سيفر بلوتسكر: لماذا يراوح اليسار – الوسط في المكان – لان الجسور وحده ينتصر

يديعوت – بقلم سيفر بلوتسكر – 4/6/2018
في انتخابات 2006 فازت الكتلة السياسية التي تؤيد حل الدولة الفلسطينية والانسحاب (غير المحدد) من اراضي الضفة، باغلبية واضحة. ومع أن ارئيل شارون كان نزيل الفراش في المستشفى، الا ان حزب كديما حصل على 29 مقعدا. وحصل حزب العمل على 19 مقعدا. أم الليكود فتحطم الى 12 مقعدا فقط واصبح حزبا هامشيا في الكنيست. حركت نتائج الانتخابات حوارا سياسيا وفكريا في مسألة كيف ولماذا اليمين السياسي هو الاخر تخلى عن فكرة بلاد اسرائيل الكاملة وتبنى فكرة الدولة الفلسطينية والانسحاب. كان يبدو أن الفكر الحمائمي – المساوم، الذي وقف خلف اتفاقات اوسلو، يحتفي بانتصاره المتأخر على الوعي.
ان التعاظم الديمغرافي للبلدات اليهودية في المناطق، وان كان عدد سكانها وصل مئات الالاف، دون ادراج شرقي القدس في ذلك، لم يبدو مقلقا لليسار – الوسط الا من منظور الاخلاء المحتمل. وهزيمة الليكود برئاسة نتنياهو والاحزاب الاكثر “قومية” منه اضفت على الوسط – اليسار اجواء من الرضى الذاتي والسمو الروحي.
مر عقد، وتغيرت الصورة 180 درجة. للاحزاب التي تمثل، الى هذا الحد او ذاك، الفكر السياسي لجمهور المستوطنين وزعمائه توجد اغلبية صلبةفي الكنيست. حزب العمل، أي المعسكر الصهيوني – هو الذي يحاول الان اعادة احتساب طريقه يمينا، كي يصل الى قلب ما يبدو كاجماع وطني يرفض الحوار مع الفلسطينيين.
تفسير محتمل للتغيير في الخريطة السياسية كفيل بان يعتمد على تغيير في فكر الجمهور، غير أنه في فكره خرج الى الاتجاه السياسي – الصقري بعض الشيء. قبل الانتخابات في 2006 أيد اكثر بقليل من نصف الاسرائيليين فكرة الدولة الفلسطينية، ام اليوم فيتراوح التأييد حوالي 47 – 49 في المئة، مثلما يظهر في استطلاعات الرأي العام. المعدل المستقر نسبيا (حوالي 45 في المئة) من مؤيدي التسوية السياسية الشاملة لاقامة دولة فلسطينية في أوساط الجمهور اليهودي بقي رغم الميول الديمغرافية – سكان اصوليون وتقليديون اكثر.
ليس التغيير في ما يفكر به ويفهمه اسرائيليون هو الذي ادى بالتالي الى اعادة تثبيت وجود الليكود وملحقاته، بل التغيير بما يشعرون به. فالاسرائيليون يشعرون بان الاحزاب والحركات التي توجد على يسار الليكود، بالمفهوم السياسي، عديمة الفم، عديمة الصوت، عديمة الخطة وعديمة الزعامة التي لها رؤيا – حتى لو كان جدول أعمالها لم يتغير في جوهره، بل واحيانا في تفاصيله عن جدول أعمال الحكومة القائمة. والتركيز الجماهيري على تحقيقات نتنياهو أو على “التهديد على حكم القانون” يساعد الوسط – اليسار، مثلما ساعده التركيز على غلاء المعيشة وعلى “الاغنياء”: فقد عزز الليكود والاحزاب التي تسير في فلكه. في النظام الديمقراطي الاحزاب الاستهلاكية لا تفوز باكثر من 5 – 7 في المئة من اصوات الناخبين، فما بالك ان في اسرائيل يلعب التلفزيون، الذي حجم بث الاستهلاك في كل قنواته غير مسبوقة عالميا، مكان حزب الاستهلاك. لا حاجة له.
ولكن توجد حاجة لزعامة سياسية مستعدة لان تخاطر بطرح بدائل في مسائل قومية مصيرية، في اظهار الجسارة واعطاء الثقة لتفكر الناخب صاحب التفكير. فقد خلقت الاحداث الاخيرة في الجنوب مثلا، فرصة للمعسكر الصهيوني ويوجد مستقبل، الحزبين اللذين يحلمان باستبدال الليكود في الحكم، لان يقترحا خطة سياسية – اقتصادية شاملة ومفصلة للعلاقات بين اسرائيل وقطاع غزة. وبدلا منها اكتفى الحزبان بالثناء على حكومة الليكود وجهاز الامن على سلوكهما المسؤول، مضافا اليه انتقاد انساني هاديء. لم يردا كبديل عن الحكم، بل كظل شاحب له. وبالنسبة لمنظومة العلاقات مع السلطة الفلسطينية ومع المستوطنين اليهود، فان الاحزاب التي تسمى يسار – وسط تفضل فكرة القعود وعدم العمل، القعود وعدم الازعاج، القعود وعدم اخراج الرأس من الرمل كي تنظر يسارا ويمينا. السلام؟ معاذ الله التطلع اليه. التسوية؟ معاذ الله الحديث فيها. استمرار الاحتلال؟ معاذ الله الاعتراض عليه. الافضل هو تجاهله وكأنه لم يكن.
احزاب المعارضة تتصرف منذ سنين كمن تخاف من الشعب الناخب، وتفاجأ بانه يبتعد عنها. هكذا تثبت المرة تلو الاخرى صحة القول: الجسور وحده ينتصر. والجبان ينهزم فقط.