أقلام وأراء

سليمان أبو ارشيد يكتب – لماذا يترجم رئيس الموساد يوميات “لورنس العرب”

سليمان أبو ارشيد  *- 5/3/2021

ما وجه الغرابة بأن يقوم رئيس الموساد الأسبق، أفرايم هليفي، بترجمة “يوميات لورنس العرب” الموصوف بأنه الجاسوس الأشهر في القرن العشرين، وذلك بعد 85 عاما على موته، وأن يذيل هذه الترجمة بتحليل شامل من عصارة تجربته الشخصية الواسعة في هذا الحقل المخابراتي الخاص بالتعامل مع العرب.

المقصود بالشخص المثير للجدل، وهو ضابط المخابرات البريطاني العقيد توماس إدوارد لورنس الشهير بـ”لورنس العرب” الذي كلف بمهام خلف خطوط “العدو” العثماني خلال الحرب العالمية الأولى، عبر تأليب القبائل العربية وزعمائها ضد الدولة العثمانية، ودفعها للتمرد وقطع خطوط إمداد الجيش العثماني وأشغاله.

وقد تكللت مهمة لورنس بالنجاح في إشعال التمرد الذي عرف بالثورة العربية الكبرى ضد الدولة العثمانية عام 1916، عبر الوعودات التي قطعها باسم بريطانيا للعرب، والتي قال عنها فيما بعد: “لقد كنت أعلم أننا إذا كسبنا الحرب فإن عهودنا للعرب ستصبح ‘أوراقا ميتة‘، غير أن الاندفاع العربي كان وسيلتنا الرئيسية في كسب الحرب الشرقية، وعلى ذلك فقد أكدت لهم أن بريطانيا سوف تحافظ على عهودها نصًا وروحًا، فاطمأنوا إلى هذا القول وقاموا بالكثير من الأعمال المدهشة، ولكني في الواقع بدلاً من أن أشعر بالفخر لهذا الذي فعلته، كنت أشعر دائمًا بنوع من المرارة والخجل”.

وفعلا، ما أن وضعت الحرب أوزارها حتى تقاسمت بريطانيا وفرنسا المشرق العربي وفق اتفاقية “سايكس بيكو”، وأصدرت بريطانيا وعد بلفور الذي أعطى الحق لليهود بإقامة دولتهم في فلسطين، وقامت بريطانيا بسحب لورنس من المنطقة العربية بعد انتهاء دوره، ثم أرسلته في مهمة أخرى عام 1926 إلى أفغانستان التي استعصت على بريطانيا في حربين متتاليتين.

وفي مجال خدمته للمشروع الصهيوني، أشاد حاييم وايزمان في كتابه “التجربة والخطأ”، بالدور الذي لعبه لورنس في خدمة المشروع الصهيوني بقوله: “أود أن أعلن في هذا المجال تقديري للخدمات الجليلة التي أسداها لقضيتنا الكولونيل لورنس، لقد اجتمعت به في مصر وفلسطين، وقابلته فيما بعد في عدة لقاءات، إن علاقته بالصهيونية علاقة إيجابية على الرغم من تظاهره بالميل للعرب”.

وإن كان الدور الذي لعبه لورنس تعدى بكثير دور الجاسوس التقليدي إلى المساهمة في رسم سياسات المنطقة وخرائطها وولاءاتها السياسية، وهو ما دفع ونستون تشرتشل، الذي شغل في حينه منصب وزير المستعمرات، إلى وصفه بأنه “شخصية لن يظهر لها مثيل، مهما كانت الحاجة ماسة إليها”، بالرغم من ذلك فإن الدور الذي لعبه لورنس كرجل مخابرات بقي لافتا للعاملين في هذا المجال، وبينهم أفرايم هليفي، المولود هو الآخر في بريطانيا.

وتعتبر ترجمة يومياته التي قام بها هليفي، بمثابة قراءة جديدة، كما يقول، تفتح الباب لكل من يريد الاطلاع على عملية تبلور ضابط مخابرات اتسم بكونه رجل ميدان حاد البصيرة وأكاديميا مختصا بعلم التطور الاجتماعي، وملتصقا بمهمته وصاحب مؤهلات تقنية وفنية؛ ومن المحبذ أن تُدرس تجربته من قبل ضباط المخابرات الشباب لتوسيع آفاقهم وتعميق الوعي لديهم بأن المخابرات هي ليست أقمارا اصطناعية وسايبر ولوغريتمات فقط.

ويرى أن قراءة معمقة لليوميات صفحة بعد أخرى، “تكشف لنا ولادة ضابط مخابرات متعدد المجالات، يتبلور في نهايتها لورنس بشخصيته المثيرة التي عرفناها، حيث خرج الرجل في رحلة راجلة بمعظمها للتعرف على المنطقة عن كثب، وليس عبر الاطلاع على الخرائط أو قراءة كتب الطبيعة”، كما يقول هليفي.

ويخلص هليفي إلى أنه أمام رجل مخابرات صاحب انضباط حديدي، نشط، ويعتمد على تغذية أساسية، يصور ويقيس كل أثر موقع ويكتشف على الفور إذا كان من الفترة الرومية أو العربية أو الصليبية، ويذهب في كثير من الحالات إلى شيوخ محليين ويجري معهم محادثات حتى ساعات متأخرة من الليل ليتعلم ثقافة الخيام من الداخل، ويعرف كيف يتحدثون وكيف يفهمون دون حديث، ومن هو الأهم ومن هو الأقل أهمية وأشياء إضافية أخرى لا يمكن تعلمها في كامبردج أو أوكسفورد، على حد قوله.

* صحافي من الداخل الفلسطيني (1948).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى