سوريا وسيناريو الرعب : التصعيد الغربي قد يمهد لإعادة انتاج داعش
عبد الامير رويح – 15/4/2018
بعد هزيمة تنظيم داعش في العراق و خسائره المستمرة في سوري التي اضرت بشكل كبير بمعنويات عناصر التنظيم في جميع أنحاء العالم، يخشى بعض المراقبين من عودة التنظيم بسرعة في ظل التطورات الميدانية المهمة والصراعات الجديدة التي تشهدها سوريا، بعد ان سعت تركيا الى الدخول في حرب جديدة مع “قوات سوريا الديمقراطية” اهم حليف للولايات المتحدة الامريكية، التي تفكر ايضا بالانسحاب من سوريا، وأثار الحديث عن انسحاب القوات الأمريكية من سوريا وكما نقلت بعض المصادر، قلق الحليف الرئيسي لواشنطن هناك، الأكراد، الذين قاتلوا إلى جانب الأمريكيين ضد تنظيم داعش، وتقول قيادات من “قوات سوريا الديمقراطية” إنهم لا يخشون عودة ظهور التنظيم فحسب، لكن بدون وجود القوات الأميركية في البلاد، ستملأ تركيا وروسيا وإيران هذا الفراغ وتسيطر على شمال وشرق سوريا.
وقال البيت الأبيض إن المهمة العسكرية الأميركية ضد تنظيم داعش في سوريا ستنتهي “قريبا للغاية”، لكنه لم يقدم جدولا زمنيا لسحب القوات، البالغ عددها 2000 جندي، بخلاف القول بأنهم سيغادرون حالما يمكن هزيمة فلول التنظيم المتبقيين. لكن ترامب قال لمستشاريه إنه يريد سحب جميع الجنود من سوريا في غضون ستة أشهر، وفقا لثلاثة مسؤولين أميركيين، بحسب وكالة “اسوشيتد برس”. غير أن التطورات على الأرض تشير إلى أنه سيكون من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، القضاء على التنظيم تماما قبل هذه الفترة. فـ”داعش لم يقضى عليه تماما”، حسبما قال قيادي في مجلس منبج العسكري الذي تدعمه الولايات المتحدة.
وأضاف القيادي “لا يزال لدى داعش خلايا موجودة في جميع المناطق، وهناك مشكلات تحدث من حين لآخر في المناطق التي لا تزال بها هذه الخلايا.” وقال القيادي إن تصريحات الولايات المتحدة بشأن الانسحاب كانت “سببا في قلق على مستوى الشارع، لكن المسؤولين الأكراد يتلقون تأكيدات من جنرالات أمريكيين بأن القوات الأميركية باقية.”
وقضت قوات سوريا الديمقراطية على مسلحي داعش في كل المنطقة تقريبا التي كان يسيطر عليها المتشددون في شمال سوريا، بما فيها عاصمتهم الرقة في. وفي نوفمبر سيطر القوات السورية على اخر معقل للمتشددين وهي البوكمال في شرق سوريا على الحدود مع العراق. لكن داعش يحتفظ بمنطقة صغيرة على طول نهر الفرات قرب البوكمال وبعض الجيوب في صحراء شرق سوريا وعلى الحدود مع العراق.
وحذرت الولايات المتحدة وقيادات كردية من عودة داعش عندما هاجمت تركيا بلدة عفرين في مارس لطرد الفصائل الكردية من هناك. وأدى ذلك الى توقف العمليات ضد الجيوب الرئيسية لداعش في سوريا. وقلص التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة الضربات الجوية ضد داعش الى النصف منذ انتقل المقاتلون الذين يقودهم الاكراد بعيدا عن شرق سوريا، وفقا لما ذكره المتحدث باسم التحالف الكولونيل ريان ديلون.
وفقد تنظيم داعش تقريبا كل الأراضي التي كان يسيطر عليها في وقت ما في سوريا والعراق، وهي الأراضي التي شملت ثلث تلك البلدان. لكن الجيوب التي لا يزال يسيطر عليها توفر حماية. ولدى مقاتلي داعش معرفة ممتازة بالمناطق الصحراوية على طول الحدود السورية العراقية، والتي تعود إلى الأيام الأولى للتنظيم، وحتى قبل ذلك، عندما كان يسمى القاعدة في العراق.
من جانب اخر يرى بعض المراقبين ان خلافات اخرى ربما ستتطور بين الحلفاء بسبب بعض القضايا التي تخص تنظيم داعش الارهابي، ومنها مصير العشرات من المقاتلين الاجانب المحتجزين في سوريا والعراق، حيث رفض البعض مقترح امريكي يقضي بعودة الجهادين ومحاكمتهم في بلدانهم خوفا من تنفيذ هجمات ارهابية .
العراق و سوريا
وفي هذا الشأن قال خبير مقرب من الحكومة العراقية إن العراق ربما ينفذ عمليات بقوات خاصة ضد تنظيم داعش في سوريا لمنع مقاتليه من التسلل عائدين إلى العراق. وقال هشام الهاشمي الذي يقدم استشارات لعدة حكومات منها حكومة بغداد بخصوص تنظيم داعش إنه قد يتم إنزال القوات في سوريا لكن الخطة لا تتضمن في المرحلة الحالية إرسال قوات برية عبر الحدود. وقال الهاشمي ”إلى الآن المخطط هو إنزالات للقوات الخاصة وليس تحريك قوات برية داخل سوريا“.
كان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي قد أعلن النصر على التنظيم في العراق في ديسمبر كانون الأول لكنه وصف وجود المتشددين في سوريا باعتباره خطرا حقيقيا. وفي ظل علاقات بغداد الطيبة مع الرئيس السوري بشار الأسد أكد العبادي أن أي عمليات ستكون محدودة. وقال ”مشروعنا الانتقال من محاربة الإرهاب في العراق إلى محاربة الإرهاب في المنطقة. نحن لا نتجاوز حدودنا ولا نعتدي على دول الجوار“. بحسب رويترز.
ونفذت طائرات حربية عراقية العام الماضي ضربة جوية واحدة على الأقل على أهداف لتنظيم داعش في سوريا بالتنسيق مع التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد التنظيم وبموافقة الحكومة السورية. ويرتبط العراق بعلاقات طيبة أيضا مع إيران وروسيا، الداعمين الرئيسيين للأسد في الحرب، كما تتلقى بغداد دعما قويا في الوقت نفسه من التحالف المناهض للتنظيم.
المقاتلين الأجانب
من جانب اخر أخفقت البلدان المتحالفة مع الولايات المتحدة في الحرب على تنظيم داعش في التوصل لاتفاق نهائي بشأن ما يجب فعله مع المقاتلين الأجانب الذين تم اعتقالهم في سوريا والذين قد يشكلون تهديدا أمنيا خطيرا إذا أفلتوا من العدالة. وانتهى اجتماع حضره نحو 12 وزير دفاع في روما دون الاتفاق على طريقة للتعامل مع مئات المتشددين الأجانب المحتجزين لدى قوات سوريا الديمقراطية المتحالفة مع واشنطن في سوريا.
وعبر الوفد الأمريكي في الاجتماع المغلق بقيادة وزير الدفاع جيم ماتيس عن أمله في إقناع الحلفاء بتحمل مسؤولية أكبر بالنسبة للمقاتلين الأجانب. وأحد الخيارات التي جرى بحثها هو نقل المتشددين المحتجزين إلى بلدانهم الأصلية لمقاضاتهم لكن الاقتراح لم يلق قبولا يذكر من قبل الحلفاء الغربيين. وقال ماتيس للصحفيين المسافرين معه من روما إلى بروكسل ”لم تُحل (القضية) بشكل نهائي ويجري العمل بشأنها“.
وأضاف أن الحلفاء مستمرون في بحث القضية وإنه يجري الإعداد لعدد من الخطوات ومنها ترحيلهم إلى أوطانهم. وأضاف الوزير الأمريكي أنه لا يوجد حل شامل لمشكلة المحتجزين مشيرا إلى ضرورة النظر لكل قضية بعناية. وقال مسؤولون فرنسيون مرارا إن المقاتلين الفرنسيين الذين تحتجزهم قوات سوريا الديمقراطية ينبغي أن يخضعوا للمحاكمة أمام القوات المحلية وإن باريس لا تنوي إعادتهم إلى بلدهم. وكان وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان قال ”إنهم مقاتلون. هم فرنسيون لكنهم أعداؤنا. والنتيجة أنهم سيمثلون للمحاكمة أمام من حاربوهم“. ولم يكشف عن أسماء البلدان التي حضرت الاجتماع. بحسب رويترز.
وتجدد الاهتمام بقضية المقاتلين الأجانب عندما قال مسؤولون أمريكيون إن قوات سوريا الديمقراطية احتجزت أربعة متشددين معروفين باسم ”البيتلز“ بسبب لكناتهم الإنجليزية. وقال ماتيس ”لا نريد عودتهم إلى الشوارع، لا نريد عودتهم إلى شوارع أنقرة ولا نريدهم في شوارع تونس ولا باريس ولا بروكسل“. وعندما سئل هل تدرس الولايات المتحدة نقل بعض المحتجزين إلى معتقل خليج جوانتانامو أحجم ماتيس عن الرد.
ويقول المسؤولون إن العدد الكبير من المحتجزين في منشآت اعتقال غالبا ما تكون مكتظة بالسجناء قد يؤدي إلى انتشار الأفكار المتطرفة وزيادة حدة التشدد. وتتمثل المخاوف الأخرى في أن الطاقة الاستيعابية لمنشآت الاعتقال التابعة لقوات سوريا الديمقراطية بلغت مداها. وفي بعض الأحيان كانت قوات سوريا الديمقراطية تعتقل يوميا ما بين 40 و50 من مقاتلي تنظيم داعش بينهم سوريون.
ويقول المسؤولون الأمريكيون إن هناك مئات من المقاتلين الأجانب وآلاف المتشددين السوريين التابعين لتنظيم داعش في أيدي قوات سوريا الديمقراطية. وقالت ويلبرجر ”مشكلة الطاقة الاستيعابية حقيقة جدا…أعتقد أنهم مستعدون لاحتجازهم ما دمنا نريد لذلك“. وأضافت ”ولكن إذا واصلوا عمليات الأسر بهذا المعدل فإن منشآتهم ستمتلئ عن آخرها في نهاية الأمر“.
خلية الخنافس
ترعرعوا جميعا في غرب العاصمة البريطانية لندن، وانخرطوا جميعا في نفس الخلية التابعة لتنظيم الدولة، حيث عذبوا وقتلوا رهائن في سوريا والعراق. واعتقل المقاتلون الأكراد في سوريا آخر عضوين في المجموعة، التي أطلق عليها الرهائن اسم “الخنافس” أو “بيتلز”، وهما أليكسندا كوتيه وشفيع الشيخ. وكانت المجموعة قد سارت في طريق التشدد في بريطانيا قبل السفر لسوريا، حيث اشتهروا بسبب عمليات الإعدام التي قاموا بها لرهائن غربيين. ويعتقد مسؤولون أمريكيون أن “خلية الإعدام” هذه قامت بقطع رؤوس 27 رهينة غربية وعذبت كثيرين. وقد عرفهم الرهائن باسم بول ورينغو وجون وجورج، وهي أسماء أعضاء فريق بيتلز الغنائي البريطاني الشهير.
ويقول الصحفي الإسباني خافيير اسبينوزا، والذي كان رهينة سابقا، لبي بي سي عام 2017 إن هذه “مجموعة من الأوغاد لا تعلم ما هو الدين على الإطلاق”. وظهر محمد إموازي، المعروف باسم “الجهادي جون”، في كثير من مقاطع الفيديو الدعائية لتنظيم داعش ، وهو ينفذ الإعدام في رهائن. ولد إموازي في الكويت لعائلة انتقلت إلى بريطانيا في عام 1988 حين كان عمره 6 سنوات. وتلقى تعليمه في شمال لندن، وتخرج من جامعة وستمنستر في عام 2009 حيث حصل على شهادة في برامج الكمبيوتر.
وخضع خلال وجوده في بريطانيا لرقابة الاستخبارات البريطانية بعد رحلة إلى تنزانيا والكويت. وتم الربط بينه وعدد من المشتبه بكونهم من كبار الجهاديين الذين يرصدهم جهاز “إم آي 5”. وأفادت أسرته في عام 2013 بأنه اختفى، قبل أن يظهر في عام 2014 في عدد من مقاطع الفيديو ووجهه ملثم ومعه رؤوس الصحفي الأمريكي جيمس فولي وعاملي الإغاثة البريطانيين ديفيد هاينز وآلان هينينغ. ويرجع آخر فيديو ظهر فيه إلى يناير/ كانون الثاني عام 2015. وقُتل في ضربة جوية نفذتها طائرة أمريكية بدون طيار في 12 نوفمبر/ تشرين الثاني من العام نفسه.
وتم اعتقال إين ديفيز قرب مدينة اسطنبول التركية في عام 2015، وأدين في تركيا في عام 2017 باعتباره عضوا بارزا في منظمة إرهابية. وكان يعيش في لندن بضاحية هامرسميث، وبسجله عدة اتهامات بالإتجار في المخدرات. وقد سجن في عام 2006 لحيازة سلاح. وبعد اعتناقه الإسلام، غير اسمه إلى حمزة والتقى إموازي. وبات الاثنان في خلية تعمل على تحويل المسلمين الذين يعيشون في لندن للتشدد. وقد ترك بريطانيا للانضمام لتنظيم الدولة الإسلامية في عام 2013. وبعد اعتقاله، نفى أنه عضو في جماعة إرهابية أو خلية “الخنافس”.
ينحدر ألكسندا كوتيه من أصول كندية وقبرصية يونانية، وكان يتردد على مسجد المنار في غرب لندن، مثل إموازي. وصفه جيرانه بأنه “هادئ ومتواضع” ومشجع متحمس لفريق كوينز بارك رينجرز لكرة القدم، وذلك بحسب موقع “بازفيد”. وقالت وزارة الخارجية الأمريكية إنه أحد أعضاء المجموعة، ويعتقد أن مهمته كانت تجنيد بريطانيين للانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية. وقال مسؤولون أمريكيون إن مقاتلين أكراد في سوريا اعتقلوه هو والشافعي الشيخ أثناء مطاردة لعدد من فلول التنظيم.
قالت وزارة الخارجية الأمريكية إن الشيخ وكوتيه إرهابيان لهما علاقة بجماعة الإعدام والتعذيب الذي شمل الصدمات الكهربائية والإيهام بالغرق والإعدام الوهمي. والشيخ نجل لاجئ سوداني. وقد ذهب إلى سوريا في عام 2012 وانضم لتنظيم القاعدة هناك قبل أن يتحول إلى تنظيم داعش، وذلك بحسب صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية. وأفادت تقارير بأنه تم اعتقال الشيخ وكوتيه في منتصف يناير/ كانون الثاني الماضي بعد أن اشتبه مقاتلون أكراد في أنهما من المقاتلين الأجانب. وقد أكدت الولايات المتحدة هويتهما من خلال اختبارات بيومترية، ومن بينها بصمات الأصابع. وكان خبر الاعتقال قد ظهر في وسائل إعلام أمريكية في بادئ الأمر، قبل أن يؤكده مسؤولون في الولايات المتحدة.