أقلام وأراء

سليمان ابو ارشيد يكتب –  عباس بين مساحة الاجتهاد وحدود السقوط

سليمان ابو ارشيد  *- 11/6/2021

من المفارقات أن تصدر محكمة إسرائيلية أمرًا بحبس الشيخ كمال خطيب نائب رئيس الحركة الإسلامية المحظورة إسرائيليًا حتى انتهاء الإجراءات القانونية، في الوقت نفسه الذي يوقع فيه منصور عباس رئيس الحركة الإسلامية الجنوبية اتفاقا ائتلافيا ينضم بموجبه لحكومة إسرائيل. المفارقة هي أنّ الرجلين لا ينتميان فقط إلى نفس الجذر الإسلامي، بل إلى نفس الحركة الإسلامية التي انشقّت على نفسها عام 1996، على خلفيّة المشاركة أو عدم المشاركة في انتخابات الكنيست.

وقبل أن يذهب البعض إلى صبغ الموضوع بألوان سياسيّة، نذكر أن رئيس حركة “فتح”، ورئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، يمارس سياسة التنسيق الأمني مع إسرائيل، في الوقت الذي ما زالت تعتقل فيه الأخيرة (منذ 20 عاما) أمين سر حركة “فتح” ذاتها، مروان البرغوثي.

هذه المقارنة مستوجبة. أولًا لأننا، أبناء الداخل الفلسطيني، جزء من شعب وقضية أدخلتها محطة أوسلو إلى حالة إرباك تاريخي – إن صحّ التعبير – وأدّت إلى انشقاق حادّ بين من سلم بخراج أوسلو، القائم على فوقية يهودية صهيونية إسرائيلية في فلسطين التاريخية، لا “مفر” من التعاطي معها، ربما من خلال حكم ذاتي هزيل وتابع أمنيا هناك، ومشاركة ناقصة وذليلة على هامش السياسة الإسرائيلية تقوم على مقايضة الحقوق الوطنية بفتات الخبز اليومي هنا.

وبين من لا زالوا يعتقدون بحتمية انتصار قضيتهم العادلة وإيصالها، بأقلّ تقدير، إلى حل وسط تاريخي يحفظ للشعب الفلسطيني هنا وهناك وفي الشتات الحد الأدنى من كرامته وحقوقه الوطنية. وإلى ذلك الحين، يجب الإبقاء على جذوة المقاومة مشتعلة، باختلاف أشكال النضال بين تجمّعات الشعب الفلسطيني المختلفة وممارسة حياتنا اليومية في ظل هذا الواقع، دون التسليم بنتائجه وانتزاع ما استطعنا من حقوق مدنية من خلال النضال اليومي الدؤوب.

حالة منصور عباس الأخيرة أثبتت أنّ هذا الانقسام عابر للاجتهادات والتيارت الفكرية، وإن بدا في الأراضي المحتلة منذ عام 67 بين التيار الوطني – القومي من جهة، والتيار الإسلامي الذي عارض اتفاقية أوسلو من الجهة الأخرى، فقد وقع هنا داخل التيار الإسلامي نفسه، أيضًا، وتعمق مؤخرًا بـ”غزوة” منصور عباس إلى أبعد الحدود.

والسؤال هو لماذا تباعدت المسافات وتضاربت الاجتهادات، إذا ما اعتبرناها كذلك، إلى هذا الحد الذي تنسف فيه المشتركات وتضع أبناء التيار الواحد والتنظيم الواحد والقضية الواحدة على طرفي نقيض، وإلى أيّ حد يستطيع زورق الوحدة الوطنية المطاطي المثقل أن يتسع للجميع.

في الضفّة والقطاع، نشهد منذ عقد ونصف من الزمن نظامين وكيانين سياسيين وسلطتين، واحدة في الضفة والثانية غزة، لم تفلح كل محاولات المصالحة من الدوحة وحتى القاهرة من جمعهما في وعاء وطني واحد، وداخل “فتح” – التنظيم الذي يقود منظمة التحرير برز إلى السطح الخلاف التناحري بين نهجين، في الانتخابات التي أعلن عن إلغائها، بعد أن كانت حركة “فتح” ستخوضها بقائمتين، الأولى برئاسة محمود عباس والثانية برئاسة البرغوثي- القدوة.

هو تناقض تناحري، أيضًا، بين الهبّة الجماهيرية التي اجتاحت مدن الداخل كجزء من الكل الوطني، وبين ما سمي بنهج التأثير الذي تُوّج بتوقيع منصور عباس على الدخول في ائتلاف حكومي إسرائيلي صهيوني برئاسة التيار اليميني الديني الاستيطاني وزعيمه، الذي لا يرى في قتل العرب مشكلة كبيرة، تناقض يميّز مرحلة الإرباك التاريخي التي خلقتها التسوية المتعثرة، لا بد أن يحتدم وصولا إلى الحسم لصالح أحد طرفيه.

هو نوع من السباق بين نهجين سيكون لساحة الداخل، على ما أعتقد، شرف الحسم بينهما، لأن فشل خطوة منصور عباس ستدفن معها واقع الاستسلام لمخرجات أوسلو، وتنهي حالة الإرباك التاريخي التي أصابت القضية الفلسطينية وتدخلها في مرحلة جديدة من النضال ضد نظام الأبرتهايد الممتد بين النهر والبحر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى