يحتاج بشدة إلى كل من يسانده في مسألة قيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية وتجنب سيناريو “الوطن البديل” أو “الترانسفير” بمختلف أشكاله وتلوّناته ومخاطره على النسيج الاجتماعي في المملكة التي يتحدّر حوالي نصف سكانها من أصول فلسطينية.

كما تمثل “الوصاية الهاشمية” على الأماكن المقدسة في القدس أحد أركان الخطاب السياسي الأردني منذ تأسيس المملكة قبل مئة عام. وهي تشكّل واحدا من جوانب “الشرعية الدينية” للنظام الملكي، وقد اعترفت بها معاهدة السلام بين الأردن وإسرائيل في 1994.

تدعم أنقرة الدور الأردني في الإشراف على المقدسات، الذي تمارسه عمّان منذ العشرات من السنين لكنها الآن تخشى من تهديد هذا الدور ضمن صفقات سياسية مع إسرائيل أو تسويات قد تشمل الإقليم بأكمله.

العلاقات التركية مع كبرى الدول العربية ليست بخير منذ أحكم حزب العدالة والتنمية بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان قبضته على السلطة في تركيا وباتت العلاقات تتراوح من الفتور والتوتر إلى العداء.

تركيا في حالة عداء مع نظام الرئيس بشار الأسد وتحتل جزءا من الأراضي السورية. وهي في حالة شبيهة مع مصر منذ سقوط حكم الإخوان قبل ثماني سنوات. كما يسود التوتر عموما علاقات تركيا مع العراق والسعودية والإمارات.

إذا كانت تركيا، التي تقيم علاقات طبيعية مع إسرائيل منذ 1949، تريد النفاذ أكثر إلى صلب قضايا الشرق الأوسط وتشكيل تحالفات ومحاولة تقليص عدد الأعداء في المنطقة، فالقضية الفلسطينية ربما تفي بالغرض.

القضية الفلسطينية ومحورها المفاوضات المتوقفة بين الفلسطينيين وإسرائيل، أصبحت مفتوحة الآن على كل الاحتمالات والتدخلات الدولية والإقليمية، وذلك في أعقاب توقيع “اتفاقيات أبراهام” بين إسرائيل وأربع دول عربية العام الماضي وتولي جو بايدن رئاسة الولايات المتحدة.
الحضور التركي في القضية الفلسطينية سيكون على تماس مباشر مع السعودية التي تدعم حل الدولتين وكانت وراء إعلان المبادرة العربية للسلام في 2002، لكنها لم تعارض اتفاقيات التطبيع الأخيرة التي عقدتها الإمارات والبحرين والمغرب والسودان مع إسرائيل.

القضية الفلسطينية ومحورها المفاوضات المتوقفة بين الفلسطينيين وإسرائيل، أصبحت مفتوحة الآن على كل الاحتمالات والتدخلات الدولية والإقليمية

أنقرة ستقترب أيضا من مصر التي ظلت على مدى سنوات طويلة تنهض بدور الوساطة في المفاوضات بين الفلسطينيين وإسرائيل وأيضا في ما بين الفلسطينيين أنفسهم، المنقسمين على حركة فتح وحماس، حليفة أردوغان.

أكثر ما يثير قلق الأردن من السياسات التركية هو الدعم الذي يقدمه أردوغان لجماعات الإسلام السياسي في المنطقة العربية ومنها المجموعات المسلحة في سوريا، جارة البلدين، وليبيا وأيضا الإخوان المسلمون الذين لا تزال الحكومة الأردنية تسمح لهم بالعمل السياسي في المملكة، على أنها تمكنت في السنوات الأخيرة من إضعاف شعبيتهم وإحداث انشقاقات داخل تنظيم الجماعة.

حالة الإعجاب بأردوغان في المجتمع الأردني المحافظ المتديّن بطبعه، جاءت بتأثير من دعاية الإخوان والإسلاميين عموما التي تصوره زعيما للعالم الإسلامي وسلطانا للعثمانيين الجدد وتتغافل عن حقيقة التدخل العسكري التركي المباشر في ثلاث دول عربية ومسلمة.

لكن هذا التغافل وشحن الشعور الديني لدى الأردنيين وتسويق الحنين إلى الخلافة العثمانية عبر تركيا العلمانية، تنسحب أيضا على نظرة الإسلاميين إلى النظام السياسي الذي يمجد “الثورة العربية الكبرى” على الدولة العثمانية في 1916 ويعتبرها أولى مقدمات تأسيس المملكة وواحدة من مقوماتها الرئيسية.

* شاكر رفايعة  –  كاتب أردني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى