أقلام وأراء

سنية الحسيني تكتب – عن بايدن والشرق الأوسط

سنية الحسيني – 12/11/2020

يواجه جو بايدن الرئيس الجديد للولايات المتحدة تحديات كبيرة. فبالإضافة إلى الانقسام المجتمعي، تشكل تداعيات جائحة «كورونا» وأزمة الاقتصاد تحدياً كبيراً للرئيس الجديد. والنجاح في تجاوز هاتين المشكلتين الأخيرتين سيساعد حتماً في تجسير أزمة الانقسام المجتمعي والعبور بالبلاد المتحدة إلى بر الأمان.

تشكل الإصابات والوفيات في أميركا جراء جائحة «كورونا» خُمس إصابات ووفيات العالم تقريباً، في أكبر كارثة صحية تصيب الولايات المتحدة خلال القرن الأخير. يأتي ذلك بالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية الحادة المصاحبة التي أصابت البلاد، وباتت تعتبر الأكبر منذ أزمة الكساد الكبير عام ١٩٣٠.

إن أولويات الإدارة الجديدة ستتجه دون أدنى شك لإصلاح ذات البين على المستوى المحلى والشأن الداخلي، في حين ستقبع ملفات الشأن الدوليعموماً وملف الشرق الأوسط خصوصاً في مرتبة أدنى، ولن يحصل ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على اهتمام كبير على الأقل في الأشهر الأولى للإدارة، وهو الأمر الذي أكد عليه أنتوني بلنكن كبير مستشاري بايدن في ملف الشؤون الخارجية في التاسع من شهر تموز الماضي. ومن المرجح أن تكون أولويات السياسة الخارجية الأميركية في عهد بايدن متجهة نحو العلاقات مع الصين وروسيا وإصلاح العلاقات مع أوروبا، ومن ثم ملفات الشرق الأوسط وعلى رأسها إيران وملفها النووي، والحروب غير المنتهية والوعود بتخفيض عدد القوات الأميركية في المنطقة. وتعتبر المصادر الأميركية أن بايدن من أكثر الرؤساء الأميركيين خبرة في التعامل مع منطقة الشرق الأوسط، ومن أكثرهم خبرة بملفاتها بعد الرئيس جورج بوش الأب. ومن غير المرجح أن تبتعد سياسات إدارته في المنطقة كثيراً عن السياسات الأميركية التقليدية للديمقراطيين.

وفي إطار ملف الشرق الأوسط، وهو الملف المهم للفلسطينيين، تعتبر إعادة تفعيل العمل بالاتفاق النووي مع إيران من أهم أولويات الإدارة  الجديدة، لما يشكله البرنامج النووي الإيراني، حسب الرؤية الأميركية، من تهديد للمصالح الأميركية في المنطقة. فقد جاء إبرام الاتفاق النووي الإيراني مع إدارة الرئيس أوباما عام 2015، والذي انسحب منه الرئيس ترامب بعد ذلك، بهدف ضبط تطور البرنامج النووي الإيراني. ويطمح بايدن من العودة للعمل بالاتفاق النووي إلى استخدام المفاوضات حول ذلك الملف للتفاوض مع إيران والضغط عليها في ملفي تطوير برنامج الصواريخ البالستية الإيرانية وتدخلاتها الإقليمية، واللذين لم يتطرق إليهما الاتفاق النووي السابق. لذلك عندما يتحدث بايدن عن الاتفاق النووي مع إيران يؤكد على أن إحياء الاتفاق يرتبط بإضافة تعديلات عليه.

ويشكل تطوير إيران لبرنامج الصواريخ البالستية أرقاً كبيراً سواء لإسرائيل أو السعودية، حليفتي الولايات المتحدة الرئيسيتين في المنطقة، واللتين تطالبان بضرورة ضبطه ووضعه تحت رقابة مشددة. وبالإضافة إلى ضبط برنامج إيران لتطوير برنامج الصواريخ البالستية، تطمح الولايات المتحدة من خلال الاتفاق النووي إلى التوصل لاتفاق مع إيران لتقليص نفوذها في العراق وسورية واليمن من خلال إستراتيجية طويلة الأمد. وتهتم الولايات المتحدة بشكل خلص بالوجود الإيراني في العراق، الذي تتواجد فيه أعداد غير قليلة من قواتها. وتمتلك إيران نفوذاً ظاهراً في العراق كما تسيطر على مليشيات مسلحة تابعة لها فيها. وتحاول القوات الأميركية المتواجدة في العراق تجنب الوصول لحد الصدام مع تلك المليشيات. كما يثير التواجد العسكري الإيراني وقوات من «حزب الله» في سورية قلقاً ظاهراً من قبل إسرائيل، خصوصاً بعد انسحاب جزء من القوات الأميركية منها. وتسعى إسرائيل والولايات المتحدة لإخراج إيران وحليفها اللبناني من الأراضي السورية. وأما فيما يخص الحرب في اليمن فتتطلع الولايات المتحدة لإنهائها، وتعتبر إيران طرفاً غير مباشر فيها من خلال حلفائها الحوثيين. كما تتطلع السعودية لإنهاء تلك الحرب أيضاً، لكن مع التخلص من أي عناصر يمنية موالية لإيران. وتعتقد الولايات المتحدة أن إعادة إحياء الاتفاق النووي مع إيران بتعديلاته الإضافية يمكن أيضاً أن يساعد في إنهاء الحرب اليمنية بتكلفة أقل.  

إن التفاوض مع إيران حول ملفها النووي وتعديلاته لا يعني فقط من منظور بايدن وفريقه إنهاء لحالة الحرب التي لا تنتهي في الشرق الأوسط، وإنما يرتبط أيضاً بتخفيض أعداد قواتها في المنطقة. وعلى الرغم من أن بايدن لا يؤمن كالجمهوريين بالسياسة الانعزالية، إلا أنه يميل إلى الوفاء بتعهداته بتخفيض أعداد القوات الأميركية خارج حدود البلاد، وتخفيف التواجد العسكري الأميركي الكبير على الأرض في الشرق الأوسط عموماً، ومع ذلك يعتبر بايدن أن أي انسحاب أميركي من المنطقة لا بد أن يأتي ضمن اعتبارات وشروط.

لا بد هنا من التساؤل حول فرص لاتفاق مع إيران حول ملفها النووي. إذ يعتبر المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي والحرس الثوري الجهة التي تتحكم بالقرار السياسي الخارجي الإيراني، حيث يعكس هؤلاء توجهات المعسكر المتشدد في طهران الذي لا يميل لعقد اتفاق مع الولايات المتحدة. ومن ناحية أخرى، يميل الجناح المعتدل الممثل بالرئيس الحالي حسن روحاني إلى التوصل لاتفاق والعودة إلى الاتفاق النووي لعام 2015 ورفع العقوبات عن البلاد، دون إدخال تعديلات جديدة على الاتفاق. ولم يتبق لروحاني إلا ستة أشهر في منصبه، فما بين شهر كانون الثاني ووصول بايدن للبيت الأبيض وشهر حزيران وخروج روحاني من منصبه، ومع تصاعد مكانة الجناح المتشدد في البلاد قبل الانتخابات، يبقى السؤال قائماً حول إمكانية التوصل إلى اتفاق بين إيران وإدارة بايدن.  

وفي الخليج، وانطلاقاً من المصالح الأميركية والسعودية في إطار الأمن والطاقة وإيران، من غير الوارد أن يخاطر بايدن بخسارة علاقة بلاده مع حلفائها التقليديين من دول الخليج وعلى رأسها السعودية، أو بانسحاب أميركي عسكري كامل من منطقة مصالحها ونفوذها في الخليج. وقد أكد بايدن على أن إعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني، والذي تسبب توقيعه في عهد الرئيس أوباما باستياء سعودي، سيخضع لتعديلات تتوافق مع المصالح والتطلعات السعودية، وعلى رأسها ملف الصواريخ البالستية. وليس من المتوقع أن تؤثر تصريحات بايدن حول ملف حقوق الإنسان الخاص بالسعودية كثيراً على التحالف الإستراتيجي بين البلدين. وكان بايدن قد أكد خلال حملته الانتخابية انتقاده للسياسات السعودية عموماً في مجال حقوق الإنسان، مؤكداً أن إدارته لن تتجنب مساءلة السعودية في حادثة مقتل الصحافي جمال خاشقجي، وهي القضية التي تحظى بدعم من كلا الحزبين في الكونغرس. وقد استطاعت السعودية تجاوز تلك المساءلة خلال فترة ولاية ترامب، ولكن لا يعرف إلى أي مدى سوف تضغط إدارة بايدن على السعودية في إطار معالجة هذا الملف في ظل حرصها على استمرار علاقة مصالح إستراتيجية.

وأما فيما يتعلق بملف التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل، يدعم بايدن اتفاقات التطبيع ويشجعها، إلا أنه ليس من المتوقع أن يجبر الدول العربية الأخرى ويضغط عليها في سبيل التطبيع، كما فعل ترامب. إن هزيمة ترامب قد تسبّبت بخيبة أمل كبيرة لبنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي، خصوصاً فيما يتعلق بملفي التطبيع والصراع الفلسطيني الإسرائيلي. فإعلان بايدن وفريقه الالتزام بحل الدولتين يقوّض تلقائياً «صفقة القرن» التي وضعها ترامب ونتنياهو على الطاولة. كما أن وعود بايدن بفتح القنصلية الأميركية في القدس وإعادة المساعدات الأميركية للسلطة ووكالة غوث اللاجئين، وإعادة فتح مكتب منظمة التحرير في واشنطن، تنبئ بانتهاء حقبة الضغط وتهميش مكانة الفلسطينيين. ومن المتوقع أن يعيد بايدن مسار التعامل مع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي إلى حقبة ما قبل عهد ترامب، ولكن ليس هناك ما يضمن أنه سيستطيع الضغط على إسرائيل وإجبارها على التوصل إلى حل للقضية الفلسطينية يعطي الفلسطينيين حقوقهم أو على الأقل يوقف الاستيطان، وأن كل ما ستفعله إدارة بايدن هو إعادة العملية السلمية والتفاوضية لسابق عهدها في ظل إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى