أقلام وأراء

سهيل كيوان يكتب –  الجريمة المنظمة بإدارة الدولة

سهيل كيوان *- 9/7/2021

تعددت المجالات التي تحارب فيها دولة إسرائيل مواطنيها الفلسطينيين العرب منذ النكبة حتى يومنا. فهي لا تزال “تبدع” في هذا المجال عاماً بعد آخر. هنالك الجانب المعلن من هذه الحرب، من خلال سن القوانين الصارخة في تمييزها العنصري، منذ قيام الدولة مثل قانون الحاضر الغائب، حتى قانون منع لم شمل العائلات العربية. إلا أن العمل في الخفاء لا يقل، بل قد يزيد عن العمل المعلن ضد المواطنين العرب، وأحد هذه الوجوه البشعة هو جرائم القتل المنظمة المتفاقمة في العقدين الأخيرين، وقد انتهى عام 2020 بأكثر من مئة جريمة قتل، ومنذ بداية هذا العام انضم إليهم حوالي خمسين قتيلا، إضافة إلى مئات الجرحى والخسائر الاقتصادية.

طيلة الوقت، اتهمَت الهيئات التمثيلية العربية جهاز الشرطة بالتواطؤ مع المجرمين، طالما لم يمتد نشاطهم إلى الشارع اليهودي. جاء تصريح القائد العام للشرطة يعقوب شبتاي قبل أيام، ليؤكد أن معظم قادة عصابات الجريمة بين العرب هم عملاء لجهاز الأمن العام (الشاباك)، ولهذا لا تستطيع الشرطة محاسبتهم. إذن فالدولة التي تحاكم رئيس حكومتها ووزراءها بتهم الرشوة والفساد، لا تستطيع محاسبة عصابات الإجرام لأنها محمية من الشاباك، والشاباك لا يحمي هؤلاء إلا لأنهم يخدمون السياسة العامة الموجهة ضد العرب. الشاباك يتدخل للإفراج عن المجرمين إذا ما اعتقلوا، ويغض الطرف عن تجارتهم في السلاح والسموم، وقروض السوق السوداء والتجارة في الجريمة نفسها، فهناك تسعيرة للجريمة المطلوبة، تبدأ من تخريب أملاك، إلى تهديد بالقتل، ثم الإصابة بجروح في ساق واحدة أو في اثنتين وحتى القتل.

بهذا يملك الشاباك ورقة ضغط على المجرمين، وكذلك على ضحاياهم وعلى الجمهور العربي كله، واستغلت أحزاب السلطة الإسرائيلية الأمر وباتت تفاوض الأحزاب العربية على استعدادها لمحاربة الجريمة. تصريح قائد الشرطة يعقوب شبتاي، يؤكد ما يعرفه الناس في الشارع العربي. الشاباك يعرقل التحقيق مع المجرمين حتى النهاية، ويتركهم ينفذون جرائمهم التي يخططون لها، وفي أحيان كثيرة بصورة شبه علنية. زعمت الشرطة طيلة الوقت بأن المواطنين العرب لا يدلون بشهادات ضد من ينفذون أعمالا إجرامية، ويكتفون بتقديم شكوى ضد مجهول، ولكن الحقيقة أن كل من قدم شهادة ضد شخص من عالم الجريمة ورط نفسه، فالشرطة تشي بمن يخبر عن المجرم، بدلا من حمايته، ويبدو أن جهاز الأمن العام هو الذي يتولى مهمة الوشاية بمن يُبلغ الشرطة بما رآه أو عرفه عن هؤلاء المجرمين، فيسبب مزيداً من إراقة الدماء بين الناس، وهذا جعل معظم الناس يخشون الإدلاء بشهاداتهم خشية عقاب قد يصل إلى القتل أو دفع تعويض مالي للمجرمين. ازدهر انتشار الجريمة في فترة حكم نتنياهو، فجهاز الأمن العام يخضع في نهاية الأمر إلى مكتب رئيس الحكومة، وعندما كان نتنياهو يعلن أنه سيحارب الجريمة بين العرب، كان يعرف من الذي يحرك الجريمة ويحمي قادتها. السلطة وضمن عدائها للمواطنين العرب معنية في سيطرة العصابات على الميدان، وليس رجال السياسة، ولا القيادات الاجتماعية العربية، التي كانت تشكل مرجعية بشكل أو بآخر لحل الخلافات بين الناس، وضبط الروابط الاجتماعية، وكانت عنوانا للجماهير في القضايا الوطنية.

انتشار الجريمة أضعف قيادات الجماهير العربية، ووضعها تحت وابل من الانتقادات، واتهمهم الناس بالعجز عن وقف النزيف في الدم والموارد والطاقات والقيم الاجتماعية، وهذه نقطة استغلها سياسيو أحزاب السلطة المعادين للعرب.

رعاية الشاباك للجريمة ينضوي في إطار سياسة مضايقة الجماهير العربية، فهذا مجال واسع للفساد وللتخريب والتشويش والتفريق بين الناس، وإلى الصراعات الداخلية، وفي النهاية الحث على الهجرة من الوطن، وهو هدف استراتيجي وضعته حكومات إسرائيل المتعاقبة نصب أعينها. أتى تصريح قائد الشرطة بتحميل المسؤولية للشاباك في اجتماع بينه وبين وزير الأمن الداخلي عومر بارليف. ربما قصد القول بأن الشرطة ليست فاشلة وقادرة على محاربة الجريمة إذا أطلق (الشاباك) يدها، خصوصاً بعد تكرار حوادث استخدام السلاح ضد الشرطة نفسها في الأشهر الأخيرة. إضافة إلى أنها محاولة تبرئة للشرطة نفسها من تعاملها العنصري، والكيل بمكيالين تجاه الجريمة بين اليهود والعرب.

الجريمة المُنظمة حلقة أخرى من حلقات صراع شعبنا في مواجهة الحركة الصهيونية، منذ وضعت نصب عينيها احتلال فلسطين وتطهيرها على أساس عرقي من سكانها الأصليين، وعلى هذا الأساس نتعامل مع الجريمة المنظمة، بأنها جريمة أخرى من جرائم السلطة وأذرعها بحق شعبنا، وهي سياسية وليست جرائم جنائية فقط.

*كاتب فلسطيني .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى