سيفر بلوتسكر يكتب – المظاهرات في باريس : ما هو الملح على الفرنسيين

يديعوت احرونوت – بقلم سيفر بلوتسكر – 9/12/2018
المظاهرات في فرنسا، قليلة المشاركة (نحو 100 الف في الذروة و 30 الف امس، في دولة من 67 مليون) ولكنها عنيفة وعديمة اللجام، وضعت معضلة امام الليبراليين.
كانت المظاهرات موجهة ضد “الضريبة الخضراء” الاضافية التي اعتزمت حكومة الرئيس ماكرون فرضها على بيع الديزل ابتداء من السنة القادمة. الديزل هو مادة طاقة ملوثة على مستوى عال، ولا يوجد جسم قلق من الاحتباس الحراري العالمي لا يوصي بتقليص استخدامه لدرجة الحظر المطلق. وبالتالي فان ضريبة الديزل محقة بيئيا – وكذا محقة اجتماعية: سيارات الديزل الخاصة تباع في اوروبا اساسا لاصحاب المداخيل العالية. اما في اسرائيل، كما يجدر بالذكر، فلم تتبع بعد سياسة عملية واضحة للتحرر من التعلق بالديزل حتى للباصات، السيارات العمومية والشاحنات. ومخططات وزارات الطاقة، المواصلات والمالية لم تخرج الى حيز التنفيذ بعد.
ينتمي المتظاهرون الفرنسيون الغاضبون – وان كانوا يرتدون السترات الصفراء لسائقي الشاحنات – في معظمهم لمجموعات فوضوية متطرفة من اليسار المتزمت ومن اليمين الشعبوي. قلة منهم فقط يمثلون المتضررين المباشرين من رفع الضريبة على الديزل. ويكاد المتضررون يغيبون تماما عن اضطرابات عديمة الغاية في شوارع باريس المركزية.
على الرغم من ذلك من الصعب جدا على اليسار الليبرالي أن يشجب المشاغبين بوضوح. فالعطف التلقائي للاحتجاج وليس مهما ضد ماذا، وليس مهما ممن، يزيغ بصرهم ويدفعهم للتعاطي بتسامح مع المشاغبين لدرجة التلعثم المحرج. محرج على نحو خاص في ضوء حقيقة أن الرئيس ترامب، كريه روح الليبراليين أعرب عن تأييده للمتظاهرين، الى جانب زعيمة الحركة العنصرية مارين لابين وجوقة كبيرة من المتنكرين بالاحتباس الحراري العالمي على انواعهم. وبدلا من تعزيز الرئيس ماكرون في خطته الشجاعة من أجل الهواء النقي يشجبونه بحجج مختلفة، متنوعة وكاذبة.
هكذا مثلا نقل في “نيويورك تايمز” عن بروفيسور امريكي لعلوم البيئة المؤيد للضريبة العالية على البنزين في بلاده، ولكنه يتماثل مع المشاغبين في باريس لان “على الرئيس ماكرون ان يعلن فورا ايضا عن تخفيض الضرائب على السيارات الكهربائية”. في فرنسا فقط توجد منذ الان طريقة سخية للدعم الحكومي للسيارات الكهربائية والعلاوة الكبيرة بنحو عشر الاف يورو تدفع لمن يعطل سيارة خاصة تتحرك بالديزل.
من بين الاقليات التي لم تتردد في قول الحقيقة كانت المجلة الاقتصادية الليبرالية البريطانية “الايكونومست”. ففي مقال افتتاحي حذرت المجلة الرئيس ماكرون من مغبة “التنازل عن الرعاع مما سيثبت فقط بان الرئيس مستعد لان يتراجع امام اضطرابات الشوارع وهكذا يستثني اعمال شجب اخرى”. وبرأي “الايكونومست”، فان رفع الضريبة على الديزل هي “سياسة خضراء صحيحة” وذلك في الوقت الذي “اختطف الاحتجاج من المتطرفين العنيفين الذين يستهدفون اسقاط النظام الديمقراطي – الرأسمالي كله.
وتناشد “الايكونومست” الرئيس ماكرون الى عدم اعادة “ضريبة الاغنياء” التي الغيت هذه السنة، والتي لم تكن منذ البداية ناجعة، قابلة للتطبيق، لا تدخل المال الى صندوق المالية وتقمع فقط مبادرات واستثمارات ابداعية. فما بالك انها استبدلت منذ الان بضريبة ملكية تفاوتية.
غير ان مشاكل فرنسا اعمق من الضريبة على الديزل والضريبة التصريحية عن المداخيل العالية. فمن جهة فان منظومة التقاعد العام في فرنسا في حالة انهيار، وتندلع نحو عجوزات هائلة وحده رفع سن التقاعد المنخفض جدا يمكنه أن يوقفها – ولكن هذه وقعت منذ الان ضحية للمظاهرات والاضرابات. ومن جهة اخرى، ليس في فرنسا ضريبة دخل سلبية مثلما يوجد في البلاد، ولم تكن، حتى وقت أخير مضى، مؤسسات رسمية لتشجيع التأهيل المهني مثلما في بريطانيا. فرنسا تعتبر بالخطأ دولة رفاه: السياسة الدائمة لحكوماتها شجعت الاغاثة وأثقلت على العمل.
يحاول الرئيس ماكرون تغيير الخلطة، من الاغاثة الى التشغيل. فصعوده الساحق وصعود حركته اوقفا انتصار اليمين الفاشي الجديد واليسار الشيوعي الجديد في الانتخابات قبل سنة ونصف. اوقفاه، ولم يشطباه: 48 في المئة من المصوتين في فرنسا اعطوا في حينه اصواتهم لهذه الاحزاب المتطرفة وغيرها. فهم برميل البارود الذي من شأنه أن يتفجر، والفتيل وضع في شوارع باريس.