سيناريوهات المستقبل السوري
بقلم : رضوان زيادة، الحياة ١٢-٤-٢٠١٨م
بعد سيطرة النظام السوري على الغوطة تبدو سيناريوات المستقبل السوري مختلفة تماماً عن تلك التي رسمت في العامين 2012 و2013، خصوصاً بعد التدخل العسكري الروسي المباشر في أيلول (سبتمبر) 2015، الذي لعب دوراً حاسماً في قلب الموازيين لصالح النظام السوري، حيث تمكن بعدها من السيطرة على ثلاث مناطق استراتيجية كانت تحت سيطرة المعارضة، هي حمص وحلب ثم الغوطة الشرقية. نجاح قوات الأسد المدعومة من قبل المليشيات الإيرانية والقوات الروسية سمح لنظام الأسد بتغيير الخريطة على الأرض تغييراً كبيراً بعد هزيمة تنظيم «داعش» في الشمال وفي الشمال الشرقي في سورية، تلك المناطق التي تخضع الآن لسيطرة القوات المتحالفة مع الولايات المتحدة متمثلة في قوات وحدات الحماية الكردية، وعلى ذلك يمكن رسم عدة سيناريوات للمستقبل السوري أو توقع كيف ستؤول الأمور إليه في سورية في المستقبل القريب.
فإذا تمكن النظام من استعادة السيطرة على كل المناطق عسكرياً، بما فيها التي ما زالت الآن خارج سيطرته من مثل إدلب وريف حلب وريف حماة الواقعة تحت سيطرة المعارضة السورية المسلحة المدعومة في شكل جزئي من قبل تركيا، ومناطق أخرى ما زالت تحت سيطرة قوات الحماية الكردية من مثل الرقة وعين العرب (كوباني) والقامشلي والمدعومة في شكل جزئي من قبل الولايات المتحدة، وبالتالي نجاح هذا السيناريو يعني تقريباً اصطدام نظام الأسد ومن خلفه القوات الروسية والإيرانية مع تركيا، في حال قرر نظام الأسد السيطرة على تل رفعت ومنبج وغيرها من المناطق التي تقع تحت سيطرة المعارضة السورية المسلحة ممثلة في الجيش السوري الحر بدعم مباشر من قبل الجيش التركي، كما تعني اصطداماً عسكرياً مع الولايات المتحدة في حال قرر نظام الأسد السيطرة على الرقة والمناطق المحيطة بها في الشرق السوري والتي تخضع لسيطرة قوات الحماية الكردية، أعتقد أن هذا السيناريو مستبعد في الوقت القريب، إذ لا تجد روسيا لها مصلحة في التصعيد العسكري المباشر مع تركيا أو الولايات المتحدة على الأرض السورية، حتى لو كان النظام الأسد يردد باستمرار رغبته في السيطرة الكاملة على الأراضي السورية، وبالتالي لن نتوقع أن يتمكن الأسد من هذه السيطرة على كافة الأراضي السورية، بل ستبقى جيوب وأحياناً جيوب بحجم مدن ومحافظات كاملة خارج سيطرته كما هي حال الرقة وإدلب وريف حلب وريف حماة، وبالتالي يمكن وصف هذا السيناريو بأنه يمثل الحلم بالنسبة للنظام السوري، لكنه الأكثر لاواقعية بالنظر إلى طبيعة الخرائط الإقليمية والدولية المحيطة بسورية اليوم.
ويمكن توقع تقسيم سورية بالاعتماد على مناطق النفوذ المذكورة في السيناريو الأول، يقوم على أساس المركز أو الداخل بيد النظام السوري متقاسماً النفوذ مع روسيا في الساحل، مع ضمان استمرار القواعد العسكرية الروسية في حميميم وطرطوس وغيرها من مناطق الانتشار كما في حلب والآن الغوطة الشرقية.
بينما يبقى الجنوب السوري في يد المعارضة السورية المسلحة بالاعتماد على التفاهم الأردني– الروسي– الأميركي بعدم التصعيد في الجنوب السوري، وبقاء خطوط التماس كما هي في عام 2014 ومعابر الحدود السورية– الأردنية مغلقة أو معلقة.
أما الشمال السوري ممتداً من القامشلي إلى إدلب، فإنه يتحول من اللون ألأصفر وهي مناطق سيطرة قوات الحماية الكردية إلى اللون الأخضر تدريجياً، وهي تعني سيطرة المعارضة السورية المسلحة بدعم من القوات التركية والتي تمكنت من طرد قوات الحماية الكردية من عفرين وفي طريقها للقيام بنفس الأمر في منبج. ووفق تصريحات الرئيس التركي أردوغان فإن القوات التركية تتجه نحو طرد قوات الحماية الكردية في كل مناطق الشمال السوري.
أما الشرق السوري فتحتفظ فيه الولايات المتحدة بنفوذ قوي خصوصاً في الرقة والمناطق المحيطة بها، وقد أعلنت الولايات المتحدة على لسان وزير الدفاع جيمس ماتيس ووزير الخارجية الأسبق ريكس تيلرسون، أن الولايات المتحدة ستحتفظ بقواتها العسكرية في سورية لفترة ليست بالقصيرة حتى تأمين وتحقيق الانتقال السياسي بعد الأسد، وضمان عدم ظهور تنظيمات متطرفة تستفيد من الفوضى السورية اليوم، وبالتالي سيبقى الشرق السوري لفترة تحت النفوذ الأميركي ولقوات الحماية الكردية التي يتقلص نفوذها في الشمال السوري بسبب التمدد التركي.
وفق هذا السيناريو فإن القوى الدولية والإقليمية ستتقاسم النفوذ في سورية وستتغير خرائط النفوذ هذه وفق تغير علاقاتها مع القوى الأخرى، ووفق تغير مصالحها أو خريطتها السياسية الداخلية ، طبعاً لن يكون هناك تغير في الخارطة الداخلية في إيران أو روسيا خصوصاً بعد الانتخابات الأخيرة، لكن مع المشكلات الداخلية التي تعترض إدارة ترامب في الولايات المتحدة، ربما تغير موقفها في سورية، إذ أشار تقرير في صحيفة الواشنطن بوست أن الولايات المتحدة تفاوض خروجها من سورية مع السعودية العربية مقابل بعض الامتيازات المالية، وإذا صح هذا التقرير يعني أن إدارة ترامب ربما تسحب قواتها كلياً من سورية لحساب روسيا والنظام السوري.
فهذا السيناريو إذا يبدو الأقرب لمستقبل سورية اليوم مع تغييرات طفيفة في خرائط النفوذ وفق تغيير موازيين القوى على الأرض وعلاقاتها مع القوى الأخرى، لكن في الوقت نفسه هذا السيناريو يبدو عرضة لتغيرات جوهرية في حال قررت الولايات المتحدة الانسحاب كلياً من سورية، أو في حال قررت تركيا السيطرة الكلية على الأراضي التي تخضع لقوات الحماية الكردية في الشرق السوري.