ترجمات عبرية

زيفا شترنهل / اليسار مجبر على بلورة اساطير مجندة جديدة

هآرتس – بقلم  زيفا شترنهل  – 23/5/2018

يوم الاثنين 14 ايار يمكن استخدامه في المستقبل نقطة انطلاق ممتازة للمؤرخين الذين يريدون تحليل الواقع في اسرائيل في السنة السبعين على اقامتها. الاحتفال في القدس واندفاع فرح الجمهور في ميدان رابين في اليوم الذي قتل فيه 60 فلسطيني غير مسلح الذين حاولوا “تدمير اسرائيل”، حسب اعلان نتنياهو، تعبر عن ملخص التوجهات التي تشكل صورة المجتمع الاسرائيلي.

الاحتفال المسيحاني المجنون وتحويل الفائزة في الاورفزيون الى أيقونة تستحق السجود امامها مع تجاهل كامل للواقع الفظيع على حدود قطاع غزة، تدلل على أن التوق الى الاساطير وقدرتها على تجنيد الجمهور لم تتغير حتى في الفترة التي اصبحت فيها التكنولوجيا تسيطر على المجتمع وتهدد تماسكه، لذلك فان اللقاء الاكاديمي الذي عقد مؤخرا في جامعة تل ابيب في موضوع بناء اساطير في العصر الحديث، كان من شأنه أن يثير اهتمام اكثر من حفنة مشاركين، حيث أنه في الوضع الراهن يدور الحديث عن نقاش في مكونات ستحدد شكل المجتمع الانساني بشكل عام والمجتمع الاسرائيلي بشكل خاص. المؤتمر الذي خصص لكتاب دافيد اوحانا “الترتيب الاسطوري للحداثة” (اصدار الكرمل)، ركز في اغلبه على الدور المركزي الذي لعبته الاساطير في الثورة الصهيونية وفي انشاء دولة اسرائيل. ولكن رغم أنه من المهم الاعتراف بحقيقة أن اسرائيل قامت كنتيجة واضحة لتبني الاساطير القومية التي تمت بلورتها في اوروبا كبديل للدين، فانه في اسرائيل 2018 من المهم اكثر فهم الطريقة التي خلقت بها الاساطير وكيف تؤثر على الواقع الاجتماعي والسياسي.

المتحدثون ومن بينهم البروفيسور موشيه آيدن والبروفيسور رون مارغولين والبروفيسور موشيه كوتسرمن قاموا بطرح الخلفية التاريخية للظاهرة العالمية التي ترافق المجتمع الانساني منذ بدايته. الاساطير، كما قالوا، تعمل على الاحساس والخيال وهي اكثر خيالية من التفسيرات المنطقية. هذه الاساطير تنشر مثل قصص، تعطي اهمية وتفسير للعالم، وتمنح هوية لمجموعة وتستخدم مثل الصمغ الذي يجمع اعضاءها. هذه الحقائق، كما يتبين، لم تتغير حتى عندما ظهر في القرن الثامن عشر والتاسع عشر أن العلمانية والعلم والتفكير المنطقي ستؤدي الى نهاية الاساطير البدائية.

في اسرائيل الحالية ليس من الصعب تشخيص تأثير مجموعات صغيرة، يتم تحريكها من قبل الايمان باساطير الشعب المختار، التي يريد اعضاؤها العودة الى الايام الاولى من خلق العالم ومستعدون للموت من اجل حجارة “مقدسة”. ولكن من المهم اكثر ملاحظة اساطير أقل بطولية آخذة في التشكل أمام انظارنا.

أولا وقبل كل شيء يجدر تحليل مفهوم “الشعب” الذي يزداد استخدامه يوما بعد يوم، ليس فقط في الشبكات الاجتماعية بل ايضا في وسائل الاعلام المؤسسة. هكذا تم تبشيرنا مؤخرا ثانية بأن “الشعب” مع اليئور ازاريا وضد نتالي فورتمان. يبدو أن الامر يتعلق بظاهرة هامشية، لولا حقيقة أنه في تزايد الانباء التي تنسب لنفسها ملكية الشعب يكمن خطر: دون ادراك هي تتحول الى اللبنات الصغيرة التي تبنى منها في النهاية الاساطير الجديدة لبداية القرن الواحد والعشرين.

هكذا مثلا خلق التحديد المطلق لمفهوم “شعب” مع اليمين اسطورة ايضا في الجانب الثاني من الخارطة السياسية، الذي وجد تعبيره في شعور اليأس الذي يرافق معسكر اليسار. حقيقة أنه في الاسبوع الاكثر نجاعة في الحياة السياسية لنتنياهو عندما وفق بين دونالد ترامب وفلادمير بوتين منحته الاستطلاعات فقط 5 مقاعد اخرى، تدلل على أن ليس كل “الشعب” يتدفق خلفه بعيون مغمضة. حتى لو تقلصت كتلة اليسار فان كتلة الوسط ما زالت مترددة بين الجانبين.

اضافة الى ذلك فان الندب على هزيمة النخب “القديمة” مبالغ فيه. قوتها بارزة ليس فقط في الاكاديميا، في الثقافة والفن، ايضا في الاقتصاد الذي يعتمد على اشخاص مهنيين ذوي ثقافة عالية – اقتصاديون، علماء، محامون واطباء – تستند في اغلبها على رجال “الماضي” الذين بدون علاقة مع الخلفية الطائفية يميلون الى دعم اليسار – وسط.

المشكلة هي أنه في اليسار ليس فقط لا يوجد اليوم اساطير مجندة، بل ايضا ليس في اوساطه من يفكر بتشكيلها. في المقابل، اليمين ليس فقط يؤسس قوته على احد الافكار التي تلفها الاساطير والتي لديها قوة التجنيد الاكبر في العهد الحديث – القومية – بل يوجد في اوساطه ايضا من ينجح في استغلالها بنجاح. لا شك أن نتنياهو خبير في هذا المجال. استحواذه بشأن الاعلام ليس صدفة. هو يعرف جيدا حقيقة أن هذه هي الوسيلة الناجعة جدا لبناء اساطير مجندة يمكنها تشكيل الخارطة السياسية.

حتى لو أنه لم يقرأ كتاب اوحانا أو كتب اخرى منشغلة بهذا الموضوع، فهو يعمل بالضبط بنفس الاسلوب الذي اوصى به في نهاية القرن التاسع عشر المفكرون الذين مهدوا الارضية للمأساة التي حدثت في الثلاثينيات. لقد ناقشوا الاساطير كوسيلة سياسية ودعوا الى انتاج اساطير عنيفة من اجل تغيير الواقع. حقيقة أننا نعيش في فترة يتم التحكم بها من قبل زعماء عدوانيين مثل ترامب وبوتين واردوغان وزعماء شرق اوروبا “الجديدة” الذين رفعوا عن انفسهم كل القيود الاخلاقية، تذكر ايضا بواقع الثلاثينيات الذي تحولت فيه اساطير عنيفة الى برامج عمل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى