أقلام وأراء

سليمان ابو ارشيد يكتب – حذار من حرب التخوين والتكفير..!

بقلم  سليمان ابو ارشيد  *- 14/2/2021

بالعودة إلى جذور نشأة حركاتنا السياسية في الداخل، نجد تشابها محكوما بظروف الزمان والمكان والقضية المشتركة رغم اختلاف الأيديولوجيا. واللافت، أيضًا، هو مراوحة البدايات المؤسسة وتداخلها بين العمل السري/ العسكري وبين العلني/ السياسي، الذي يسبق استقرار الرؤية السياسية الشاملة التي تحكم أنماط العمل وأساليب النضال ضمن منطوقها العام.

وعلى سبيل المثال، نجد أنّ حركة “أبناء البلد” – التي تشكلت كقائمة محلية، شاركت في انتخابات مجلس أم الفحم المحلي عام 1973، وحصلت على مقعد احتله في حينه المحامي الراحل محمد كيوان – رشّحت في انتخابات 1978 الأسير غسان الفوزي لرئاسة المجلس المحلي، وهو داخل سجنه الذي كان يمضي فيه فترة محكوميته بتهمة انخراطه في منظمة “الجبهة الحمراء”، وهي شبكة فدائية ضمّت 40 عنصرًا قدمّت ضدهم لوائح اتهام مطلع عام 1973، وقادها داوود تركي وشغّلها من دمشق حبيب قهوجي، الذي كان أحد قادة “حركة الأرض”.

كما أنّ “أبناء البلد”، التي انشقت حول الموقف من انتخابات الكنيست عام 1983، عادت وشاركت فيها في إطار “التجمع الوطني الديمقراطي” عام 1996، قبل أن تنشقّ عنه وعلى نفسها لاحقا، ولا تزال إلى اليوم كوادر واسعة منها ضمن قواعد وقيادات “التجمع الوطني الديمقراطي”، الذي يشارك في الانتخابات في حين يحمل شقها الآخر اسم وموقف “أبناء البلد” التاريخي من الكنيست.

في المقابل، نجد أنّ “أُسرة الجهاد” – التي أسّسها الشيخ عبد الله نمر درويش عام 1979، واعتقلت إسرائيل عناصرها ومن ضمنهم درويش والشيخ فريد أبو مخ، بتهم الدعوة للجهاد المسلح – شكّلت الخلية الأولى للحركة الإسلامية التي انشقت لاحقا على خلفية الموقف من انتخابات الكنيست إلى حركتين: الشمالية بقيادة الشيخ رائد صلاح، والتي رفضت المشاركة وأخرجت عن القانون مؤخرا؛ والجنوبية بقيادة الشيخ درويش التي شاركت ضمن “القائمة العربية الموحدة” في انتخابات الكنيست عام 1996، ورشّحت الأسير المحرر عبد المالك دهامشة، الذي مثلّها لفترتين متتاليتين، ويرأس قائمتها اليوم د. منصور عباس.

وليس من قبيل المصادفة أن يلعب أسلوب النضال السلمي/العسكري دورًا أساسيًا في تشكيل ونشأة الحركتين وأنْ يحتلّ الموقف من الكنيست – بما يحمله من أبعاد تتعلق بالموقف من شرعية أو عدم شرعية إسرائيل – محورًا أساسيًا في حياة الحركتين السياسيتين، أفرز وجود جناحين، أحدهما لا يخوض انتخابات الكنيست، والآخر يخوض هذه الانتخابات.

وكان من الطبيعي أن يكون جناح الحركة الإسلامية التي تخوض الانتخابات أكثر اعتدالا في القضايا السياسية والعقائدية، ما يشرّع لها خوض غمار هذا المضمار ونسج التحالفات السياسية الضرورية في سبيل ذلك، ومنها التحالف الأخير الذي جمعها في قائمة مشتركة مع الحزب الشيوعي، وهي ليست حالة مفهومة ضمنا بالنسبة لحركة إسلامية.

وسبق وتعرضت الحركة الجنوبية، بسبب ممارسات وشطحات لزعيمها الراحل عبد الله نمر درويش، تجاوزت الخطوط الحمر في بعض الأحيان، إلى الكثير من الانتقادات اللاذعة من قبل القوى الوطنية، إلّا أنّها بقيت، بالمحصلة، في الخندق الوطني وحتى الراديكالي، أحيانًا، تنشط في صيانة والدفاع عن المقدسات في القرى المهجرة وفي نصرة القدس والأقصى، واعتلى رئيسها حماد أبو دعابس أسطول الحرية لكسر الحصار عن غزة، واعتبر رئيس كتلتها في الكنيست شريكًا في المسؤولية عن أحداث “هبة القدس الأقصى”، من قبل “لجنة أور”.

ورغم شطحات منصور عباس الأخيرة وسقطته في تصريحه القبيح المتعلق بالأسرى، فإنّ ذلك لن يحوّل حركته، بجرّة قلم كما يريد البعض، إلى امتداد للقوائم العربية العميلة التي كانت مرتبطة بحزب العمل وامتداده التاريخي “مباي”، لمجرد أنّها انفصلت عن القائمة المشتركة وخاضت الانتخابات منفردة.

ويجب أن نذكر جيّدا – قبل الضغط على زناد التخوين – أنّ الحديث لا يدور عن شخص يمتلك حزبا بل عن حركة لها قواعد وكوادر ومنابر وعمل دعوي واجتماعي وسياسي على الأرض، وهي قادرة على ضبط لسان قياداتها وسلوكهم عندما يقتضي الأمر ذلك، بل ومخوّلة بذلك.

كما أنّ أسلحة التخوين والتكفير الذي بدأت تلوح نذره هو الآخر في الأفق، من شأنها أن تجرّ جماهيرنا إلى معركة “داحس والغبراء” لن تبقي ولن تذر، من أجل بضعة مقاعد في كنيست الدولة اليهودية لا تقدّم ولا تؤخّر، ليس في شكل الحكم والدولة بل وفي تشكيل الحكومة، لأنه غير مسموح لها بذلك.

وبالنظر إلى ما آل إليه الفرز على الساحة الإسرائيلية، فإنه من بين التشكيلة المعروضة لا يوجد فروقات جذرية تذكر بين نتنياهو وساعر وبينيت وحتى لبيد، طالما يوحدهم الإجماع على رفض الحقوق الوطنية الفلسطينية ورفض الاعتراف بحقوقنا القومية الجماعية في الداخل الفلسطيني.

 * صحافي من الداخل الفلسطيني (1948).

aboirshed@hotmail.com    

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى