شاؤول هرئيلي : اسرائيل يجب عليها الاصغاء لما يقوله السنوار

هآرتس – بقلم شاؤول هرئيلي – 6/6/2018
لقد كتب كمية لا بأس بها عن الضرر الذي تسببت به حماس للمصلحة الوطنية الفلسطينية كما أملتها وادارتها م.ت.ف برئاسة ياسر عرفات ومحمود عباس منذ العام 1988. سواء في الانقسام والسيطرة على قطاع غزة التي تمس بمكانة م.ت.ف كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، كما اعترفت بذلك الجامعة العربية في 1974 والامم المتحدة في اعقابها واسرائيل في 1993، أو الحفاظ على صورة النزاع في كل ما يتعلق بـ “حق العودة” – مثلما تم التعبير عنها في احداث الشهر الماضي والتي سميت بـ “مسيرة العودة”.
اضافة الى ذلك يمكننا رؤية الكثير من الالوان الرمادية في تصريحات رئيس حماس يحيى السنوار الذي يسوي الصف مع موقف م.ت.ف ايضا في هذه المسألة. ولكن احتمالية تطبيقها لتصل الى اتفاق مرتبطة اساسا باسرائيل والولايات المتحدة، التي تقف بدون شرط الى جانبها.
الفلسطينيون رفضوا في 1948 مثل كل العالم العربي قرار 194، الذي يشكل القاعدة لمطالبتهم بحق العودة. لقد عادوا ورفضوا، خلافا لمصر والاردن وسوريا، قرار 242 الصادر في العام 1967 لأن هذين القرارين تطرقا للحقوق الفردية لهم كلاجئين وتجاهلا تماما حقهم الجماعي في تقرير المصير واقامة دولتهم المستقلة.
في 1988 حدث تغير دراماتيكي في مواقف م.ت.ف، الذي لم يتجاوز مسألة اللاجئين مثل باقي القضايا الرئيسية في النزاع الاسرائيلي الفلسطيني (الحدود والقدس والامن). هذا التغير كان في اطار صفقة الرزمة التي اساسها: التنازل عن 100 في المئة من الوطن فلسطين مقابل دولة فلسطينية على 22 في المئة منها. ومثلما صرح عباس في مقابلة مع “العربية” في 1988 “لقد ضاعت فرصة التقسيم من العام 1947، وقبلها ضاعت فرصة تقسيم لجنة بيلي، لكننا لا نريد اضاعة فرصة اخرى. بناء على ذلك قبلنا بتقسم 1948 و1967 الذي لا يتضمن اكثر من 22 في المئة من ارض فلسطين التاريخية”.
التغير في الموقف بالنسبة للاجئين كان نتيجة الادراك بأن التنازل عن حق العودة، الذي يهدد الطابع اليهودي لاسرائيل، هو الثمن المطلوب مقابل الحق في دولة مستقلة. هكذا اجاب في ذلك العالم أبو اياد، نائب عرفات، على رسالة “النقاط الـ 15” التي ارسلها القسم السياسي الامريكي لـ م.ت.ف، الذي أراد فحص امكانية دمج م.ت.ف في عملية سياسية: “حق العودة لا يمكن تحققه من خلال المس بمصالح اسرائيل، بل يجب علينا أن نأخذ في الحسبان الوضع الذي نشأ منذ العام 1948… نفهم أن عودة مطلقة للاجئين لم تعد ممكنة… نحن لسنا غير واقعيين تماما عندما نفحص كيفية تطبيق هذا الحق… يجب أن لا يكون هذا عقبة غير قابلة للجسر”.
هذا الموقف الجديد لـ م.ت.ف طرح في اطار كل المفاوضات مع اسرائيل. قبل قمة كامب ديفيد في تموز 2000 نقل قسم التحقيق في الاستخبارات العسكرية لمتخذي القرارات صورة واضحة عن الموقف الفلسطيني الذي بحسبه “عرفات والقيادة الفلسطينيون ينوون تبنى المسيرة السياسية بهدف التوصل الى حل الدولتين حسب الموقف السياسي الفلسطيني الثابت والمعروف الذي تبنته م.ت.ف في 1988: دولة في حدود 1967 تشمل القدس العربية، على قاعدة قرارات الامم المتحدة 242 و338”. لقد اكدت الاستخبارات العسكرية أن “موضوع الاراضي هو المسألة الجوهرية في نظر الفلسطينيين في حين أن حق العودة يشكل ورقة مساومة مهمة امام اسرائيل.
مع مرور السنين تبلورت في المفاوضات صفقة التحويل بين المسائل الاربعة الاساسية ومنها مسألة اللاجئين. الزوج الاول شكل من مسألة الحدود التي فيها اسرائيل في عملية انابوليس برئاسة اهود اولمرت وافقت للمرة الاولى على قبول معيار خطوط 1967 كقاعدة وتبادل اراضي. وفي المقابل الفلسطينيون وافقوا على نزع سلاح دولتهم وترتيبات امنية واسعة. الزوج الثاني تضمن مسألة اللاجئين التي طلب من الفلسطينيين فيها التنازل عن تحقيق حق العودة الى اسرائيل لكنهم في المقابل طالبوا بعاصمة في شرقي القدس. الجامعة العربية قبلت هذه الصفقة في جلستها التي عقدت في بيروت في 2002، ايضا في بندين بالنسبة لمسألة اللاجئين اتخذا في الجلسة لم يكن عبثا تغيير الصفقة الاساسية هذه: في الاول وهو الاهم، الحديث يدور عن “التوصل الى حل عادل لمسألة اللاجئين الفلسطينيين التي سيتم الاتفاق حولها وفقا لقرار الجمعية العمومية للامم المتحدة 194. وفي البند الثاني اضيف تحفظ بأن “اللجنة تضمن رفض أي شكل للتوطين الدائم للاجئين الفلسطينيين الذي يتعارض مع الظروف الخاصة للدول العربية المضيفة”.
في كل وقت ارادت فيه اسرائيل التملص من صفقة التحويل هذه الفلسطينيون ردوا بثلاث مستويات. الاول، خلال المفاوضات عادوا واشترطوا التنازلات حسب ما يظهر من الرسالة الالكترونية التي ارسلها في 23 تموز 2008 زياد كالوتي، المستشار القانوني في الطاقم الفلسطيني للمفاوضات في انابوليس: “استراتيجيا، مصلحتنا هي رفض مناقشة مسالة اللاجئين الى حين نعرف ماذا تقرر في المسائل الاخرى وعلى راسها القدس… يجب التوضيح لاسرائيل والولايات المتحدة بأننا “لن نبحث في مسألة اللاجئين طالما أن اسرائيل غير مستعدة لنقاش جدي في موضوع القدس”.
ثانيا، عند فشل المفاوضات عادت قيادة م.ت.ف للبحث عن دعم الشارع الفلسطيني في تصريحات بشأن حق العودة، لكن دون تحويلها الى عقبة امام الاتفاق، كما صرح نبيل شعث في نهاية قمة كامب ديفيد: “نحن في مرحلة اعادة كل حق سلب منا في 1967 وكل حق سلب منا في 1948 – على الاقل في كل ما يتعلق بحقوق اللاجئين. هذه الحقوق اعادتنا في كامب ديفيد الى “النكبة” – الى حقنا النابع من النكبة وليس من احتلال 1967″.
حماس مثل م.ت.ف لم تتنازل في أي يوم عن ايمانها بحق العودة. ولكنها بقيادة السنوار الحكيمة تريد السير في اعقاب م.ت.ف والحصول على مقابل عن التنازل عن تطبيق حق العودة لاسرائيل على شكل دولة فلسطينية مستقلة الى جانب اسرائيل. لموقفه، هو لا يستطيع العودة وتكرار ما اعتبر بالنسبة للفلسطينيين خطأ استراتيجي لـ م.ت.ف – الاعتراف باسرائيل، التنازل عن 78 في المئة من الوطن، التنازل عن حق العودة والموافقة على نزع سلاح فلسطين والموافقة على تبادل اراضي تحافظ فيها اسرائيل على الاغلبية الساحقة للاسرائيليين الذين يعيشون وراء الخط الاخضر، الموافقة على الحفاظ على 80 في المئة من القدس الموحدة كعاصمة لاسرائيل، دون الحصول مسبقا على موافقة واضحة من اسرائيل على اقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها شرقي القدس وتسوية مشكلة اللاجئين بواسطة العودة الى دولة فلسطين واعطاء التعويضات.
وقف اطلاق النار الاخير عزز موقف حماس كعنوان لقطاع غزة سواء في نظر اسرائيل ومصر، اللتان لم تسعيا الى “تبييض” التفاهمات بواسطة السلطة الفلسطينية، أو في نظر الفلسطينيين وكذلك الاسرائيليين. طالما ان اسرائيل تعمل على الحفاظ على الجمود السياسي وقضم ما بقي من صلاحيات م.ت.ف، لن يكون بعيدا اليوم الذي ستتحول فيه مطامح رئيس حماس السابق خالد مشعل (حماس تريد فرض رعايتها على شؤون الشعب الفلسطيني في كل اماكن تواجده وتحمل المسؤولية الوطنية في اطار القيادة الفلسطينية)، الى الواقع الصعب غير القابل للتسامح المطلوب من اسرائيل التعامل معه.