#شوؤن عربية

سعيد عكاشة: بعد اغتيال نصر الله: هل تغير إسرائيل استراتيجيتها تجاه حزب الله؟

سعيد عكاشة * 29-9-2024: بعد اغتيال نصر الله: هل تغير إسرائيل استراتيجيتها تجاه حزب الله؟

عندما بدأ التصعيد بين إسرائيل وحزب الله في 8 أكتوبر 2023، تشكلت معادلة جديدة في الصراع الممتد بين الطرفين منذ آخر مواجهة كبرى بينهما عام 2006. إذ أعلن حزب الله دعمه لحركة حماس التي شنت هجوماً كبيراً على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، مشترطاً وقف إسرائيل للحرب في غزة مقابل توقف حزب الله عن قصف مدن شمال إسرائيل والذي تسبب في إجلاء ما يقرب من 80 ألف إسرائيلي من منازلهم في الشمال، فيما وضعت إسرائيل شرطاً مضاداً لوقف التصعيد نفسه، وهو رحيل قوات حزب الله عن جنوب لبنان وتنفيذ القرار الدولي 1701 لعام 2006 والذي ينص على تسليم المنطقة حتى نهر الليطاني (قرابة 30 كيلومتر من الحدود الإسرائيلية) للجيش اللبناني ومنع تواجد أي قوات لحزب الله هناك.

بعد الضربات القاسية التي تلقاها حزب الله والتي أدت إلى مقتل كبار قادته وعلى رأسهم زعيمه حسن نصر الله، بالإضافة إلى إصابة عدة آلاف من قياداته الوسيطة في الهجمات المعروفة باسم عملية “أجهزة البيجر”، بات الحزب في حالة ارتباك واضحة تريد إسرائيل استغلالها، ليس فقط من أجل دفع قوات الحزب نحو الليطاني كما كانت تطمح في السابق، بل ربما تسعى لتصفية وجود الحزب في لبنان رغم صعوبة تحقيق ذلك عملياً على المدى المنظور. ولكن على المدى البعيد، تراهن إسرائيل على تفكيك الحزب بوسائل عسكرية وسياسية، وحروب نفسية، وتحالفات دولية. ويمكن تصور خطوات عملية التفكيك من خلال المحاور التالية:

أولاً: الإبقاء على خيار العملية البرية دون تنفيذها

منذ اندلاع الحرب بين حماس وإسرائيل وتدخل الحزب لإسناد حماس، دفعت إسرائيل بحشود عسكرية كبيرة نحو الحدود مع لبنان. وفي 20 سبتمبر الجاري، أعلنت عن دعم هذه الحشود بعدة كتائب جديدة، وأعلن رئيس أركان الجيش هرتسي هاليفي أن الجيش قد ينفذ عملية برية داخل الأراضي اللبنانية في أي لحظة.

الاعتقاد السائد لدى معظم المحللين الإسرائيليين أن حزب الله بات في وضع ضعيف ولن يقوى على التعامل مع غزو بري محدود أو كبير، وبالتالي هناك فرصة كبيرة للإجهاز على عدد كبير من مقاتليه بما يحقق استحالة تمكنه من إعادة بناء قوته لسنوات طويلة مقبلة.

في المقابل، هناك بعض المحللين الذين يحذرون من الانجرار إلى حرب استنزاف طويلة، خاصة وأن احتلال إسرائيل لأراضٍ لبنانية سيؤدي إلى تنشيط ثقافة “مقاومة الاحتلال” التي زرعها حزب الله منذ ظهوره عام 1983، كما سيؤدي ذلك إلى زيادة الانتقادات لإسرائيل من جانب المجتمع الدولي.

ويبدو أن إسرائيل تفضل في الوقت الراهن عدم تنفيذ عملية برية كبيرة، لن يكون تحقيق أهدافها المفترضة (القضاء على القوة العسكرية لحزب الله، وتفكيك منظومته السياسية) بالأمر السهل، وقد تستبدلها بعمليات برية محدودة وسريعة تهدف إلى تدمير المواقع العسكرية وبعض الأنفاق ومخازن الصواريخ التي بحوزة الحزب، ثم تنسحب وتعيد تكرار مثل هذه العمليات مراراً. يؤيد هذا التوجه ما ذكرته صحيفة “يديعوت أحرونوت” في 28 سبتمبر الجاري، من أن الجيش الإسرائيلي قام بإغلاق الحدود البرية للبنان مع سوريا، كما اخترق برج المراقبة في مطار بيروت لمنع وصول أي إمدادات بشرية أو عسكرية لحزب الله من إيران، وفرض حصاراً بحرياً على الموانئ اللبنانية للغرض نفسه. ويعني ذلك أن إسرائيل تفضل فرض الحصار على حزب الله بدلاً من الدخول في مواجهة برية معه على الأقل في المرحلة الحالية على أمل أن يوقف حزب الله ضرباته الصاروخية نحو المدن الإسرائيلية والانسحاب تدريجياً للخطوط الخلفية شمال نهر الليطاني ومنطقة البقاع.

ثانياً: تشديد الحرب النفسية ضد الحزب ومؤيديه

تستبعد تقديرات الجيش الإسرائيلي – بحسب مصدر عسكري تحدّث لإذاعة الجيش في 28 سبتمبر الجاري – أن ينجح حزب الله في تنفيذ عمليات كبيرة، رغم أن قدراته على إطلاق الصواريخ قصيرة المدى ما تزال قائمة ولم تنفد.

وبناءً على هذا التقدير، يمكن لإسرائيل تجنب عملية برية كبيرة لإسكات منظومة الصواريخ التي بحوزة حزب الله، حيث أثبت سلاح الطيران قدرته على أداء هذه المهمة بنجاح. ومن الناحية النفسية، عندما سيعجز حزب الله عن تنفيذ هجمات مؤثرة ضد إسرائيل، فإن صورته وصورة “محور المقاومة” في أعين الشارع العربي عامة واللبناني خاصة، وفقاً لرؤية إسرائيل، ستهتز بقوة، وتريد إسرائيل منح الفرصة للطوائف المعادية لحزب الله في لبنان للتعبير عن غضبها علانية ضد الحزب، بعد فشله ليس فقط في تحقيق وعوده بردع إسرائيل بل حتى في حماية قادته، فضلاً عن تسببه في فرار مئات الآلاف من اللبنانيين من مدنهم صوب وسط وشمال لبنان وأيضاً نحو الأراضي السورية في وقت تمر فيه لبنان بأزمة اقتصادية وسياسية خانقة منذ عامين على أقل تقدير. أو بمعنى آخر، تريد إسرائيل أن يتم إعادة طرح السؤال القديم في لبنان منذ اتفاق الطائف عام 1989، والذي استثنى حزب الله من تسليم أسلحته للحكومة اللبنانية مثله مثل مليشيات الطوائف الأخرى بحجة أنه “حركة مقاومة” ضد الاحتلال الإسرائيلي. ووفقاً لتلك الرؤية، فإنه إذا كان الحزب قد فقد صفته كجبهة مقاومة ضد إسرائيل، وإذا كان من المحتمل أن يتسبب في عودة إسرائيل لاحتلال أراضٍ لبنانية مجدداً، فلماذا ينبغي الإبقاء على سلاحه الذي لم يثبت فائدته وجدواه؟.

ثالثاً: السعى لتأسيس تحالف أمني بعد نهاية الحرب

اعتبرت إسرائيل أن هجوم حماس عليها في 7 أكتوبر 2023، وقيام أذرع إيران، وعلى رأسهم حزب الله، بإسناد جبهة غزة، هو محاولة من جانب إيران لقطع الطريق على سعى إسرائيل لإقامة تحالف إقليمي ضدها، وبالتالي أصبح هدف إسرائيل الحالي هو إعادة وصل هذا المسعى من جديد بعد نهاية الحرب الحالية. وتعتقد إسرائيل أن نجاحها في القضاء على حماس وحزب الله سيفتح الطريق أمام بناء شرق أوسط جديد تحتل فيه مقعد القوة الإقليمية العظمى التي تقود مثل هذا التحالف، عبر تعاون واسع مع الدول التي تخشى من توسع النفوذ الإقليمي لإيران.

خلاصة ونتائج

ربما ستكون أخطر نتائج حروب إسرائيل الحالية على أكثر من جبهة هي ابتعاد فرص تطبيق حل الدولتين لإنهاء الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، إذ تشعر إسرائيل بأنها باتت قادرة على استرداد الردع ضد إيران وأذرعها لسنوات طويلة قادمة، وبالتالي لماذا تُقدِم على القبول بحل الدولتين خاصة وأن الرأي العام الإسرائيلي نفسه بات أكثر يمينية ويرفض مثل هذا الحل جملة وتفصيلاً؟

على الجانب الآخر، تراهن إسرائيل على إمكانية انتشار الصراعات الداخلية في إيران وبعض دول العالم العربي، على خلفية ما هو متوقع من انقسام الرأي العام داخل هذه الدول حول أسباب الهزيمة التي مُنى بها محور إيران، وحول تداعيات هذه الهزيمة ثقافياً وعسكرياً واقتصادياً في المدى المنظور، وهو ما سيكفل، وفقاً لتصوراتها، إبعاد النقاش العام في العالمين العربي والإسلامي عن القضية الفلسطينية لسنوات قد تطول.

*خبير مشارك – مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

مركز الناطور للدراسات والأبحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى