أقلام وأراء
سميح صعب: غزة تترك ارتداداتها على السياسات البريطانية
سميح صعب 6-3-2024: غزة تترك ارتداداتها على السياسات البريطانية
تترك حرب غزة ارتداداتها بقوة على السياسة البريطانية، سواءً في صفوف حزب المحافظين الحاكم أو حزب العمال المعارض، وتطغى على الجدل بين الحزبين وسط تبادل الاتهامات في سنة انتخابية.
والفوضى التي عمّت البرلمان عند طرح مشروع قرار يدعو إلى وقف فوري للنار في غزة الشهر الماضي، لا تزال تثير جدلاً بين المحافظين والعمال، علماً أنّ مواقف حكومة ريشي سوناك تقترب أكثر فأكثر من موقف المعارضة. وبرز ذلك في دعوة وزير الخارجية ديفيد كاميرون خلال زيارته جزر فوكلاند في النصف الثاني من شباط (فبراير) الماضي، إلى “وقف للنار الآن”. بينما حسم “العمال” بزعامة كير ستارمر موقفه من مسألة الدعوة إلى وقف فوري للنار، بعد كثير من التردّد، وبعدما تماهى مع موقف الحكومة في الأيام الأولى من الحرب.
هذا يعني أنّ الحرب أملت تغييرات على الموقف البريطاني، الذي كان أكثر التصاقاً بالموقف الأميركي، من حيث الإعلان عن “حق إسرائيل في الدفاع عن النفس” ورفض الدعوات إلى وقف فوري ومستدام للنار. وامتنعت بريطانيا عن التصويت لمصلحة ثلاثة مشاريع طُرحت في مجلس الأمن منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، بينما استخدمت واشنطن الفيتو ضدّ هذه المشاريع.
ومن المؤكّد أنّ غزة ستكون موضوعاً أساسياً في الحملات الانتخابية للأحزاب البريطانية. وشكّلت مسألة اعادة انتخاب اليساري جورج غالواي نائباً في الانتخابات الفرعية التي أُجريت في منطقة روتشديل بشمال انكلترا الخميس، تحذيراً للحزبين الرئيسيين. وبعد فوزه خاطب غالواي زعيم حزب العمال قائلاً: “كير ستارمر، هذا من أجل غزة”. واتهم “العمال” بـ”التشجيع والتغطية على الكارثة التي تشهدها فلسطين المحتلة”.
ومعلوم أنّ حزب العمال سحب مرشحه أزهر علي، بعدما تحدّث عن نظرية مؤامرة مفادها أنّ إسرائيل سمحت لـ”حماس” بتنفيذ هجوم السابع من تشرين الأول (أكتوبر) على أراضيها. وسارع حزب المحافظين على الأثر إلى اتهام حزب العمال، بأنّه أخفق في التخلّص من إرث معاداة السامية في صفوفه.
وفي المقابل، هاجم “العمال” حزب المحافظين بعدما قال أحد نوابه لي أندرسون إنّ “الإسلاميين يسيطرون” على رئيس بلدية لندن صديق خان. واضطر الحزب إلى تعليق عضوية هذا النائب بعدما أثار جدلاً واسعاً في بريطانيا.
وتشهد لندن أسبوعياً تظاهرات تدعو إلى وقف فوري للنار في غزة. ولا يزال المحافظون يتعاملون اليوم مع آثار تعليقات معادية للمسلمين أطلقتها شخصيات من الجناح اليميني مثل أندرسون ووزيرة الداخلية السابقة سويلا بريفرمان، التي رفضت منح ترخيص لتظاهرة مؤيّدة لغزة في 11 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، بسبب تزامنها مع إحياء البريطانيين لذكر الهدنة في الحرب العالمية الأولى. واتهمت بريفرمان المتظاهرين بالتشدّد، وكان ذلك سبباً في إقالتها.
وكما هو الحال في الولايات المتحدة، حيث أدّى الغضب في صفوف بعض الديموقراطيين بسبب الدعم القوي الذي يقدّمه الرئيس جو بايدن لإسرائيل، إلى تصويت احتجاجي في الانتخابات التمهيدية في ولاية ميشيغن الأسبوع الماضي، يخشى المحافظون أن يكون موقفهم حيال غزة سبباً إضافياً في تدهور شعبيتهم من الآن وحتى موعد الانتخابات في الخريف.
وكما في بريطانيا، كذلك في دول أوروبية أخرى، تبدو المواقف في حالة تغيّر تحت ضغط المأساة الإنسانية التي تتصاعد في غزة وصولاً إلى تفشي الجوع والأمراض وتخطّي الضحايا عتبة الثلاثين ألفاً، فضلاً عن 75 ألف جريح. والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون صار من الداعين إلى وقف فوري للنار، بعدما كان أبدى تعاطفاً كبيراً مع إسرائيل، عقب هجوم حركة “حماس”. وحتى ألمانيا التي أبدت مواقف مؤيّدة بالمطلق لإسرائيل بسبب الحساسية التاريخية، بدأت تُظهر مواقف تحذّر من الكارثة التي تحلّ بالفلسطينيين.
لكن تبقى بريطانيا، الأكثر احتداماً في الجدل السياسي بسبب الانتخابات وبسبب قرب المواقف السياسية البريطانية عادةً من المواقف الأميركية، على رغم أنّ رأي غالبية البريطانيين هي بخلاف ذلك.