أقلام وأراء

سهيل كيوان يكتب متاحف القدس جبهة صراع صامتة

سهيل كيوان 29/4/2021

تلعب المتاحف الإسرائيلية دوراً كبيراً في تقديم غطاء ثقافي وتراثي تاريخي للممارسات الصهيونية في فلسطين عموماً، وفي مدينة القدس بصورة خاصَّة، وهي مُهمَّة مركَّبة تمارس بذكاء ودهاء.

في إسرائيل أكثر من مئتي متحف، من بينها ستة وخمسون معترفٌ بها من قبل وزارة الثقافة، والبقية متاحف خاصة، إما لأفراد أو لبلديات وقرى تعاونية وغيرها، يزورها أكثر من أربعة ملايين إنسان من سياح أجانب ومحليين، من بينهم أكثر من 800 ألف طالب من مختلف المراحل التعليمية.

هذه المتاحف التي تقوم بمهمة إثبات الرواية الصهيونية، ودحض وتبخيس كل ما عداها، والتقليل من أهميته، تحوي مليوناً ونصف مليون قطعة أثرية، الكثير منها من التراث والآثار الفلسطينية العربية والصليبية والإسلامية، وغيرها من الحقب المختلفة عبر تاريخ فلسطين. في المقابل يعاني الجانب الفلسطيني ضعفاً في هذا المجال أولا، بسبب الاحتلال الذي نهب وما زال ينهب منذ عام النكبة الكنوز الأثرية والتراثية في فلسطين، وتخريب بعضها وتشويهه، أو فرض الإغلاق على بعض المؤسسات وتعطيلها. نصف الحقيقة أخطر من الكذب الصريح، ولهذا يحاول المختصون وباحثو الآثار في إسرائيل الظهور كموضوعيين، لتضليل الزائر بذكاء، من خلال تقديم المعلومة التي تحوي جزءا من الحقيقة، ولكنها تخفي الجزء الأهم منها. قد يسأل أحد الزائرين، من أين سرقتم هذه التحفة؟ فتكون الإجابة «نحن لم نسرقها، ولكن أخذناها كي نحافظ عليها من الضياع وعرضها بشكل لائق». متاحف إسرائيل تغفل الكثير من الحقائق التاريخية المتعلقة بالحقب العربية قبل الإسلام، في فلسطين والقدس، التي أسسها العرب اليبوسيون، وتقفز على حقب إسلامية سادها التسامح والازدهار بين أتباع الديانات الثلاث، بل تبرز كل ما يمكن أن يسيء أو يشوِّه العرب والمسلمين.

هذا بعض ما نجده في كتاب «المتاحف والصراع الفلسطيني الإسرائيلي على هوية القدس المعاصرة» من تأليف الأديبة والباحثة نسب أديب حسين، من قرية الرامة في الجليل الفلسطيني، التي تقيم وتدرس في القدس المحتلة منذ سنين، وهو مؤلف من حوالي 300 صفحة وصادر عن وزارة الثقافة الفلسطينية. أعتقد أن هذه الدراسة الفريدة من أهم الأبحاث التي أجريت حول دور المتاحف في تعزيز الرواية السياسية ودعمها أو إضعافها. الباحثة نسب أديب حسين، تتطرق إلى التفاصيل في طرق التزييف غير المباشرة التي تتبعها سلطات المتاحف الإسرائيلية، من خلال مسارات العرض وطريقة تقديم المعروضات والإضاءة واللغة المستخدمة في الشَّرح عن كل قطعة أثرية، والحقب التاريخية التي يجري القفز على بعضها، وحجب المعلومات الإيجابية عن فترات من الحكم الإسلامي مثل، إغفال أي ذِكر للعهدة العُمرية، وإهمال حقب من تاريخ العثمانيين، التي تخللها البناء والتطوير وانتعاش الاقتصاد لأبناء الديانات الثلاث، إضافة إلى تبديل الأسماء العربية إلى عبرية، مثل قلعة القدس التي بناها المسلمون، ولكن بعد احتلال عام 1967 أطلقوا عليها اسم قلعة داوود.

تظهر المتاحف قسوة المسلمين في تعاملهم مع الصليبيين بعد الانتصار عليهم، وتتغاضى عن حقيقة ذبح الصليبيين لسبعين ألفا من سكان القدس، بعد استسلامها عام 1099، وتغفل أن صلاح الدين الأيوبي قرَّر عدم الانتقام عندما حرَّرها عام 1187، واكتفى بطلب فدية مقابل الأسرى، ثم تنازل عن فدية الفقراء والنساء والأطفال.

تقدم الباحثة في الأقسام الأولى تعريفاً عن المتاحف وتاريخها ومكانتها في الغرب وعند العرب وفي إسرائيل وفلسطين، وتستعرض القانون الدولي في التعامل مع آثار وأملاك بلد وشعب يقع تحت الاحتلال، وهو ما تنتهكه دولة الاحتلال الإسرائيلي بصورة منهجية منذ النكبة إلى يومنا هذا، فهي تسرق التراث والآثار الفلسطينية وتزيّفها، أو تخفي بعضها، وتخرّب بعضها، مثل هدم المقابر والمساجد والمباني التاريخية مع أمثلة كثيرة على ذلك.

تستعرض الكاتبة نبذة عن الحياة الثقافية في القدس في العهد العثماني من 1840 إلى 1917 ثم البريطاني حتى 1948 ثم الأردني من 1948 إلى 1967 ثم الاحتلال الصهيوني حتى يومنا، وتوضّح أين وكيف وقعت اعتداءات على الممتلكات الثقافية في القدس، وموقف القانون الدولي منها، مثل سرقة عشرات آلاف الكتب من المكتبات الخاصة ومحتوياتها من القدس الغربية عام النكبة، واستمرار نهج النهب بعد عام 1967. تستعرض الكاتبة أسماء المقاهي والمؤسسات الثقافية ونشاطاتها في القدس العربية، التي ما زالت نشيطة، وتلك التي أغلقت، والتي أغلقها الاحتلال.

تقدم الباحثة مسحاً للمتاحف الإسرائيلية في القدس، وهي سبعة متاحف يزورها مليون و200 ألف شخص سنوياً، مقابل ثلاثة متاحف فلسطينية يزورها حوالي 88000 فقط. وتقدم جدولا بأعداد الزائرين لهذه المتاحف عام 2016. تجري مقارنات بين أبنية المتاحف والمسارات التي تتخللها، وأساليب العرض والتواصل مع الجمهور.

في النهاية تقدم الباحثة استنتاجاتها. هل تقوم المتاحف الفلسطينية بدورها؟

في الخاتمة تذكر الجوانب السلبية والإيجابية للمتاحف الفلسطينية في القدس، التي تعتمد كثيراً على جهود خاصة، وهي تحتاج إلى اهتمام ورعاية ودعم أكبر من الموجود بكثير.

أعتقد أن هذه الدراسة التي جرت بإشراف وتوجيه عدد من الأساتذة المختصين، من أهم الدراسات التي تتعرض إلى هذا الجانب من الصراع الذي يدور بصمت، مع ثبت في المراجع والمشاهدات الشخصية واللقاءات المباشرة مع مسؤولين لهم علاقة في هذا الموضوع شديد الأهمية والحساسية.

* كاتب فلسطيني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى